كان المغفور له جلالة السلطان قابوس رمزا للأمن والأمان والسلام فسجل التاريخ وبأحرف من نور سيرته العطرة وسيظل خالدا في قلوب شعبه
رحل عن عالمنا المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه - تاركا الدنيا ومن عليها، ولكن هناك من يرحلون عنا جسما واسما، وهناك من يرحلون عنا جسدا فقط، ويظلون معنا بأعمالهم الخيرة الخالدة وسيرتهم الطاهرة، وجلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- سيظل معنا، خالدا بسيرته العطرة باقية بل ومحفورة في قلوبنا وقلوب كل منصف وكل ضمير حي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وذلك لأعمال جلالته الخالدة التي ستظل مسطرة بأحرف من نور شاهدة على أنه رجل بأمة، رجل صنع نهضة وحضارة وقاد بلاده بكل أمن وأمان إلى شاطئ السلم، وأنه قائد وعد فأوفى وعاهد فصدق ، فجعل من عمان دولة في مصاف الدول المتقدمة وجعل الشعب يعيش في رفاهية من العيش حين قال: «سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل». ولذا كان جلالة السلطان قابوس»رحمة الله عليه» رمزا للأمن والأمان والسلام لذا فسجل التاريخ وبأحرف من نور سيرته العطرة الخالدة وشهد له العالم أجمع بالخير، وسيظل خالدا للأبد في قلوب شعبه والأمتين العربية والإسلامية بل والعالم أجمع ، وسيظل رحيل جلالة السلطان قابوس رحيل علَم العالم أن من يقدم الخير سيخلده صنيع فعله.
أعمال ثلاثة
إن قمة ما يتمناه الواحد منا بعد مماته أن يكون له صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له وذلك عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.. ومع هذا ورغم أنه هذه الأعمال الماضية مهما إن كانت من الأشخاص العاديين فهي محدودة جدا لدرجة أنه حتى الابن الصالح الذي يدعو لك على سبيل المثال فقد لا يتاح للبعض من ابنائهم ممن هم من أصلابهم وبالطبع مع الآخرين قد لا يجدونها لأنه مهما إن كانت معارفهم فهي محدودة، وكذلك بالنسبة للصدقة الجارية والعمل الصالح، لأنه مهما إن فعل الشخص العادي فإنها تظل محدودة بمحدودية إمكانياته، أما الأمر عند ذي المكانة والإمكانيات فهي مختلفة، بمعنى أنه أي نعم هم معهم ويملكون القدرة المالية والمكانة ولكن قد لا تجد عندهم أيضا القبول ، إما لعدم إقبال منهم أنفسهم على فعل الخيرات، أو لنفور عنهم ممن حولهم بسبب أعمالهم وسلوكهم وتصرفاتهم، وهذا الأمر يحدث عندما نتحدث عن شخص ذي مسؤولية بدءا من مسؤول في شركة، أو شخص في منصب صغير ويتدرج حتى مع المسئولين في المناصب الأعلى ليصل إلى رؤساء الدول والملوك والأمراء وهنا تكون الإشكالية أكبر حيث أن الحاكم يكون مسؤولا عن حياة أمة أو شعب بالملايين وهم لهم ما لهم من المشكلات الحياتية واليومية وهنا نجد أن هناك اختلافات كبيرة حولهم، ولا يوجد اجماع عليهم وذلك وفقا لوجهات النظر..
ولكن يا سبحان الله لم نجد أن هناك اجماعا على حاكم مثل ما حدث مع المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -طيب الله ثراه- فلنا أن نتأمل فيما حدث وما شاهدناه بأنفسنا، ورأيناه رأي العين من مثال لا يمكننا إلا أن نقول فيه أنه بحق من أحبه الله حبب فيه عباده، وذلك عملا بالحديث الصحيح: «إن الله إذا أحب عبدا نادى جبرائيل إني أحب فلانا فأحبه، ثم ينادي جبرائيل في أهل السماء: أن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم توضع له المحبة في الأرض فيحبه أولياء الله وأهل طاعته .. «.
