نسخة بوتينية في الاتحاد الأوروبي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٨:٢٠ ص
نسخة بوتينية في الاتحاد الأوروبي

نينا خروشوفا

كانت واحدة من أتعس مفارقات احتفال هذا العام بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لانهيار الاتحاد السوفييتي أن المجر وبولندا، الدولتين الأكثر توتراً بين الأمم التي وقعت أسيرة الاتحاد السوفييتي، يقودهما الآن رجلان يحاكيان أسلوب الحكم الذي يمارسه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن. فهما أيضاً يفرغان المؤسسات الديمقراطية المستقلة من مضمونها ويقمعان الحريات الأساسية للمواطنين. وكما يقول المثل القديم: "أصبحنا ما نكره".
بعد سقوط الشيوعية، أعلنت كل من بولندا والمجر أنها دولة في أوروبا الشرقية لا أكثر. ولكنهما بدلاً من ذلك كانتا جزءاً من أوروبا الوسطى، أو حتى أوروبا الغربية، على قدم المساواة مع النمسا. واليوم تعتنقان الحكم الاستبدادي على طريقة بوتن، إلى الحد الذي يجعلهما عُرضة للعقوبات من قِبَل الاتحاد الأوروبي. والواقع أن مثل هذا العقاب أمر مستحق.
فالآن يقود بولندا ظاهرياً الرئيس أندريه دودا، في حين يسيطر عليها في واقع الأمر رئيس الوزراء السابق ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة اليميني. وكاتشينسكي هو الشقيق التوأم للرئيس الراحل ليخ كاتشينسكي، الذي توفي في حادث سقوط طائرة بالقرب من سمولينسك في روسيا عام 2010، عندما كان في طريقه لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة كاتين التي ارتكبها السوفييت عام 1940. وعلى الرغم من اعتبار الحادث عَرَضيا، يصفه حزب القانون والعدالة باعتباره نتيجة مؤامرة دبرها الكرملين ــ وهو اتهام يدل على جنون الشك والعَظَمة، وتزداد غرابته نظراً لتصميم كاتشينسكي الواضح على محاكاة سلوك بوتن.
من المؤكد أن كاتشينسكي وبوتن يزدريان سيادة القانون. ففي روسيا، يُعَد التلاعب بمحاكمات من يعتبرهم النظام أعداءً له بين التكتيكات المفضلة لدى الكرملين. وكان من بين هؤلاء الأعداء المفترضين رئيس شركة يوكوس للنفط سابقاً ميخائيل خودوركوفسكي، الذي شكك في صلاحية بوتن لتولي منصب الرئيس؛ والمحامي المناهض للفساد أليكسي نافالني، الذي كان يحقق في ثروة بوتن؛ وفرقة الروك بوسي رايوت، التي سخرت من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي تمثل جمهوراً انتخابياً أساسياً لبوتن. وفي الأسبوع الفائت، في محاكمة صورية سيئة السمعة، تلقت الطيارة الأوكرانية ناديا سافتشينكو حكماً بالسجن 22 عاماً استناداً إلى دليل ملفق على تورطها في مقتل اثنين من الصحافيين الروس خلال الصراع الانفصالي في شرق أوكرانيا.
ومن جانبها، ألغت الحكومة البولندية تعيين ثلاثة قضاة جدد في المحكمة الدستورية كانت الحكومة السابقة بقيادة المنبر المدني قد نصبتهم. وعلاوة على ذلك، عملت الحكومة على تحييد المحكمة من خلال منع القضاة من التشكيك في دستورية التشريعات أو التحقيق في القرارات التنفيذية من دون الحصول أولاً على موافقة البرلمان. وباستغلال ثغرة في النظام القانوني في بولندا، ترفض السلطات نشر بعض قرارات المحكمة الدستورية، وهو التحرك الذي يبطل في الأساس صلاحيات المحكمة، لأن القرارات غير المنشورة لا تحمل رسمياً صفة القانون.
وتتلقى الحكومة البولندية أيضاً الإشارات والتوجيهات من الكرملين في استجابتها لحركة الاحتجاج المدنية التي نشأت في الاستجابة لمثل هذه التصرفات. ولم تكتف حكومة بولندا بالتنديد بالحركة باعتبارها معادية للوطن وموجهة من قِبَل مصاح أجنبية؛ بل إن زعيم هذه الحركة، المتخصص في الكمبيوتر ماتيوز كيجويسكي، أصبح عُرضة للانتقادات الشديدة من قِبَل كاتشينسكي شخصيا.
