الاعتداء على مجاري الأودية يهدد التنوع البيئي

بلادنا الخميس ٠٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٦:١٥ ص
الاعتداء على مجاري الأودية يهدد التنوع البيئي

الحمراء - طالب بن علي الخياري

تعد الأودية الشريان الوحيد لتغذية وتوزيع المياه عبر مجاريها، فهي مصدر يعول عليه الكثيرون لتخزين المياه في جوف الأرض كي تتم الاستفادة منها في ري الأرض والاستعمال البشري عبر الأفلاج والآبار.

لذلك فإن مجاري الأودية ومساراتها وإحراماتها باتت عرضة للاستيلاء، ما ينتج عنه انقطاع الأودية عن بعض القرى ومن ثم تأثر المزارع بملوحة التربة وارتفاع معدل ملوحة المياه، فالأودية تجلب معها التربة الطينية، ما يجدد من تربة المزارع ويعمل على زيادة خصوبتها.
والاعتداء على مجاري الأودية هو أشبه بجريمة لا ينبغي السكوت عنها أو التستر عليها لأن هذا العمل يهدد بقاء مجاري الأودية سليمة ما يهدد البيئة العمانية وتنوعها الطبيعي ودورتها الحياتية.

المخزون الجوفي

الرشيد سيف بن زاهر بن سالم العبري تحدث عن دور الأودية في تجديد التربة بالمزارع وإيجاد التوازن المائي بين الملوحة والعذوبة فقال: يعد تدفق مياه الأودية أحد الأسباب الرئيسية في زيادة مخزون المياه الجوفية في باطن الأرض بما يعرف في السلطنة بنظام الأفلاج، وهذه الأفلاج تروي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في كثير من ولايات السلطنة، إلى جانب الآبار الارتوازية التي تشكل عاملا مساعدا في الحصول على مياه الري والشرب وسائر الاستخدامات المنزلية.
وأضاف: وفق معلوماتي عن سبب تداخل المياه المالحة مع المياه العذبة وشيوع ظاهرة الملوحة، فإن ذلك يعود إلى زيادة الطلب على المياه نتيجة الزحف السكاني والنشاط التجاري والصناعي، يصاحب ذلك - مع مرور الوقت - اتخاذ تدابير إضافية مساعدة للأفلاج والآبار، ومن ذلك إنشاء السدود المائية التخزينية التي أصبحت ســمة بارزة قلمـــا تجــد ولاية أو قريــة عمانية إلا ويتواجد بها عدد من السدود بأنواعها وسعاتها التخزينية، وفق آلية وضعتها الجهات المختصة من حيث الحجم والموقع وغير ذلك.
ويقول العبري: مع كون هذه السدود ذات أهمية كبيرة في حجز كميات كبيرة من المياه للاستفادة منها على المدى الطويل، إلا أن بقاء المياه وحجزها لا يخلو من سلبيات يغفل كثير من الناس عنها، ومن ذلك أن تدفق المياه في باطن الأرض يعمل على تجديد المياه بشكل متواصل، والعمل على إيجاد توازن مائي بين عذوبة المياه وملوحتها. وعلى سبيل المثال ما حدث في عدد من الولايات الواقعة على الشريط الساحلي من ملوحة شديدة للمياه نتيجة انحسار المياه المتدفقة من الأودية نتيجة وجود حواجز تمنعها من التدفق بما يسمى بالسدود المائية، وبالتالي أدى ذلك إلى تداخل مياه البحر ودخولها إلى طبقات الأراضي بطريقة عكسية، ومن ثم حلت مياه البحر المالحة محل المياه العذبة المتدفقة من رؤوس الجبال عن طريق الأودية، والتي حالت السدود التخزينية دون تدفقها في باطن الأرض.
وأضاف أن تدفق المياه من رؤوس الجبال يعد عاملا لمساعدة الأفلاج والآبار في تكوين مخزون جوفي بشكل أفضل.

