"حماية المستهلك" تعزز مفهوم المواطنة المسؤولة بتمكين المجتمع إستهلاكياً

مؤشر الخميس ٠٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٨:٢٥ ص
"حماية المستهلك" تعزز مفهوم المواطنة المسؤولة بتمكين المجتمع إستهلاكياً

مسقط - ش
تعزيز المواطنة هي إحدى الأركان الرئيسية التي قامت عليها الهيئة العامة لحماية المستهلك حيث لعبت دوراً مهماً في بث الثقافة الاستهلاكية والوعي المجتمعي للمستهلك الذي وصل إلى درجات تمكنه من حماية أمنه الغذائي من التلاعب والغش التجاري.
وأصبح المستهلك اليوم عبر مستوى الوعي المجتمعي شريكاً للهيئة في تسهيل مهامه والوقوف في صفها وتحمل المسؤولية حيال التصدي للممارسات السلبية التي يقوم بها بعض ممن تسول لهم أنفسهم التلاعب بأمن المستهلك الغذائي. لذلك تبرز أهمية ترابط الشراكة بين الهيئة والمستهلك في تعزيز المواطنة والدفع بها إلى آفاق أرحب، وتتمثل بأن يكون المستهلك الرقيب الأول على أمنه الغذائي، عارفاً بواجباته وحقوقه، متحملاً مسؤولياته تجاه وطنه ومجتمعه.

الحل الافضل
يقول الأستاذ المشارك في كلية التربية في جامعة السلطان قابوس والخبير الإقليمي في تربية المواطنة د. سيف بن ناصر المعمري: "لاشك أن تتبع ما يجري من قضايا مرتبطة بالاستهلاك في السلطنة في السنوات الأخيرة، يتطلب منها قراءات أعمق تساعد في تعريف الأسباب والأبعاد الحقيقية في إطار أوسع من حصرها وربطها بالاستهلاك فقط، فما يجري في هذا القطاع الحيوي مرتبط بالأمن الوطني العماني، لأنه يستهدف التأثير على مختلف جوانب حياة الإنسان الذي تبذل الدولة أقصى ما تستطيع لجعله قوياً سليماً معافى قادراً على العطاء والمشاركة الفعلية في بناء وطنه". ويضيف أن "هذا الإنسان أصبح اليوم مستهدفاً من قبل جميع من يعمل في السوق، يزيف له صلاحية الأغذية، أو يقدمها له مفتقدة للإجراءات الصحية، وهذا يبيعه سلعاً غير ذات جودة، والقائمة تطول، وفي الوقت الذي نعتقد أننا في حالة من الأمان يكشف لنا بين الفينة والأخرى عن كثير من الشبكات الكبرى التي تعيش بيننا ولكنها تتآمر علينا في الليل والنهار، وتستغل قلة وعينا وحرصنا لتضربنا في أثمن ما نملك وهي الصحة".
ويتساءل المعمري عمّن يتحمل المسؤولية، وكيفية وقف هذه الحرب غير الأخلاقية التي تشن علينا بصمت. ويجيب: "من وجهة نظري أن الأمر متشابك ومتعدد الأسباب، ولكن يظل الحل الافضل للتقليل من هذه الأخطار هو تعزيز المواطنة المسؤولة لدى المؤسسات والمواطنين على حد سواء، ونعتقد أن مؤسسة وحيدة كحماية المستهلك قادرة على فعل المستحيل، نحن من يستطيع أن نقلل من سطوة هذه العصابات لو عززنا لدينا متطلبات المواطنة المسؤولة من الالتزام بالقانون وقواعده سواء من حيث عدم تسهيل دخول هذه الأعداد الغفيرة من العمالة الوافدة إلى البلد ونحن لا نحتاج إليها، أو من حيث عدم التعامل إلا مع محلات معروفة ووفق ضوابط قانونية، أو من حيث تحمل مسؤولية الرقابة الجماعية على ما يجري، لأن هذه مسؤولية جميع المواطنين، وتساهلهم في هذا يعني مشاركتهم ضمنا في تحمل مسؤولية أي تأثير يطال أخوتهم المواطنين".
وبرأي المعمري "فإن المسؤولية الوطنية تتطلب من المؤسسات المشرفة على منح التصاريح التجارية أو العمالية أن تعيد النظر في قوانينها، فعلى سبيل المثال لا يعقل أن تجدد كل هذه السجلات سنوياً لمطاعم ومقاهي وهي أماكن لا تراعي الحدود الدنيا من النظافة، من الذي جدد لها ومنح لها التصاريح وهي غير ملتزمة؟ إذن هناك محسوبية تمارس من قبل المؤسسات المعنية وتؤدي إلى مزيد من التمرد والجرأة من قبل القوى العاملة الوافدة على اختراق القوانين وتهديد المواطنين، والأمن الوطني".
وأشار إلى أن تزايد حالة الضبط للجرائم التي تقوم بها هذه القوى العاملة الوافدة "يتحملها أيضا أولئك الذين يؤوون أو يؤجرون مساكن لهم من دون مراقبة دورية لما يجري فيها وأحياناً بدون عقود مسجلة، مما يوفر لها أماكن مناسبة للعمل ضد المجتمع، وبالتالي لابد من وضع ضوابط صارمة على الفئات المتساهلة في هذا الشأن، علينا أن نشدد القوانين في ظل اللامبالاة التي يقوم بها بعض المواطنين والمستثمرين في التعامل مع القضية، وعلينا في الوقت نفسه أن نقوم بحملة توعوية كبيرة لتوضيح هذه القوانين لهم بنفس لغتهم، حتى يعرفوا عواقب ما يقومون به". وأضاف:"إن وجود شعور ووعي بقيمة المسؤولية الوطنية عند جميع المواطنين لهو أفضل طريق يمكن أن نواجه به كل هذه الانتهاكات التي تقوم بها العمالة الوافدة على هذه الأرض الطاهرة، وأولئك الذين يفضلون المكاسب المادية الضيقة عليهم أن يستفيقوا فهذا وطنهم، ولا أحد يجعل وطنه مسرحاً يعيث الغريب فساداً فيه".

