متحف السلطان قابوس

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٣/فبراير/٢٠٢٠ ١١:١٣ ص
متحف السلطان قابوس

علي المطاعني

إجلالاً وتقديرًا وتخليدًا للمغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد وإقرارًا بما حققه في هذا الوطن من منجزات شاهقة وسامقة، وإيمانًا بأهمية توثيق هذه السيرة العطرة وهذه التجربة الخالدة على العديد من الأصعدة والمستويات، فإن إنشاء متحف باسم (متحف السلطان قابوس) يوثق حياته وسيرته وهواياته واهتماماته، ودوره في بناء عُمان الحديثة وصولاً لما وصلت إليه اليوم، يعد أمرًا ذا أهمية كبيرة وليغدو المتحف معْلمًا بارزًا يؤرخ لكل ما حققه في هذا الوطن المعطاء، تتعلم منه الأجيال المقبلة قصة البناء ومراحله الصعبة ويخلّد مرحلة حكمه في التاريخ كأحد العظماء الخالدين في العالم الذين تخصص لهم دولهم متاحف ومزارات.

إن مرحلة حكم جلالة السلطان قابوس هي مرحلة فاصلة في تاريخ عُمان تم فيها القضاء على الثالوث المخيف: الجهل والفقر والأمية قضاء مبرمًا، وسطع فيها ضياء العلم والنور والمعرفة، وتم فيها بناء عُمان الحديثة انطلاقًا من نقطة الصفر، وتم فيها تحطيم أسوار العزلة شاهقة العلو وفتحت فيها آفاق المستقبل أبوابها الصلدة لأبنائها، وأُعيدت فيها كرامة المواطن العُماني وهيبته بين الشعوب، ووحّد البلاد والعباد تحت راية الوطن بعد الشتات والفرقة والتنازع؛ فهذا التاريخ وتلك الإنجازات الحضارية جديرة بأن تُوثق عبر المتحف المقترح لتغدو شاهدة على العصر ولتبقى سيرة جلالته حية تتقد تحدّث الأجيال العُمانية المقبلة بلسان عربي مبين عمّا قدّمه جلالته لوطنه ولشعبه وأمته .

صحيح أن حياة جلالة السلطان ‏قابوس -طيب الله ثراه- حافلة بالكثير من المنجزات والمواقف والعطاءات والإسهامات لا يمكن أن تُختزل في متحف، لكن المتحف سيبقى كرمز فقط؛ فما قدّمه هائل وضخم ويفيض عن قدرة المتحف الاستيعابية وإن كبر حجمه وعظم بناؤه، لكنه سيبقى نقطة تؤكد بأن العُمانيين وعلى مدى الأزمان سيقفون احترامًا لما قدّمه لوطنه وبلاده، وباعتباره قد أرغم التاريخ أن يدوّن في صحائفه الخالدة حقيقة أن عُمان أصبحت في عهده دولة متقدمة .

فالمتحف سيمسي مزارًا لأبناء عُمان من طلبة المدارس والزوار الأجانب من سياح ووفود عبر السنين والأزمان، وهو وبهذا المعنى والمغزى حري أن تشكّل لجان تسهم في بلورة أقسامه من كل جوانبها واختيار مقتنياته بدقة عبر إنجازات هي أضخم من أي متحف وإن كبر كما أشرنا؛ فالمتحف سيعقد المقارنات العملية والموضوعية بين ما كانت عليه عُمان قبل عام 1970م وبين عُمان 2020م، هنا سنجد الانبهار وقد بلغ عنان السماء ضياؤه، فعبر حكمته وحنكته السياسية استطاع توحيد عُمان تحت سقف واحد ولتمشي بين الأمم بنبضات قلب واحد .

‏حقيقة عندما نزور بعض الدول نرى أحد القصور قد تحوّلت لمتاحف لأسباب خاصة بتلك الدول، وجلالته قد شيد العديد من المعالم لتشهد على عظمة الإنجاز، فليس بغريب أن نحوّل إحداها - إن لم يتسن إنشاء متحف خاص - لذلك المتحف المقترح، فعلى الأقل أن القصر نفسه سيُنظر إليه كأحد تلك المنجزات الحضارية، عندها سينسجم البناء مع ما يضمه من مقتنيات تعود لجلالته وبذلك ستكتمل دائرة التلاحم ما بين البناء وبين ما يضمه .

بالطبع الحديث عن أهمية هذا الصرح الكبير الذي ننتظره مع غيرنا سيتواصل؛ فما قدّمه جلالته للوطن وللعالم أجمع لن يغيب عن ذاكرة كل أمم الأرض، وستظل الأقلام وإلى عقود قادمة تكتب عنه تحليلاً وتمحيصًا وتدقيقًا في فكره ومآثره ومحامده التي ستنير لشعوب الأرض طريقًا للأمن السلام هي في أمسّ الحاجة إليه، وسيظل محبوه في العالم يصدحون بحقيقة أنه لن يُنسى أبدًا من ذاكرة الأمم والشعوب في كوكبنا .

نأمل أن نعمل بأسرع وقت ممكن لإنشاء المتحف الخالد ليضم بين جنباته وثناياه كل مراحل السلطان -طيب الله ثراه-، وكل تفاصيل سيرته وكيف استطاع أن يلوي عنق المستحيل وأن تغدو عُمان في عهده هذه الزهرة فواحة العطر التي عمّ أريجها كل عواصم الأرض فوجدت الرضا والقبول والترحاب، ذلك كان جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-.