كتب "منتنة"

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/مارس/٢٠٢٠ ١٣:٥٥ م
كتب "منتنة"

علي المطاعني

البعض يسعى إلى إثارة القلاقل من خلال إعداد كتب تاريخية وجغرافية عن ولايات ومحافظات وقبائل وأجناس وغيرها في داخل السلطنة وخارجها، ويثير تبعا لذلك إشكاليات ومغالطات كبيرة بين أبناء هذا الوطن الواحد، ويسعى بذلك لإحياء تلك التي وصفها المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها (منتنة) .

الأمر الذي يتطلب من الجهات المختصة ضبط هذه الممارسات الضارة ليس فقط بمنع الكتب ومصادرتها من المعارض ومنعها من دخول السلطنة فحسب وإنما بمحاسبة كل من قام بمثل هذه الأعمال وإحالتهم للقضاء لنيل الجزاء العادل .
إن الغريزة الشريرة للبعض تتبنّى أفكارًا تثير الإشكاليات وتوقظ شيطان الفتنة من مرقده ليشهد استدعاء المواجع والعصبيات والمذهبيات والقبليات وغيرها من الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي ابتُليت بها الإنسانية على مر العصور .
فهكذا أمراض وفيروسات لا نهاية لها إن تم استحضارها؛ فهي لن يهدأ لها بال حتى تأتي على الأخضر واليابس، فاليوم نجد أنفسنا أمام محاولات دائبة لنبش الماضي الذي لن يعود مع سبق الإصرار والترصد، والنتيجة الحتمية لهذه الممارسات هي احتدام النقاش والجدل البيزنطي الذي لن يُفضي لنتيجة ترضي أي من الأطراف، وما بعد ذلك ونسبة لعدم الوصول لقناعات فإن الحوار العقيم سينتقل تلقائيا لمرحلة الحسم الجنائي وهكذا تبدأ الحروب وهكذا يبدأ الاقتتال ما بين البشر، فكما قال الشاعر قديما فإن النار بالعودين تُذكى وأن الحرب أولها كلام، فهذا النوع من (الكلام) هو الذي يفضي للاقتتال ما بين أبناء الوطن الواحد وتلك هي الفتنة وقد تجلت في أبهى معانيها، لذلك فإن (الحسم) بسيف القانون هو الذي ينبغي أن يحدث على الفور فالمسألة خطيرة بكل المقاييس.
وعلى الجهات المختصة كذلك متابعة هذه الظاهرة متابعة دقيقة، ومراقبة إصدارات هذه المطبوعات، ومصادرة كل ما يمس النسيج الاجتماعي بسوء أو بخدش وإن كان سهوا، فليس لدينا وقت للالتفات لهكذا قضايا، وإذا كنا قد طالبنا بحسم الظاهرة بسيف القانون فإن هذا السيف يتعين عليه أن يكون بتارا ويقطع من الجذور لا من السطح، فهذه النبتة الشيطانية إن لم يتم اجتثاثها من أعماقها البعيدة تحت الأرض فما من شك أنها ستعاود الظهور في يوم من الأيام لتثير المزيد من المنغصات الاجتماعية وتصرفنا عن المضي قدما في برامج التنمية المستدامة وصولا لرفعة وتقدم هذا الوطن ليقف كتفا بكتف مع الدول العظمى اقتصاديا وعلميا .
نحن على قناعة بأن البعض يتعمد وبسوء نية نبش الماضي بكل عثراته ووخزاته ليعود بنا إلى المربع الأول الذي تجاوزناه بكل اقتدار منذ زمن بعيد متطلعين إلى آفاق المستقبل في بناء الوطن بعيدا عن كل المنغصات وتبعاتها وهو ما يجب أن يعيه كل الذين ما برحوا يعمهون في غياهب جاهلية الماضي، فبعض الفئات ترى نفسها أقلية رغم أن المواطنة في دولة المؤسسات والقانون لا تعترف بأقلية أو أكثرية فالكل سواسية في المواطنة وفي الواجبات والحقوق تلك هي دولة القانون التي نعيش في كنفها، وبما أنهم لم يستوعبوا هذه الحقائق الدامغة بعد فإنهم يتشبثون بالماضي ويحنون إليه وإلى شموسه الآفلة إذ يرون في هذا المساعي إثباتا للذات رغم إن هذا الإثبات لا أهمية له أصلا نسبة لما أشرنا إليه.
إن الحنين للماضي بدواعٍ كثيرة سيظل غريزة إنسانية جامحة تعشعش في بعض العقول فهي بحاجة للكبح حتى لا تنفلت من حيث هي قابعة، فهي تحاول جاهدة الإساءة للغير ونسب أمور لغير أهلها وإقصاء فئة ما والعبث بجغرافية المكان والزمان واستغلال حرية التعبير المكفولة بالقانون للوصول لأهدافها المرفوضة جملة وتفصيلا.
بالطبع ندرك بأن التاريخ ملك مشاع للجميع غير أن ذلك لا يعني محاولة لي عنق الحقيقة الثابتة تاريخيا وجغرافيا، وستبقى الحقيقة ثابتة في كتب التاريخ لن تغيرها التشنجات ولا الصياح من فوق جدران الواقع.
نأمل أن نترفع عن مثل هذه الصغائر والابتعاد عن كل ما يكدر صفو الأمن والسلم والمجتمع، فتلك جميعها أمراض رمينا بها وراء ظهورنا منذ تباشير النهضة عام 1970م ولم يعد لها مكان في حاضرنا.