محمد بن محفوظ العارضي
عن عمر يناهز 79 عاما، رحل عنا جلالة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه-، رجل السلام والسياسي المحنّك، بعد أن خلّف لنا إرثاً عظيماً بناه على مدار ما يقارب الـ 50 عاما، فعبر تاريخه الطويل، استعان قابوس المفدى -تغمده الله بواسع رحمته- بحكمته وثقافته لإرساء دعائم النهضة المباركة وتحقيق طفرة تنموية عمّت شتى ربوع السلطنة وارتقت بحياة الإنسان العماني في مختلف المجالات.
وتمتعت دار قابوس المفدى طيلة فترة توليه مقاليد الحكم، بسياسة رزينة هي الحياد الإيجابي ولعب دور الوسيط بين دول المنطقة، تلك السياسة التي أصبح عالمنا اليوم في أمسّ الحاجة إليها في ظل الخلافات والصراعات المستمرة على الساحة العالمية.
وأولى السلطان قابوس اهتمامات واسعة بالتراث العماني والعربي والدين واللغة والأدب والتاريـخ، وبدا ذلك جلياً في دعمه للعديد من المشروعات الثقافية عبر منظمات إقليمية ودولية عديدة، ومن أبرز إنجازاته الثقافية: موسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن الكريم في العالم العربي، وجـائزة السلطان قابوس لصون البيئة التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونسكو، ودعم مشروع دراسة طرق الحرير.
وكان له جهود مثمرة في الدعوة إلى الحوار والبحث عن الحلول السلمية ونبذ الفرقة، ومن الأمثلة على تلك الجهود: مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني الذي يهدف إلى نشر مفهوم التفاهم بين شعوب العالم بما يعزز العلاقات الإنسانية بين الأمم وغيرها من المشروعات الأخرى.
وكانت الأولوية لديه دائماً هي بناء المواطن العماني وتوفير جميع المقومات الضرورية للنهوض بالمواطن والمجتمع تعليمياً وحياً واجتماعياً من أجل إعداد أجيال جديدة تضطلع بتنفيذ خطط التنمية الوطنية وبناء المستقبل.
ورحل -رحمه الله- بعد أن اطمأن أنه أقام دولة يعمّها السلام والتنمية والاستقرار وأن هناك من سيواصل نهجه العادل الرشيد ويستكمل مسيرته المشرّفة. واختير صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطاناً لعمان بناءً على وصيّة المغفور له ليضفي بعداً جديداً على صرح النماء الذي بناه السلطان الراحل.
لقد أشرف جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سابقاً على عدد من المهام الوطنية التي منحته خبرات طويلة في مجالات تنظيم العلاقات الخارجية والدبلوماسية مع الدول الأخرى والحفاظ على التراث الوطني ونشر الوعي والثقافة، وهو ما يؤهله بجدارة لاستكمال درب سلفه في الحفاظ على عبق وأصالة الماضي والالتزام بروح السلم ودفع عجلة التنمية، وكذلك ترأّس جلالته فيما سبق «لجنة الرؤى المستقبلية»، التي تولت مسؤولية التخطيط لمستقبل سلطنة عمان حتى عام 2040، مما يميزه بنظرة شمولية متكاملة على ماضي وحاضر ومستقبل السلطنة.
وانطلاقاً من مسيرته العملية وزير للتراث والثقافة ونائب وزير الخارجية ومبعوث خاص لجلالة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه- اكتسب جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وعياً قوياً بسياسة الدولة وتوجهاتها التنموية المبنية على تلبية احتياجات المواطن ونشر الوعي والمعرفة وتشجيع مسارات الحوار الحضاري.
ولطالما التزم جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بالمبادئ التي أرساها الراحل، طيّب الله ثراه، بسياسة السلطنة وعلاقاتها مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة وآمن بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى و حسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية لتحقيق الأمن والاستقرار والتقارب بين دول وشعوب العالم.
ومن خلال عمله على تخطيط المستقبل واطلاعه على منهاج العمل في الدولة على مدى عقود، سيحقق سلطاننا الجديد استدامة مسيرة التنمية القائمة في الدولة ليجمع بين ماضٍ أصيل ومستقبل واعد.
رحم الله الفقيد جلالة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه-وسددّ الله خطى السلطان هيثم بن طارق المعظم الواثقة نحو مستقبل مشرق لوطننا عُمان ولأمتنا العربية.
رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، رئيس مجلس إدارة بنك صحار
محمد بن محفوظ العارضي