مصممو عُمان

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/فبراير/٢٠٢٠ ١١:٥٩ ص
مصممو عُمان

علي بن راشد المطاعني

على الرغم من الإرث الحضاري الضارب بجذوره في أعماق القدم في العمارة العُمانية والآثار واللقى الحضارية والمباني القديمة كالحصون والقلاع والبيوت الأثرية والحارات العُمانية والتي تعكس تراثا غنيا بالتصميم وروعة البناء والتشييد والتفنن في الإضاءة في المداخل والمخارج وغيرها ، إلا أن هذا الإرث العظيم لم يتم إستلهامه وإستحضاره للأسف في التصاميم الداخلية للمباني والمنشآت الحكومية إلا قليلا ، وذلك لغياب ثقافة التصميم الداخلي المرتكزة على هذا الإرث التليد لدى أبناء الوطن ، فكان الإكتفاء بإستيراد نماذج من التصاميم الخارجية من دول العالم .

غير أن نخبة من الخريجين في هذا المجال بلوروا مبادرة بإنشاء منصة إلكترونية تحت عنوان (مصممون عُمان) تم عرضها في مجلس الخنجي كبادرة لإحياء وإستنطاق هذا التراث في تصاميمهم ، هذه المبادرة بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة ، بل هي تفتح الباب واسعا للشباب العُماني للإسهام في الإرتقاء بفن التصميم عبر تسخير إرثنا الحضاري في فن العمارة لتتحدث من تلقاء ذاتها في تصاميم المباني والمنشآت والحدائق والواجهات والأسواق وغيرها وعن تاريخ هو الأعرق والأعظم في شبه جزيرة العرب .

لقد هالني إعجابا وإستحسانا ما يقدمه فريق من المصممين العُمانيين في العديد من مجالات التصميم المعماري والداخلي والجرافيك وغيرها عندما أطلعتني مسؤولة الفريق ورد المنى بنت خليل الخنجية على الجهود التي يقومون بها لإيجاد كوادر وطنية تعمل في التصميم بكافة أشكاله وأنواعه وإستحضار التراث المعماري العُماني في التصاميم ، والنهوض بالعمل في هذا المجال في البلاد بشكل راق وعالي المستوى فنا وإبداعا .ذلك يتطلب أن نفسح لهؤلاء الشباب المجال لكي يبدعوا ، وعلينا في المقابل رعايتهم وتمكينهم من العمل واعطاءهم الفرصة لعرض أفكارهم ومقترحاتهم.

وابهرني أكثر في برنامج زياراتهم للحارات القديمة والقلاع والحصون والمآثر التاريخية حرصهم على توظيف هذا الإرث في مجالات التصميم ، وقيامهم برحلات بين محافطة وأخرى لاماطة اللثام عن مكنونات التراث العُماني في مجال العمارة والزخرفة والنقش في القلاع والحصون والمساجد القديمة ،ومن حسن الطالع أن يكون ضمن برنامجهم بث الوعي بأهمية التصميم الداخلي في المجتمع من خلال مشاركات في المعارض وإقامة الحلقات التعريفية ،عبر التواصل الإجتماعي لنشر ثقافة التصميم الذي يسهم في إبراز جماليات المكان والفضاءات المفتوحة ، وخفض بعض التكاليف غير الضروية ، فضلا عن وضع الخدمات في أماكنها الصحيحة وتركيز الإضاءة بصورة ملائمة وغيرها من جوانب سيضطلع بها الفريق في الفترة القادمة.

وكان ضمن الفريق الفتيات اللاتي فزن بتصميم جناح السلطنة في معرض إكسبو دبي الذي كان علامة فارقة في تصميم رائع جدا عبارة عن شجرة اللبان وما تحمله من دلالة كأحد جسور التواصل مع العالم ، لقد مكنهن أبداعهن في الفوز على كبريات الشركات العالمية في مجال التصميم .

لقد عرض بعض المصممين تجاربهم في العمل في مجال التصميم ، وقدموا مبادراتهم وأفكارهم في ريادة الأعمال في هذا المجال الإبداعي الجديد ، والذي يحتاج إلى جهود كبيرة لتمكينهم لإضفاء اللمسات الجمالية على الكثير من الأمكنة العامة ، والواجهات البحرية والأودية وغيرها من الأماكن الرائعة في بلادنا .

كما أن البعض منهم عرضوا معاناتهم في العمل وكيف أن هناك لوبيات تحاول تحطيم مجاديفهم ، وعبروا عن رغبتهم في أن تنظر الجهات المختصة إليهم وإلى جهودهم بنحو متكامل والتركيز على الجودة والقيمة المضافة لهذا الجهد وليس على الأسعار فقط .

نأمل أن نأخذ بأيدي هؤلاء الشباب وفتح المجال أمامهم لإعادة صياغة التصاميم الداخلية لمؤسساتنا وجهاتنا وبما ينسجم مع التاريخ والإرث الحضاري الشامخ لبلادنا ، فما نملكه في هذا المجال لايقدر بثمن.