اجماع على الحب
وإلا فأي شخص في هذه الدنيا ينال هذا الاجماع وهذا الحب وهذا التقدير والاحترام والأهم الدعاء، فهذا ما يمكن أن نطلقه على جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- فقد رأينا منذ رحيله وما زلنا نرى كل يوم صورا من تقدير وحب العالم له -بدءا من رؤساء وقادة العالم إلى الأشخاص العاديين وكل يعدد مناقبه ويدعو له بالرحمة والمغفرة وبطريقته فهذا بالتعبير بالقول وذاك بعمل سبيل أو بئر مياه وثالث يقيم ختمة ومقرأة قرآن، وهذه توزع الصدقات، وذاك يوزع المصاحف وغيرها العشرات بل المئات وقل الآلاف من أفعال الخير من حول العالم لتكون أعمال الخير هذه رحمة ونور على روح السلطان قابوس الطاهرة -طيب الله ثراه-، هذا بخلاف الدعوات التي لا تنقطع ليل نهار بأن يحشره المولى عز وجل في زمرة الصديقين والنبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
الصدقة الجارية
وإذا ما أردنا أن نعدد بعضا من نماذج أعمال الخير الثلاثة التي لا تنقطع على ابن أدم بعد مماته والتي تقام على روح جلال السلطان قابوس -طيب الله ثراه- على مدى الأيام الماضية بخلاف الدعوات، فكم من الأعمال الصالحة التي تقدم بنيته كصدقة جارية، يا الله رغم كم الصدقات الجارية التي قدمها جلالته بأياديه البيضاء ليس للأفراد فحسب بل للجماعات فبخلاف ما كان يقدمه من ماله ونفقته الخاصة من مساعدات منها ما يعرف وما لا يعرف هناك العشرات بل المئات من أعمال الخير التي لو تأملنا فيها لندرك ونتساءل ترى كم يكون عظمة أجرها عند الله . حينما يتوفى فرد يتمنى أن يكون قد قدم مساهمة في بناء مسجد ما، ولكن لنتأمل جوامع السلطان قابوس التي بنيت على نفقته في كل ولايات السلطنة بل وفي عدة دول من حول العالم ويصلي فيها الملايين .
وأما عن العلم الذي ينتفع به ، فحينما يتوفى شخص ما يكون أمله أنه ساهم في بناء مدرسة، ولكن المدارس التي بناها المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- ليس في السلطنة فحسب بل في دول عديدة خاصة لمن هم محرومون من فرص التعليم ومنها على سبيل المثال في فلسطين وفي عدة دول إفريقية وفي مينمار وغيرها، وكذلك فإن كراسى جلالة السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية منتشرة حول العالم وفي بلدان لا تعرف العربية أصلا، واعتقد أن هذه ثوابها أكبر وأعظم عند الله، ومنها في الصين وأمريكا وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها، فبالطبع تعلم العربية، معناه تعلم لغة القرآن وتعلمها قد يتبعها دخول البعض في الإسلام، وهنا نتساءل: ترى ما عظمة هذه الأعمال وكم يكون أجرها عند الله ليس في الماضي ولا في الحاضر فحسب وإنما إلى يوم القيامة .
ولد صالح يدعو له
وأما عن الولد الصالح الذي يدعو له ففي هذا الزمان ترى الشخص كم يكون عنده من الأبناء، ابن اثنان ثلاثة عشرة عشرون خمسون وهذا مبالغ فيه، وترى هل يدعون لأبيهم جميعا أم أن منهم من شغلوا عنه بحياتهم الدنيوية، ولكن هنا ومع مع حدث بالنسبة للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور فالكل على ما أقول شهيد أن جلالة السلطان قابوس «رحمة الله عليه» له من الأبناء الملايين ممن يدعون له ليل نهار، وقبل أن أعدد وأقول من حول العالم، أستطيع أن هناك على الأقل خمسة ملايين يدعون له بكل حب وصدق ووفاء منهم أربعة ملايين ونصف في السلطنة منهم مليونان ونصف المليون عدد سكان السلطنة من المواطنين، ومليونان من الوافدين المقيمين في السلطنة من كل الجنسيات والديانات، ولا يستغرب أحد الأمر كما قد يحدث في بعض الأحيان أن تجد البعض ينكرون كل شيء وأي شيء، وهنا نقول لهؤلاء إن من يستغرب الأمر ممن لا يعرفون كثيرا عن السلطنة وجلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- وهم قلة وقد لا يصدقون أو يدركون أو يستوعبون ما قدمه جلالة السلطان لوطنه وشعبه وحتى لمن أقام على أرض السلطنة من الوفدين بل وللأمتين العربية والإسلامية بل وللعالم أجمع عليهم أن يسألوا وأن يقرأوا ويتعلموا، حيث كان السلطان الراحل -رحمة الله عليه- رجل خير وبر وإحسان، ولا يسعى إلا لعمل الخير ولذا فقد جنب بلده وشعبه نار الفتن والحروب ولم يلوث يده ولا يد أي من أبناء شعبه في دم أبدا، بل دائما ما كان يتصدى لدحض الفتن، وكان طيب الله ثراه مفتاح الخير الذي يقصده العالم في ذلك والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها مثلا تدخل جلالة السلطان للافراج عن بعض الأسرى والمخطوفين في عدة دول في اليمن وإيران وغيرها وتدخله كطرف وسط في الملف النووي الإيراني ومشكلة إيران وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وكذلك تدخل لحل نزاعات في ملفات ملتهبة مثل اليمن وليبيا وسوريا وغيرها.