انقطاع المياه

وقال عبدالله بن سويد الجديدي إن الله تعالى حبى السلطنة طبيعة جميلة تمثلت بكثرة الجبال والتلال ما أدى إلى كثرة الأودية سواء الأودية الشديدة الغزارة عند نزولها كوادي تنوف ووادي غول ووادي فدى ووادي ضيقة وغيرها الكثير أو الأودية المتوسطة والضعيفة الغزارة.
وأضاف: أذكر قديما قبل إقامة السدود على مجاري هذه الأودية أن أهل البلاد التي تمر بها هذه الأودية لم يكونوا يشتكون من قلة مياة الآبار وانقطاع المياه فيها وكانت تكثر على مسارات هذه الأودية الأعشاب والمراعي. ولكن، عندما تدخل الإنسان في مسار هذه الأودية و وضع السدود على مجاريها ظهرت كثير من المشاكل والسلبيات عند إقامتها وأهمها قلة مياه الآبار في البلاد التي تأتي بعد الأماكن التي أنشئت فيها السدود واستفادت فقط المناطق القريبة من السدود. كذلك اختفت الأعشاب والمراعي التي كانت تكثر على مجرى الوادي وهذا جعل من مجاري هذه الأودية قاحلة ومقفرة بسبب هذه السدود.
وتابع بالقول: أعتقد أن هذه السدود وضعت دون الرجوع إلى أهالي المناطق التي تمر بها هذه الأودية واستشارة أهل الخبرة والدراية بالمشاكل التي قد تنجم عن إنشاء هذه السدود. ولا يخفى على أحد دور هذه الأودية في زيادة المخزون الجوفي للآبار القريبة من مجاري هذه الأودية وانقطاع هذه الأودية بسبب هذه السدود الأمر الذي أدى إلى تأثر المخزون الجوفي لكثير من الآبار البعيدة عن مكان إنشاء السد.
وأشار إلى أن هناك كثيرا من الأودية ما زالت مجاريها موجودة ولكن بسبب السدود انقطعت هذه المجاري بل إن البعض قام بإنشاء مبان سكنية أو تجارية وصناعية في مجاري هذه الأودية بعد وضع السدود.
ويقترح الجديدي عند دراسة إنشاء السدود الأخذ بالاعتبار مدى فائدة هذه السدود على القرى التي يمر بها هذا الوادي وإذا كانت الفائدة لفئات بسيطة فالأفضل عدم إنشاء هذه السدود وبدلا من ذلك إنشاء سدود يمكن فتحها والتحكم في منسوب المياه بها بحيث يمكن فتحها عند امتلاء السد وجعل مياه الوادي تمر في مجاريها كأنه لا يوجد سد يمنع جريانها وتعشيب مجاري الأودية المتأثرة من إنشاء السدود حتى يشعر الآخرون بعدم تأثر هذه الأودية بإنشاء السدود وعدم استغلال مجاري الأودية في إنشاء منشآت سكنية وتجارية وصناعية.

تغذية المخزون

من جهته قال سعيد بن علي النبهاني إن الأودية لها دور كبير في تغذية المخزون الجوفي وسرعة زيادة مستوى المياه في الآبار وكونها تمثل منظرا طبيعيا وملجأ للكثير من الطيور والحيوانات، وهناك أسباب أدت إلى انقطاع أو تغير مجرى هذه الأودية مثل بناء البيوت في مجراها وإلقاء مخلفات البناء في بعض هذه الأودية.
وأضاف: هناك حيازات على مجرى أو مسار هذه الأودية سواء كانت قانونية أو غير قانونية ويجب على الجهات المعنية الاهتمام بهذه الأودية وعدم السماح بالتعدي على مجاريها ومساراتها بل الحفاظ على مجاريها وسن القوانين التي تمنع ذلك ومعاقبة كل من يتعدى عليها.

ويؤكد أحمد بن سالم الخياري أن انقطاع الأودية يمكن أن تكون له مسببات عديدة منها: إقامة السدود بالأودية وهو أمر له منافع من خلال زيادة المياه الجوفية ولكنه يؤدي إلى عدم وصول الأودية إلى بعض القرى في ظل ضعف قوتها وقلة جريانها واستنزاف المياه الجوفية بشكل كبير جدا سواء في أعمال الري أو في الاستخدامات اليومية عن طريق الآبار اﻻرتوازية.

