مستثمر يبحث عن مستثمر !

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/فبراير/٢٠٢٠ ١١:٣٦ ص
مستثمر يبحث عن مستثمر !

علي بن راشد المطاعني

في ظل تشجيع الدولة للمستثمرين وتقديمها التسهيلات والمزايا التفضيلية لهم ومن بينها الأراضي لفائدة القطاعات الاقتصادية ولإقامة مشروعات استثمارية تتطلبها التنمية الاقتصادية عبر منشآت بنكهة تجارية كالفنادق والنُزل إضافة للمرتكزات السياحية على سبيل المثال، إلا أن بعض المستثمرين وما أن تؤول إليهم تلك الأراضي يسارعون في البحث عن مستثمرين آخرين، فتبقى تلك الأراضي تدور في فلك المستثمرين وبغير أن تستقر في مكان واحد لتطرح ثمارها للناس.

ما يحدث لا يعدو كونه حالة تحايل لا تخطئه العين بغرض الاستفادة من التسهيلات المغرية التي توفرها الدولة عن طيب خاطر ومن أجل عيون التنمية المستدامة، والنتائج المترتبة على ذلك واضحة بطبيعة الحال، وتتمثل في تعطيل الكثير من المشروعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية وفي قطاعات نحن في أمسّ الحاجة إليها، هو أمر يبعث على الدهشة والحيرة معا لهذا التعاطي المفتقر للمسؤولية.

صحيح أن الدولة من ناحيتها تؤمن بأن استثمار رجال الأعمال والاقتصاد مكمل لما تبذله في هذا الشأن وباعتبار أن الجهات الحكومية لا تستثمر بنفسها ولا يتعين عليها منافسة القطاع الخاص في مشروعات ذات صبغة تجارية أو أن تمارس الأنشطة الاقتصادية بنفسها، وبما أن الأمر كذلك وفي هذه النقطة تحديدا يتم استغلال هذا المفهوم الإيجابي بنحو سيئ رغم أن المرسوم السلطاني رقم 5/‏‏1981 الذي صدر بعد 11 عاما فقط من النهضة المباركة نظم حق الانتفاع بأراضي الدولة بنحو واضح وجلي ومنع هذا النوع من الممارسات التي باتت تمثل هاجسا يحد من دوران عجلة التنمية كما ينبغي.

فقد أشار المرسوم إلى أن الغرض من حق الانتفاع من الأراضي هو تحقيق أحد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية سواء كان الغرض تجاريا أو صناعيا أو زراعيا أو غير ذلك من الأغراض التي تحقق الغاية من منحها.

فعلى الرغم أنه لا يمكن انتقال أرض حق انتفاع من مستثمر إلى آخر، إلا بموافقة خطية ورسمية من الوزارة، والوزارة ترتبط مع المستثمر وفقا لآجال وإن لم يحترمها تسحب الأرض والعملية مستمرة، إلا أن ذلك يعطل المشروعات لفترات أطول بدون دواعٍ.

فيما بعد هذا الإيضاح الجلي يحدث ما يحدث في واحدة من أكبر مشاهد الالتفاف على المرسوم المشار إليه، ما بعد ذلك تضطر الجهات المعنية لنزع الأراضي رغما عن أنه وفي البدء قدم دراسات جدوى وتصاميم وأبدى حماسا كذوبا لإظهار الجدية، وعندما أوفت الحكومة بما وعدت انقلب على عقبيه وبدأ في البحث عن مستثمر ليستفيد هو من ريع بيعه لاستثماره وهكذا تستمر الرحى في طرح الهواء بديلا عن الطحين المنتظر لإطعام الناس.

حقيقة أن مثل هذه الممارسات تعطل الكثير من التطور في المرافق التي يتطلب توفيرها لمواكبة الحركة السياحية وغيرها؛ فزيادة الطلب على المنشآت الفندقية في محافظة معينة أو ولاية من ولايات السلطنة يدفع بالوزارة لطرح مشروعات للاستثمار بهدف مواكبة زيادة الطلب، وحرصا منها على إحداث التوازن بين العرض والطلب لتحقيق العديد من المطالب من ضمنها تأكيد جدوى المشروعات اقتصاديا.

بالطبع بعض المستثمرين أصحاب النوايا السليمة والضمير الحي يباشرون مشروعاتهم بمجرد استلامهم الأرض مستفيدين من المزايا التي توفرها الدولة ومن بينها حقوق الانتفاع، إلا أن النسبة العظمى منهم هم أولئك الذين أشرنا إليهم للأسف.

نأمل أن ينتهي هذا الضرب من الممارسات الضارة اقتصاديا واستثماريا من خلال تفعيل منطوق المرسوم السلطاني المذكور الذي غطى كل تفاصيل وجزئيات وأهداف منح الأراضي ووضع الضوابط الصارمة في كيفية الاستفادة منها بنحو يحقق أهداف وغايات التنمية الشاملة وتأكيد ديمومتها.