إن الاستفادة من التطور التقني الذي يشهده العالم أصبح أمرا واجبا، وأكثر إلحاحا من ذي قبل، خصوصا في تطوير الاقتصاد الوطني بكافة قطاعاته، النفطية وغير النفطية مثل التعدين والزراعة، والاستزراع السمكي، وغيرها من القطاعات التي إذا أحسن تطويرها وتم إخضاعها للتقنيات الحديثة، فإن عوائدها ستتضاعف من خلال تعظيم القيمة المضافة من المنتجات، وستتضاعف قيمة المنتجات عشرات الأضعاف، عن تصديرها كمواد خام كما هو الحال في الوقت الراهن. وتعد التجربة الماليزية خير مثال للاعتماد على تطوير الموارد البشرية المحلية، وزيادة قدرتها على العمل والإبداع، ونقل وتطويع التقنية المتقدمة في الإنتاج، والتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالمية والمحتوى التقني المتطور، وذلك عبر منح حوافز خاصة لتشجيع المشاريع الاستراتيجية والمشاريع عالية التقنية، واستخدام أربعة معايير أداء لتقييم طلبات منح الحوافز، وهي تحديد نسبة من 30 إلى 50% للقيمة المضافة، وتحديد مستوى المواد المحلية في المنتجات بنسبة من 20 إلى 50%، وذلك بالإضافة إلى مستوى التشابك الصناعي الذي يعظم القيمة المضافة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة بمحاولة منهجية تقوي الاعتماد المتباين فيما بينهم، ما أحدث نقلة كبيرة في الاقتصاد الماليزي زادت من خلالها مساهمة القطاع الصناعي والتقني لقرابة الثلث من إجمالي الدخل القومي الماليزي.
للأسف رغم معرفتنا المسبقة بأهمية هذا الجانب، إلا أن القليل من الموارد الطبيعية نستفيد منها، ونعظم عوائدها، لكن الوقت الراهن يفرض علينا حتمية هيكلة العمل في الاقتصاد الوطني، وتحويله لاقتصاد قائم على المعرفة لزيادة القيمة المضافة للموارد الطبيعية التي تزخر بها بلادنا. فعلى سبيل المثال، الصناعات البتروكيماوية يجب التوسع فيها بشكل كبير من خلال إقامة صناعات قائمة على النفط والغاز، كمثال صناعة الألمنيوم والسماد، والآن مشروع لوى للصناعات البلاستيكية. فالتوسع في جلب الاستثمارات في هذا القطاع من شأنه أن يبلور العديد من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مع معالجة الإخفاقات السابقة في هذه الصناعات في كل الجوانب. فتطوير هذه الصناعات من شأنه أن يضاعف قطاع الصناعة التحويلية في البلاد، ويرفع من قيمة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي، وإثراء الأسواق المحلية واستيعاب الكوادر الوطنية، خصوصا في ظل تردي أسعار النفط حاليا.
ويعد قطاعا الاستزراع والتصنيع السمكي من القطاعات الواعدة في البلاد بفضل ما تزخر به السلطنة في هذا الجانب، حيث بلغ إجمالي إنتاج السلطنة من الأسماك، سواء بالصيد الحرفي أو الساحلي أو التجاري أو الاستزراع السمكي حوالي 211 ألفا و315 طنا. إلا أن هذه الثروة الهائلة تهدر؛ لأنها تأتي كصيد تقليدي لا يقدم قيمة مضافة عالية، ولا تقام عليه صناعات تعليب الأسماك وصناعاتها، كما يحدث في بعض الدول الاسكندنافية مثل النرويج، أو دول آسيوية كفيتنام، حيث يتطلب الواقع إيجاد مصانع سمكية تستوعب الإنتاج السمكي، وتوفر أسعارا أفضل للصيادين التقليديين بدلا من تصدير أسماك كمواد خام، فهذا القطاع من القطاعات الحيوية التي تحتاج إلى تطوير جذري؛ لما يشكله من أهمية في زيادة قيمة مساهمة القطاع السمكي في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك إقامة صناعات سمكية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي في البلاد، والاكتفاء الذاتي من الأسماك.
على أن الأمر الآخر والأهم هو قطاع التعدين الذي يستنزف موارده في البلاد بتصديرها مواد خام بكافة أنواع المعادن، مقابل القليل من الصناعات القائمة على التعدين، وهو ما يتطلب إقامة صناعات تعدينية، وفرض ضرائب على تصدير الموارد الطبيعية كمواد خام.
وأن يحقق العديد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والعباد، ويفتح آفاقا كبيرة أمام أبنائنا الدارسين في الجامعات والكليات نحو البحوث والدراسات، فضلا عن ما ستوفره هذه الصناعات من فرص عمل كبيرة للخريجين والخريجات الذين يتدفقون من مؤسسات التعليم العالي.
بالطبع اقتصاد المعرفة يحتاج إلى جهود كبيرة لترسيخه في أرض الواقع من كافة الجهات الحكومية والخاصة، والعمل على تدعيم هذا الجانب كأحد الخيارات الاستراتيجية في خطط الحكومة في المرحلة المقبلة؛ لما يمثله من أهمية كبيرة تجعلنا نستفيد من مقدرات البلاد بوجه أمثل.
نأمل من الحكومة بكافة جهاتها ووزاراتها أن تتجه إلى اقتصاد المعرفة في كل القطاعات الاقتصادية وخاصة الموارد الطبيعية، وتعظيم الاستفادة منها، والحد من تصديرها كمواد خام ضعيفة العائد.