وأشار إلى أن من العوامــل الأخرى قلة سقوط الأمطار بسبب التغيرات في عوامل الطقس والمناخ خلال الأزمنة الفائتة، حيث أصبحت الإمكانات المائية أقل بكثير عما كانت عليه سابقا، الأمر الذي أدى إلى انعدام الجريان السطحي للمياه ونضوب العديد من الآبار والعيون والأفلاج والأودية، وبسبب ارتفــاع حـــرارة الجـــو وزيادة تكرار موجات الجــفاف المرتبطة بالأحوال الجوية.

وأضاف أن دور هذه الأودية في هذه القرى هو تغذية الابار والافلاج والمياه الجوفية بشكل عام وأنها تعطي القرى مناظر خلابة وهي عامل من عوامل الجذب السياحي وموطن للعديد من الحيوانات والطيور والاشجار والزهور.
وذكر الخياري أن أغلب مجاري الاودية موجودة كما كانت عليه مسبقا من ناحية مساحاتها واعماقها، ولكن في بعض الأودية تم إدخال عدد من المساكن بالقرب منها بحسب المخططات القديمة كما توجد مخططات قديمة تكاد تكون باﻻودية او على خط مجراها وذلك نظرا لعدم وجود دراسة مسبقة انذاك، ولكن في الوقت الحالي فان المخططات الجديدة تم فيها مراعاة مجاري تلك الاودية.
ولخص الخياري المطلوب فيما يلي: مرعاة مجاري الاودية واعطاؤها الحق المناسب لها من حيث المساحة واتساع مجراها وعدم عمل مخططات ملاصقة لتلك المجاري وعدم السماح برمي المخلفات في مجاري الاودية والتي تتمثل في مخلفات البناء وغيرها وإقامة السدود على أن يكون ذلك بعد دراسة عميقة حتى لا تؤثر سلبا على مجاري الاودية.

عقوبات رادعة

يؤكد المدير العام المساعد للمديرية العامة للبلديات الاقليمية وموار المياه بمحافظة الداخلية محمود بن خميس المخمري أن الوزارة لا تسمح بالتعرض للاراضي الخاضعة لمسارات الاودية من خلال لجنة مختصة بالحيازات حيث تتم مخالـــفة كل من يقـــوم بحـــيازات غير قانونية.

وقال إن الوزارة تنسق مع وزارة الاسكان عند توزيع المخططات السكنية بحيث لا تؤثر على مجاري الاودية ومساراتها او اقامة بعض المشاريع التي تجلب الضرر لتلك الاودية من حيث الكسارات والمشاريع المرتبطة بها فلا تعطى التصاريح بمزاولة تلك المشاريع كما ان هناك عقوبات من قبل لجنة المخالفات تكون رادعة لمن تسول له نفسه الاعتداء على تلك المجاري المائية.
وذكر أن هناك اهتماما من جانب البلديات بإقامة العبارات والجسور في اثناء اقامة الطرق على مجاري الاودية واقامة سدود الحماية وذلك للحفاظ عليها وعلى سلامة المواطنين القاطنين على ضفاف الاودية كما ان البلديات تتابع النشاطات البشرية وتراقب باستمرار أي نشاط مخالف وتقدم المشورة والاقترحات اللازم اتباعها من قبل المعنيين للمحافظة على الاودية، كما أننا لم نسجل أي واد من الاودية جف بسبب وجود الكسارات أو أنها أضرت به.
وأشار إلى أن وزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه تولي أهمية كبرى بالمياه وترشيدها وحماية الاودية والمسارات المائية حيث قامت الوزارة ضمن مشاريعها وخططها بتجديد وتنظيف مجاري الاودية في بعض الولايات وكذلك العمل على ازالة مخلفات الاودية من الاتربة والحجارة ومخلفات الاشجار وايضا كانت ولاتزال مهتمة بعمليات صيانة السدود وتنظيفها من المخلفات بصفة دورية.

أسباب متعددة