المصلح بين الفرقاء
كما وكان المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- دائما المصلح بين الفرقاء وجميع الأطراف المتخاصمة، ولذا وجدنا عند وفاته -رحمة الله عليه- أنه أجمع على حبه الجميع وحزن على فراقه العالم، ووجدنا كمثال أخر على هذه الاجماع حتى في واجب العزاء سواء من الوفود التي جاءت لتأدية العزاء أو من أرسلوا برقيات تعاز من جميع الأطراف المتخاصمة في بلادهم فمن اليمن وجدنا ممثلي الحكومة الشرعية وممثلي الحوثي، ومن العراق وجدننا ممثلي النظام الحالي وممثلي نظام صدام حسين ومنهم رغد صدام حسين، ومن ليبيا وجدنا ممثلي حكومة الوفاق الوطني وممثلي حفتر وعائلة القذافي، ومن سوريا ممثلي بشار الأسد وممثلي المعارضة، ومن فلسطين ممثلي حكومة محمود عباس وممثلي حماس، وحتى على المستوى العالمي وجدنا ممثلي إيران وأمريكا وممثلي الصين وممثلي روسيا وغير ذلك الكثير والعشرات من الأمثلة.. ترى بعد كل هذا أي عظمة وأي حب وأي شواهد تدل على أن جلالة السلطان الراحل قدم منَ الله عليه بالخير وأن هذه الشواهد تدل على أن هناك حبا من الله له فقد حبب فيه عباده لدرجة أنه وبشكل يومي يذهب المئات بل الآلاف إلى قبره ليدعون له ويقرأون القرآن على روحه الطاهرة ويؤنسون وحشته وهذا بالطبع بخلاف عشرات الآلاف بل الملايين ممن بدعون له وبشكل متواصل من بيوتهم وأماكنهم أنى كانوا من حول العالم .
ملايين الشهادات
بقى أن اقول وأشهد وشهادتي قد لا تكون شيئا بجانب ملايين الشهادات التي نراها ونسمعها ونقرأها كل يوم لجلالة السلطان -طيب الله ثراه- نشهد الله أننا على مدى سنوات لم نر في هذا البلد سوى كل الخير والحب والتقدير ونؤمن أن هذا كله بسبب ما غرسه جلالة السلطان قابوس إذ أن «الناس على دين ملوكهم» والعمانيون وحتى المقيمين في السلطنة تطبعوا بطبع جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- إذ أن الجميع جلب على الطيبة وحسن الخلق والعفو والصفح والرحمة والتراحم وفعل الخير والعفو عند المقدرة ومساعدة المحتاج وكف الأذى وعدد عليها ماشئت من حسن الخصال وصنيع الأعمال وفضائل الاخلاق.
ندعو الله أن يجعل للمغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس نصيبا وافيا من دعاء الناس ممن أحبوه وأن يرزقه نعيم الحياة الأخرة وأن يوسع له في قبره مد بصره وأن يجعله روضة من رياض الجنة وأن يحشره في زمرة الصديقين والنبيين والشهداء وحسن اولئك رفيقا .
وفي النهاية لا نملك إلا أن نقول ما قاله رب العزة سبحانه وتعالى: «إنا لله وإنا اليه راجعون « وأننا راضون بأمر الله محتسبون بقضاء الله وقدره وأن البقاء لله وحده وأن جلالة السلطان توفاه الله ولكن الله حي لا يموت، وندعو الحي الذي لا يموت أن يرحم من مات برحمته وأن يعفو عنه بعفوه وغفرانه، وأن لا يحرمنا أجره ولا يفتننا بعده إنه نعم المولى ونعم النصير.