الهيئة ليست استثناءاً
ووبدوره قال الإعلامي د. صالح الفهدي: "إذا كانت المواطنة في حقيقتها حق وواجب، فالحق له وسائله الكفيلة بتطبيقه، كما للواجب شروطه وفرصه، فإن اختل هذا التوازن ظهر النقص في جانب من الجوانب وطرفٍ من الأطراف". ويستشهد الفهدي بمحاضرة ألقاها منذ فترة في جامعة السلطان قابوس حول "قيمة المواطنة بين المواطن ومؤسسات الدولة" وذلك في إطار ملتقى ثقافي يناقش تعزيز المواطنة في المجتمع، ويوضحه إنه قارب القضية الجوهرية من جهة "الدور المشترك بين المواطن ومؤسسات الدولة في تعزيز قيمة المواطنة، والهيئة العامة لحماية المستهلك ليست استثناءاً من هذا الحديث، لهذا سأركز في هذا المقام على الإسهام الوطني الذي تقوم به الهيئة العامة لحماية المستهلك في تعزيز قيمة المواطنة لدى المواطن".
ويعتبر أن "المواطن وهو جوهر الدولة، ومحور التنمية، وأساس الوطن مطالب بواجبات يميلها فرض الإنتماء للوطن، وشرط الولاء له، لأجل أن يقوم الوطن وقد اكتملت أركانه، وصلبت دعائمه، وشمخ بنيانه، مزدهراً برخاءه، راغداً بأمنه، سعيداً بتطلعات أبناءه، معتنياً بتحقيق التقدم والتطور الذي تسير عليه وتيرة العصر، وهو لهذا الواجب لاشك مدرك لمسؤولياته، واعٍ لإلتزاماته . لكن وفي مقابل مقولة "ما من حق إلا ومعه واجب" فإنه ما من واجب إلا وله حق كذلك، فالمسألة أخذٌ وعطاء، وبذلٌ وسخاء، وبذلك تتعزز قيمة المواطنة، وتمتن عراها، ويصير لها الشأن الأكرم، والقدر الأعظم في نفس المواطن".
وأشار إلى أن من نافلة القول أن إنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك جاء نتيجةً لشعور لملء فراغ قانوني، وعدم الاطمئنان في تعامل المواطن- المستهلك مع الطرف الآخر، الذي كانت له الغلبة على الطرف الأول بحكم الدارية بنظام السوق، والقدرة على التلاعب بالأسعار، واحتكار السلع، والإستفراد بالوكالات، وغير ذلك مما لا يفهم مغازيه وأبعاده المستهلك، فضلاً عن ذلك عدم وجود مرجعية ذات استقلالية اعتبارية تحميه من التلاعب، والغش والإستغباء، والنصب، والإستغلال، وهو ما يعد انتهاكاً للأخلاق بل هو في ديننا أشد وأنكى إذ يخرج المستغلّ الغاشّ من ربقة الذين كما جاء في الحديث الشريف "من غشنا فليس منا"، مؤكداً أن الوضع السابق مسّ جوهر قيمة المواطنة لأنه يشعر المواطن بعدم الإطمئنان على نفسه من محاولات التلاعب بحقوقه والتدليس عليه، الأمر الذي يضر بواجباته نحو وطنه، أما وقد أنشئت الهيئة العامة لحماية المستهلك فإن ركناً قويماً قد أقيم، ونقصاً ملحّاً قد أصلح، فالمواطن يشعر الآن وهو يقضي مصالحه الحياتية بأن "هيبة الدولة" إلى جانبه، وأن سلطةً وطنية تحميه من خبث الإحتيال، ونكث العهود، ومكر التضليل. هكذا يشعر المواطن بأن حقوقه مصانة، فيتعزز في نفسه الشعور بقيمة المواطنة فيقابله بدوره بـ"الفعل المواطني الإيجابي" في إطار من المواطنة الصالحة.
وأضاف الفهدي: "إذا كان كيان الهيئة العامة لحماية المستهلك قد أوجد شعوراً نفسياً مريحاً لدى المواطن- المستهلك، وأزاح عنه ريبة التعامل، وخشية التحايل، فإن هذا لا يعني تنصله من المسؤولية، وغفلته عن دوره الشخصي الذي ما فتأت الهيئة تنبهه إليه، فالإطمئنان عاملٌ جوهري لكن لا يجب أن يجاوز الإنسان إلى التفريط والإستهتار والتقصير من جهته، فالإدراك والمعرفة والحس بالمسؤولية هي عوامل تحتاج إلى عناية وتطوير، كما أن الإنسان مطالب بصورة عامة بالأخذ بالأسباب حتى مع التوكل على الله "إعقلها وتوكل" كما في النصح النبوي الشري"ف.
وأكد أن الفهم السطحي المبتسر لدور الهيئة العامة لحماية المستهلك في ذهنية المواطن لا يمكن أن يقود إلى ثقافة إستهلاكية سليمة، لأن الهيئة إنما تعمل من أجل الرقي بالثقافة الإستهلاكية لدى المواطن قبل توفير الحماية، فنشر الثقافة أجدى من كشف المخالفات، وترصد التحايلات، وهذا أمرٌ غير غائب على إعلام الهيئة، لهذا لا يمكن للمواطن أن يعفي نفسه من القيام بهذا الدور المؤثر، هي إذن عملية ذات أدوار مكملة بين المواطن وهذه المؤسسة الوطنية التي تسعى إلى أن تشكل حامياً لحقوقه كمستهلك، وهو في حد ذاته مما يوفر له الشعور بالإطمئنان مشروطٌ بالمسؤولية المقابلة.

