السلطنة تتوج جهودها في مكافحة غسل الأموال بقانون جديد

مؤشر الثلاثاء ٠٥/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:١٢ م
السلطنة تتوج جهودها في مكافحة غسل الأموال بقانون جديد

مسقط- ش

ليس جديداً على السلطنة أن تكون في مقدمة الدول التي تعمل على مكافحة غسل الاموال، فرغم إقرار مشروع قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب قبل يومين فقط، فإن للسلطنة باع طويل في مكافحة هذا النوع من الجرائم الذي يعد من أكبر المخاطر التي تهدد الاقتصاد والأمن العالمي. فإن جرائم غسل الأموال تستخدم للتغطية على جرائم المخدرات وعمليات الاحتيال الكبيرة، وتجارة الرقّ والإتجار بالبشر فضلاً عن تمويل الإرهاب.

ويعتبر غسل الأموال من الجرائم التي تدفع الدول أموالاً طائلة لمكافحتها، فهذه الجريبة عبارة عن إعادة تدوير الأموال الآتية من مصادر غير مشروعة بهدف إخفاء مصدرها الحقيقي، وغالباً ما تخلّف هذه الأموال مآسي عدة كضحايا المخدرات والأسلحة غير الشرعية، أو الأعمال العنفية فضلاً عن الأموال الآتية من عمليات الاحتيال الضخمة التي تقع ضحيتها شعوب بكاملها. وبالتالي فإن خلف كل دولار يتم غسله تكمن مأساة حقيقية.

مراحل غسل الأموال

ويمرّ غسل الأموال بمراحل عدة غالباً ما تكون معقدة ومتشعبة وهذا ما يتطلب جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الظاهرة، وتعد مرحلة "توظيف الأموال" غير الشرعية أولى مراحل هذه الجريمة، ويقصد بتوظيف الأموال إدخال النقود إلى دورة اقتصادية تبدو شرعية، كضخ تلك الأموال ضمن شركات أو في عمليات تجارية شرعية. لهذا بدأت جميع المصارف في السلطنة وشركات الصيرفة وتحويل الأموال بالطلب من صاحب كل عملية تجارية كبيرة بالتصريح عن مصادر تلك الأموال. وحتى على من يريد إخراج أي أموال خارج السلطنة أن يصرح عن تلك الاموال وعن مصدرها إذا تخطت قيمتها 6 آلاف. وكثيراً ما يحاول المتورطون في غسل الأموال توظيف الأموال في مؤسسات شبه وهمية غالباً ما يدخل معه شريكاً في العملية، ويعمد إلى تقليص النفقات الحقيقية للمؤسسة وزيادة الأرباح بشكل كبير عبر فواتير وهمية، ليوحي بأن الشركة تحقق أرباحاً كثيرة تأتي له بالمبالغ الموجودة. لذلك ترحص السلطات على التدقيق في الحسابات الحقيقية لجميع الشركات وملاحقة الفواتير والتأكد من شرعيتها. وهذا ما تبرع فيه السلطنة مما يجعلها تكافح غسل الأموال من مراحله الأولى.

خلط الاموال

أما المرحلة الثانية فهي "خلط الأموال"، اي فصلها عن مصدرها الأساسي من خلال الإيحاء بأن مصدرها مختلف. وتتم هذه العملية من خلال عدة أمثلة أهمها تسديد القروض المصرفية منها، فيأخذ غاسل الأموال قروضاً مصرفية ذات قيمة عالية، وبعد فترة من حصوله على القرض يقوم بسداد تلك القروض من الأموال غير الشرعية، لتبقى الأموال الشرعية التي وضعها في استثمار ما او في شراء عقارات بحوزته بطريقة شرعية، ويستطيع تبرير وجودها من خلال القروض التي سبق أن أخذها. ومن الوسائل التي يلجاً إليها غاسلو الأموال أيضاً هي تبديل تلك الأموال إلى عملات أجنبية، والإيحاء بأن مصدرها شرعي من تلك الدول، والتي يكون قد أسسها فيها شركات وهمية أو باع عقارات ذات قيمة منخفضة بسعر وهمي ضخم جداً، ومن خلال شار متورط معه. وبهذا يكون بدل مصدر الأموال من ناحية الشكل.

