لا تزال القاهرة تقدم روايات أقل معقولية عن مقتل جوليو ريجيني وليس للدبلوماسيين الإيطاليين فحسب. والسبب الوحيد للاستمرار في تحمل تلك الروايات هو الخوف من أن تنهار هذه الدولة ما قد يؤدي لأزمة من شأنها أن تجر المنطقة بأكملها إلى الهاوية.
وهذا يمثل معضلة حقيقية بالنسبة لروما، التي عليها أن تقرر ما إذا كانت ستستخدم حقل الغاز الذي اكتشفته شركة إيني مؤخراً كأداة تساعد في حل القضية، بحسب ما ذكرت صحيفة"لا ستامبا" الايطالية.
شكري وكيري
على هامش القمة النووية بواشنطن، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري بوزير الخارجية الأميركي جون كيري والذي تطرق إلى مشكلة ريجيني. وكان فحوى ما قاله كيري يدور حول فكرة أنكم طالما كنتم تفعلون ذلك بمواطنيكم، ورغم أن هذا لا يعجبنا، لا يمكننا أن نتدخل كثيراً، ولكن، إذا بدأتم في استهداف مواطنين أجانب، فهذا أمرٌ مختلف.
وكان ردُّ شكري مثيراً للإحراج . فأحدث "رواية للقاهرة هي أن ريجيني كان متورطاً في عصابة إجرامية، وأنه شارك في جلسات جنس جماعي سادي. وأن أفراد تلك العصابة عذبوه وقتلوه. واكتشف ضباط الشرطة المجرمين، ولكن عندما حاولوا الإمساك بهم، وقع تبادل لإطلاق النار، فقتلوا جميعاً على إثره. ومن هنا فلم يعد هناك شهود عيان مباشرون يستطيعون أن يقولوا ماذا حدث لريجيني بالضبط.
تلك الروايات كانت لتصبح سخيفة فقط لولا أن وراءها مأساة. المشكلة مع ذلك، أكبر من هذا، وتتعلق باستقرار دولة عدد سكانها ٩٠ مليون نسمة. بلد كان دائماً مفتاحاً لاستقرار الشرق الأوسط، ولكنه يفتقر إلى الموارد الاقتصادية اللازمة كي يقف على قدميه وحده.
رواية أكثر مصداقية
رواية أخرى تبدو أكثر مصداقية وأكثر إزعاجاً، هي أن المؤسسات الأمنية التي تمسك بالبلد تعاني انقساماً فيما بينها.
فمن ناحية هناك جماعة الرئيس السيسي، مدعومة بوزارة الداخلية، والتي كانت تفضّل عمل إصلاحات اقتصادية ومزيد من احترام حقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى هناك فصيل أكثر تطرفاً، علماني أيضاً، لكنه مع ذلك يفضل أن يقوم بكل شيء باستخدام القوة.
هذا الصراع الداخلي هو المبرر الذي تستخدمه جماعة السيسي لرفض أي نوع من التقدم فيما يتعلق بالإصلاح. والشكوك تدور حول أن ريجيني قتل على يد الجماعة الأخيرة، لوضع الحكومة في مأزق، والتعجيل بسقوطها.
معضلة استراتيجية لإيطاليا
وبحسب المصريين فإن ريجيني قد عرض نفسه لما حدث بتحرّكه في دوائر كان عليه تفاديها. ففي الأيام السابقة على موته، طلب تحديد موعد مقابلة في السفارة الإيطالية بالقاهرة، والتي لم تتم.
وهذا ربما أقنع قاتليه أنه كان في موقف ضعف ويمكن مهاجمته. مصر أيضاً في مشكلة فيما يخص الحرب على الإرهاب. فهي تطلب المعونات لمحاربة القاعدة وتوسع داعش في سيناء، ولكنها لا تشرك معها أياً من هؤلاء الحلفاء المقربين الذين تطلب مساعدتهم.
وهي في ليبيا قد دعمت طبرق وطالبت الجنرال حفتر أن يلجأ إلى حل عسكري للأزمة الوطنية، بما عقّد وساطة الأمم المتحدة التي كان يدعمها المجتمع الدولي كله.
هذا كله يمثل معضلة استراتيجية خطيرة بالنسبة لإيطاليا. فحقول الغاز التي اكتشفتها شركة إيني مهمة للغاية لدعم الاقتصاد المصري، لكنها أيضاً أداة يمكن لروما أن تستخدمها لدفع القاهرة إلى الكشف عن حقيقة قضية ريجيني، مع مخاطرة التعجيل بدفع البلد إلى الانهيار.
هذه المادة مترجمة بتصرف من صحيفة لا ستامبا الايطالية.