المنظومة اللوجستية ماضية في مسارها

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/مارس/٢٠٢٠ ١١:٣٤ ص
المنظومة اللوجستية ماضية  في مسارها

علي المطاعني

تعزيز الموقع الجغرافي المتميز للسلطنة على خارطة الملاحة الدولية، وموضعها اللوجستي بين الشرق والغرب، وتعظيم العائد من المرافق الحيوية كالموانئ والأصول الاخرى، لا يتأتى إلا من خلال إيجاد منظومة إقتصادية فاعلة تدير هذه المرافق وتعزز من كفاءتها إلى ما نتطلع اليه، فالموقع الرائع والمرافق بحجمها وتكلفتها العالية، لا يمكن أن تصنع اقتصادا أو تعزز من قيمته، بدون إدارة كفوءة، وهذا ما فطنت إليه الحكومة عند إنشاء مجموعة (أسياد) ‏لإدارة المرافق الحيوية كالموانئ والمناطق الحرة والأعمال اللوجستية لتتكامل مع بعضها البعض ومع غيرها في منظومة إقتصادية فاعلة قادرة على النهوض بهذه أو تلك المرافق ولتكون هي الذراع الإستثماري للحكومة في هذا المجال الحيوي والمهم الذي يتنفس منه الإقتصاد ويجسد ماهية التنويع الاقتصادي بمفهومه الكامل الذي تسعى إليه الحكومة لتنويع مصادر الدخل، إلا أن ذلك لن يتأتى دون جهود تبني قطاعا ديناميكيا قادرا على الإيفاء بهذه أو تلك الإستحقاقات الوطنية والإقتصادية التي يتطلبها الوطن في المرحلة المقبلة.

بلا شك أن بناء قطاعات اقتصادية فاعلة وأذرع استثمارية واعدة لقيادة التنويع الإقتصادي في المجالات الغير النفطية ليست سهلة أو هي خبط عشواء في ظل التنافس الدولي لاجتذاب ‏حصص من السوق العالمي وإضفاء تسهيلات ومزايا غير عادية وهو ما يفرض عليها تحديا يجب مواكبته بسرعة غير متناهية ويحتاج لمؤسسات فاعلة، ولا يغيب عن البال بان هذه المنظومات الإقتصادية ورثت تركة ثقيلة من بقايا انظمة الأجهزة الإدارية للدولة ، وتعمل على إنسجامها مع الواقع الجديد الذي يتطلب ان تكون عليه الشركات بكل مفاهيم عملها.

فبناء شركات قادرة على إدارة هذه المرافق ليست بالأمر البسيط كما يتصور البعض، فهي تحتاج إلى وقت كاف والثقة الكبيرة لوضع بصماتها في هذه المجالات لإدارة الأصول المتمثلة في المرافق وفق الأنماط العالمية لمضاعفة العائد على الإستثمار من جانب وإستغلال الموقع والموضع بشكل أكثر جاذبية من جانب آخر ، والقدرة على مواكبة التطورات ومواجهة المتغيرات المتلاحقة من جوانب أخرى، ولكن كل ذلك وغيره يفرض المزيد من التروي والسعة في الإنتقال بهذه المرافق من حالة الجمود إلى الديناميكية العالية التي تستوجبها عمليات إدارة المرافق البحرية والمناطق الحرة وغيرها من الأعمال اللوجستية.
فالموانئ على سبيل المثال ماهي إلا مرافق وكذلك المطارات وغيرها من منافذ إذا لم تكن لديها أداة ديناميكية عالية المستوى تتمثل في شركات ذات قدرات عالية لإدارتها وتحسين إستخدامها وتطويرها ، وإلا ستبقى جامدة إلى ما شاء الله والعكس أيضا صحيح.

فنحن اليوم أمام مرحلة مفصلية في تهيئة التنويع الإقتصادي تحتاج إلى بني أساسية وكيانات فاعلة، وإلا لن يتحرك قيد أنملة للأمام، فإنشاء هذه الشركات وتلك المجموعات هي أولى الخطوات التي تتطلبها الأذرع الإستثمارية لإدارة المرافق الحيوية، وتعزيز سياسات تنويع مصادر الدخل، تماما كما تحتاج إلى بنية اساسية ، وفي المقابل تحتاج إلى إدارات تشغيلية ذات كفاءة تعمل على إستثمارها بشكل جيد، مثلما انفقت أموال وإستثمارات في تهيئة البنية الأساسية كما هو الحال في العديد من المنشآت التي تحتاج إلى بنية تشغيلية قادرة على ادارة هذه المرافق ، وهكذا يتم العمل لبناء كيانات اقتصادية وليس بين ليلة وضحاها تتولد بدون مراحل تطور وهياكل ورؤية ورسالة واضحة لما يجب ان تكون أو لما نتطلع إليه .