ومن عمليات "خلط الأموال" إدخال الأموال غير الشرعية في أموال شرعية، ويتم ذلك عبر عدة عمليات تحويل بين المصارف والحسابات، وتقسيم الاموال وتفريعها ودمجها بأصول موجودة فعلاً، بحيث يستحيل تعقبها، وغالباً ما يلجأ المتورطون في هذه العمليات إلى استخدام شركات خارج البلاد وعدة افراد لتعقيد عملية التتبع. وكثيراً ما يعتمد المتورطون على الشركات المالية غير المصرفية التي تخف فيها الرقابة المالية. عند استكمال هذه المهمة يحرص المتورطون على التصريح بأموالهم ودفع الضرائب عنها معتمدين على المصدار الوهمية لها، وذلك لإضفاء شكل شرعي لها.

أما المرحلة الأخيرة فهي تعرف "بدمج الأموال"، أي إعادتها إلى المجرمين الأصليين، وحساباتهم الحقيقية بعد أن تكون قد اكتسبت طابعاً شرعياً.

وغالباً ما تعتمد وسائل غير نقدية لإعادة الاموال كشراء التحف الفنية والعقارات والمقتنيات الاثرية باسعار بخسة للغاية، فتعود إلى المجرم الأساسي والذي يمكن أن يبيعها باسعارها الحقيقية مدعياً أن حقق الأرباح من صفقات شرعية.

أضرار حقيقية

ولا يمكن أن تحصر الأاضرار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن غسل الأموال، فبالإضافة إلى مصادرها غير الشرعية والجرائم التي تكون ارتكبت للحصول عليها، فإن لغسل الأموال آثاراً اقتصادية كبيرة، أهمها إمكانية توظيف هذه الأموال في قطاعات محددة مما يمنح المتورطين القدرة على التحكم بها وبأسعارها.

ويعتقد الكثيرون إن لغسل الأموال دوراً كبيراً في أزمة الرهن العقاري الأميركي التي ضربت العالم في العام 2008، وذلك أن الكثير من الأموال المغسولة استخدمت لتمويل شراء العقارات ما أدى إلى ارتفاع غير موضوعي لأسعارها.

وكذلك فإن الأموال المهربة قد تعاد وتستخدم في تمويل مجموعات مسلحة غير شرعية وفي تمويل الحروب والنزاعات.

كما يمكن أن تؤثر على القطاعات النقدية والمالية للمصارف والدول لا سيما أن تلك الاموال قابلة للخروج من الدول الموجودة فيها بشكل مفاجئ، لنقلها إلى الحسابات الرئيسية للمتورطين، ما يؤدي إلى ضرب الاستقرار المادي لبعض الدول لا سيما الفقيرة منها.

جهود ضخمة

لكل تلك الأسباب تبذل السلطنة جهوداً كبيرة لمكافحة غسل الاموال، ووضعت جهودها في خدمة الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهر. وقبل إقرار القانون الجديد أنشأت السلطنة وحدة التحريات المالية بموجب المرسوم السلطاني رقم 97 /2010 في منتصف العام 2010 والذي قضى بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تتلقى هذه الوحدة البلاغات والمعلومات من المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح التي تتعلق بعائدات جريمة أو تتضمن غسل أموال أو تمويل الإرهاب ومحاولة أو إجراء تلك المعاملات. ثم يقوم المختصون بوحدة التحريات المالية بأعمال التحليل والتحري، وللوحدة أن تطلب معلومات وبيانات ومستندات من الجهات المبلغة والجهات المختصة للقيام بوظائفها وفي حالة اكتشاف أي جريمة يتم إبلاغ الإدعاء العام بما يسفر عنه التحليل والتحري من نتائج.

وقبل عام فقط أشادت مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجهود السلطنة في مكافحة غسل الأموال واحتلالها المركز الأول عربياً وخليجياً في مؤشر مكافحة هذا النوع من الجرائم ولتصل إلى مراتب متقدمة جداً على الصعيد العالمي حتى قبل إقرار القانون الجديد.