وتشكل وسائل الإعلام منطقة أخرى حيث يبني كاتشينسكي الكرملين على نهر فيستولا. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، جردت حكومة بوتن شبكات مستقلة مثل NTV وORT (التي أصبحت القناة الأولى في وقت لاحق) من أقطاب الإعلام المالكين مثل فلاديمير جوسينسكي والراحل بوريس بيريزوفسكي، وكل منهما كان بوتن يعتبره من الأعداء. ومؤخراً أقرت الإدارة الجديدة في بولندا قوانين مماثلة مكنت الحكومة على سبيل المثال من تعيين مديري محطات التلفزيون، وبالتالي ضمان الولاء السياسي للمذيعين.
والوضع ليس أفضل في المجر، حيث كان فيكتور أوربان يدفع بلاده نحو توجهات معادية لليبرالية منذ عام 2010، عندما بدأ فترته الثانية كرئيس للوزراء في البلاد. والواقع أنه بدأ العمل على الفور مباشرة، فغير الدستور لتعزيز قوة حزبه (فيدس) والحد من استقلال المحكمة الدستورية.
وعلاوة على ذلك، فرض أوربان، كما فعل بوتن وكاتشينسكي، سيطرته على وسائل الإعلام باستصدار تشريع جديد يمكنه من إملاء المحتوى وفرض العقوبات على وسائل الإعلام، فضلاً عن منح تراخيص البث للمحطات المفضلة. وتضمن هذه القوانين أيضاً الأفضلية لإعلانات حملات دعاية حزب فيدس، بما في ذلك تقييد مواقع لوحات المعارضة ورسائل المنظمات غير الحكومية. وبوسعنا أن نجد الشعار "فيدس فقط"، الذي تصاحبه صورة لأوربان مبتسما، ملصقاً الآن على لوحات إعلانية ترتفع خمسة عشر قدماً في مختلف أنحاء البلاد.
لا شك أن عبادة "والد الأمة" ليست شيئاً جديداً في الدول التي تديرها حكومات غير ليبرالية. فذات يوم، كانت لوحات مماثلة تحمل صوراً لزعماء من فلاديمير لينين إلى ليونيد بريجينيف تصطف على طول الطرق في الاتحاد السوفييتي. وعلى نحو مماثل، كما أشار أحد المراقبين، في رومانيا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، كانت الطرق مزينة بلافتات تمجد فضائل رجل الشيوعية القوي نيكولاي تشاوشيسكو. ورغم أن صور بوتن تغيب عن طرق روسيا اليوم، فإن التغطية المستمرة لتحركاته على شاشات التلفزيون الوطني حاضرة دوما. وتنتشر صور ستالين، الأب الروحي لنظام بوتن، على الطرق، وإن كان بشكل متقطع.
في أيام بوتن الأولى في السلطة، اقترح إنشاء نظام يقوم على "الديمقراطية السيادية"، زاعماً أن روسيا في احتياج إلى "نظام خاص" لحماية نفسها من أعدائها الكثيرين، على المستوين المحلي والخارجي. ويشاركه كاتشينسكي وأوربان نفس الفِكر، في تغافل تام عن المفارقة في استخدام مصطلح "السيادة" ــ وهو المصطلح الذي ينطبق عادة على ملك وليس على زعيم ديمقراطي. الواقع أن ما خلقه بوتن، وما يحاكيه كاتشينسكي وأوربان، أقرب إلى "دكتاتورية سيادية".
من جانب الاتحاد الأوروبي، سوف يكون التعامل مع روسيا، التي وضعت نفسها مؤخراً موضع الكيان المعادي للغرب، مهمة شاقة بالقدر الكافي. والآن يتعين عليه أن يتعامل مع مقلدي بوتن المناهضين للديمقراطية داخل صفوفه، في وقت يشهد تقويض الوحدة الأوروبية عند كل منعطف. (يشكل الاستفتاء البريطاني المقبل على عضوية الاتحاد الأوروبي مثالاً مهما). والسؤال الآن هو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي عازماً على المضي إلى النهاية في تهديداته بفرض العقوبات السياسية والاقتصادية على بولندا والمجر، أو الاستمرار، حفاظاً على الوحدة، في تجنب العمل ضد الأنظمة غير الليبرالية الناشئة في بلدان كانت ذات يوم منارة للأمل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

أستاذة الشؤون الدولية وكبيرة زملاء معهد السياسة العالمية.