الدفاع عن الأمن الغذائي
وقال غالب بن طالب الحبسي: "إن الهيئة العامة لحماية المستهلك وجدت من أجل أن تكون ركناً أساسياً في تعزيز المواطنة في السلطنة، واليوم وبعد مرور خمسة أعوام ونيف من عمرها بدأ المستهلك يجني ثمار الأدوار التي قامت بها الهيئة في السنوات المنصرمة عبر نشر الثقافة الاستهلاكية والوعي المجتمعي اللذين بدأت ملامحهما تظهر في السلوكيات الإيجابية للمستهلكين مواطنين ومقيمين على السواء، مشيراً إلى أن المستهلك مكمل للهيئة في مهام عملها وتعزيز المواطنة المسؤولة سوف يخلق جيلاً من المستهلكين يذود عن أمنه الغذائي، وقادر على التأثير في أسعار السلع، وكشف التلاعب والغش التجاري التي يمارس ضده وضد مجتمعه.
وأشار إلى أن الهيئة عبر جميع أفرعها في محافظات السلطنة قامت خلال الفترة المنصرمة بدور ريادي في تمكين المجتمع من إدارة شؤونه الإستهلاكية ومعرفة حقوقه وواجباته وإطلاعه عن قرب على القوانين والتشريعات المنظمة للعلاقة بين التاجر والمستهلك، كما لا ينسى للهيئة إنشاءها العديد من قنوات التواصل الاجتماعي التي جعلت العلاقة بين الهيئة والمستهلك أكثر قرباً ومنحت الثاني تعزيزاً وتحملاً لمسؤوليته المجتمعية.

مسؤولية مجتمعية ومؤسساتية
وقالت سميرة الجابرية: "إن المتتبع لتاريخ الهيئة العامة لحماية المستهلك يدرك جلياً الثمار التي جناها المجتمع إستهلاكياً فقد أصبح هناك فارق كبير للمستهلك ما قبل إنشاء الهيئة وما بعدها وحتى يومنا، ولا يختلف المرء في أن الهيئة كانت ولا تزال تعزز المواطنة المسؤولة عبر وجود المستهلك المثقف الواعي بحقوقه وواجباته تشريعياً وقانونياً، وربما تراجع نسب المخالفات والشكاوي خلال العام المنصرم إينما يعود إلى درجة الوعي والثقافة الاستهلاكية التي يتمتع بها المستهلك اليوم".
وأشارت إلى أن السوق اليوم أكثر تنظيماً بسبب الدور الذي تلعبه الهيئة بالشراكة مع المستهلك وكذلك التاجر واللذين أصبحا أكثر إلتزاماً ومعرفة بالتشريعات والقوانين المنظمة لهذه العلاقة بين الطرفين، ولاشك أن اللوائح قانوني حماية المستهلك والمنافسة ومنع الاحتكار سوف يعزز مفهوم المواطنة المسؤولة واللذين لا يزال المستهلك ينتظرهما ويأمل أن تتمكن الهيئة من العمل بهما في أقرب وقت ممكن لما لهما من دور بارز في تمكين الهيئة.