فإنشاء شركات على النمط العالمي لإدارة المرافق والأصول المتوفرة والموقع الجغرافي وتوظيف الإمكانات وتعزيز الموارد البشرية ونقل التقنيات الحديثة والتكيف مع الأوضاع وتأهيل القدرات ونقلها وفق ما يتطلبه العمل ، كلها عوامل تتطلب جهودا مضنية وعملا دؤوبا وإرادة قوية في ظل الضغوط مابين ضرورة تحقيق نتائج إيجابية من جانب ، وضغوط المجتمعات الغير مدركة لحجم الأعمال المناطة من جانب اخر ، والحوكمة الدقيقة على هذه أو تلك الشركات من جهة داخليا وخارجيا ، فخارجيا هناك أجهزة رقابية وطنية تعمل على متابعة أداءها في إطار مسار عملها ، فالتعاطي الغير إيجابي من البعض الذي يركز على الجزئيات البسيطة ويترك الكثير من الإيجابيات والمكاسب المتحققة من بلورة هذه القطاعات بشكل إقتصادي فاعل وقابل للإستدامة ومتجدد ومتواكب مع التطورات الوطنية والإقليمية والدولية ، تلك تشكل بالطبع احباطات متتالية لا يجب الإصغاء إليها وإلا فستعيدنا للخلف.
ان الحديث عن الموقع الجغرافي ومحاسنه والموضع الإقتصادي ومكاسبه ليس كافيا إذا لم تقترن تلك المزايا بمؤشرات كثيرة تقاس على أساسها الكثير من الجوانب كالتجارة العابرة ونسبة التفتيش وسرعة المناولة وإستخدام التكنولوجيا وكفاءة العمل وتكامل الخدمات ، فهذه الجوانب لن تتأتى ما لم تكن هناك كيانات إقتصادية تبلور مثل هذه الإجراءات وتحسنها وتتابع أداءها بتطور مستمر وأداء متميز.
لنا أن نفخر بأن حصول السلطنة على المرتبة الأولى خليجيا في مؤشر التجارة عبر الحدود وذلك في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020 ،والثالث عربيا وخليجيا في عدد من المؤشرات من أبرزها كفاءة خدمات الموانئ وإتصال شحن الخطوط الملاحية المنتظمة ، وحصول السلطنة على المركز 18 عالميا في مؤشر الربط البحري وكفاءة الموانئ في تقرير التنافس العالمي لعام 2018 وغيرها .
كل ذلك يعكس بجلاء نجاح هذه المنظومات الإقتصادية ‏في وضع هذه المرافق في وضع القادر والجاهزية ، فضلا عن الدور الكبير الذي تنهض به شرطة عُمان السلطانية عبر نظام (بيان) للتخليص الجمركي الذي يسهم بفاعلية في التخليص المسبق للبضائع إلكترونيا وإنهاء كافة الإجراءات خلال 21 دقيقة فقط من وصول البضائع والسلع للسلطنة، وذلك عزز من أداء القطاع اللوجستي في السلطنة وتنافسيته في قطاع التجارة واللوجستيات ، وهو ما يجذب المستثمرين من الشركات العالمية والمستوردين من كافة دول العالم ، فهذه الخطوات وغيرها لا يمكن أن تصنعها مرافق بدون إدارات فاعلة وأنظمة قوية وترويج عالمي لجذب كبريات الشركات العاملة في النقل البحري والحاويات لإستخدام مرافقنا وهو ما يجب أن نمضي عليه في المستقبل وتهيئة كل السبل بشأنه لما له من أهمية في تعزيز رؤية عُمان 2040 ، وإضفاء قيمة مضافة عالية للمرافق ، وبذلك يمكن أن نحقق تطلعاتنا في تنويع مصادر الدخل التي تتطلب التهيئة الملائمة وليست دعوات وتمنيات بدون أن تقترن بأعمال على الواقع تتناسب مع متطلبات العمل في هذه القطاعات ومع العالم. بالطبع التحديات موجودة في أي مرفق وفي أي دولة وأي عمل لا يخلو من الصعاب لكن لا يجب أن يكون ذلك معيقا لنا وإنما فرصا من أجل التحسين للأفضل وهكذا تُبني الإقتصاديات وتنهض الأمم والشعوب.
نأمل أن نؤمن بأن المنظومات الإقتصادية والأذرع الإستثمارية بأنها تعمل على تحقيق ما تصبو إليه الحكومة من تمكين للقطاعات الإقتصادية في البلاد ورفد سياسات التنويع الإقتصادي في السلطنة وإعطاءها الوقت والفرص لكي تعمل بأريحية كاملة ، ونثق في أنها تعمل وفق منظومات عمل محكمة وقادرة على التطوير على ضوء الكثير من المعطيات الإيجابية التي تتحقق يوما بعد الآخر والكثير من التحديات التي يتم التغلب عليها بصمت بعيدا عن الضوضاء ، وهو المسار الصحيح الذي نتطلع إليه جميعا.