من أين تخرج الأصوات العذبة؟ ولماذا تختلف أصواتنا

مزاج الأربعاء ٠٦/أبريل/٢٠١٦ ٠١:١٥ ص

مسقط - زينب الهاشمية

من المعروف أن صوت الإنسان يخرج من الحنجرة ولكن كيفية خروج الصوت تتعلق بعدة عوامل ترتبط بتشريح وبنية الحنجرة، حيث إن الحنجرة تتألف من مجموعة غضاريف منها المزدوجة ومنها المفردة المبطنة بغشاء مخاطي وحبلين صوتيين، وهما عبارة عن ألياف عضلية مغطاة بطبقة من الخلايا وطبقة مخاطية -ويمكن تشبيه الحنجرة بآلة المزمار- ويحدث الصوت عندما يخرج هواء الزفير من الرئتين ما يؤدي إلى اهتزاز الحبلين الصوتيين وصدور الصوت وخاصة الأحرف الصوتية مثل حرف (إ).

في بداية الحديث يقول اختصاصي «أنف، أذن، حنجرة» د.فاتح السالم عن كيفية تحديد نبرة الصوت عند الإنسان: بعد خروج الصوت من الحنجرة والتي تعطي صوتاً يختلف من إنسان لآخر وذلك تبعاً لسماكة الحبل الصوتي وحجم الحنجرة وهذا ما يميز صوت إنسان عن إنسان آخر أو صوت الرجل عن صوت المرأة، ولكن يبقى للأجواف الأخرى مثل المنطقة فوق المزمار وكذلك الفم والجيوب الأنفية واللسان والشفاه وشراع الحنك والأسنان الدور الرئيس في إعطاء الصوت رنيناً مختلفاً من شخص لآخر تبعاً لأمور بنيوية تشريحية، مثلاً، وجود خلل تشريحي في هذه الأجواف يؤدي إلى تشوه في بعض مخارج الحروف، على سبيل المثال حرف الكاف يخرج من شراع الحنك الرخو وهذا ما يفسر صعوبة نطق بعض الحروف عند بعض الأشخاص الذين لديهم شق في قبة الحنك، والجدير ذكره أن معرفة مخارج الحروف وكيفية صدور الحرف له أهمية بالغة بعلم التجويد وكذلك النطق الصحيح.
وحول العلاقة التي تربط بين السمع والكلام أي الصم بالبكم يقول د. فاتح السالم: يعد السمع والكلام عمليتين مترابطتين حيث إن نقص السمع العميق يؤدي بالضرورة إلى حالة البكم حيث إن تعلم الكلام واللغة هو خبرة مكتسبة من خلال التدريب وسماع الأصوات وطريقة نطق هذه الأصوات ونبرتها وشدتها.

يوجد نوعان من البكم، وهما:

بكم خلقي: حيث يصيب الأطفال ناقصي السمع أي يولد الطفل أصماً وذلك لأسباب عديدة قد تكون وراثية أو أدوية أثناء الحمل أو التهابات فيروسية وبالتالي تكون النتيجة البكم.

تجدر الإشارة إلى أهمية أجراء مسح سمعي للأطفال وتحديد التشخيص مبكراً لما له من أهمية بالغة في المعالجة والتي تعتمد على المعينات السمعية (السماعات) أو من خلال عمل جراحي وهو زرع الحلزون والدخول في برامج معالجة كلامية، وبالتالي إنقاذ الطفل من هذه المرض حيث إن الفترة الذهبية لتعلم اللغة من عمر سنة حتى 4 سنوات.

والجدير بالذكر أن هؤلاء الأطفال الذين يعانون من نقص سمع غير معالج يتعلمون قراءة حركة الشفاه ولغة الإشارة.

بكم مكتسب:

وسبب هذا البكم المكتسب نقص السمع نتيجة أسباب عديدة -قد تكون التهابات في الأذن أو حوادث أو أدوية- بعد مرحلة تعلم اللغة والكلام ولكن نتيجة نقص السمع المستمر يحدث تأخر للمهارات اللغوية التي اكتسبها الإنسان، وهنا لا بد من معرفة سبب نقص السمع ومعالجته.

وأخيراً لا بد أن ننوه إلى بعض الأمراض التي تقلد البكم ونقص السمع مثل التوحد والاضطرابات السلوكية عند الأطفال ولهذا السبب من الضروري فحص السمع عن طريق طبيب «أذن، أنف، حنجرة» وتشخيص حالة الطفل بدقة.

الأعشاب الطبية

وعن دور الأعشاب في علاج بحة الصوت يقول د. فاتح السالم: في الحقيقة يعتمد العلاج بشكل أساسي على علاج السبب ولكن في حال بحة الصوت التي لا تستمر أكثر من أسبوعين فإنه ينصح بالإكثار من شرب السوائل، وكذلك بعض الأعشاب الطبية مثل الزنجبيل وكذلك الليمون والشاي الأخضر والعسل لما تحتويه من مضادات أكسدة وكذلك مضادات جرثومية والأهم من ذلك أنها تمنع حدوث الجفاف في الحلق والحنجرة وهذا ما يسرع في الشفاء.

المأكولات الحارة

أما بالنسبة للمأكولات الحارة وتأثيرها على الصوت يقول د.فاتح: من المعروف أن المأكولات الحارة تحتوي العديد من المواد المخرشة للبلعوم والحنجرة فهي تطيل بحة الصوت نتيجة حدوث التخريش المباشر، بالإضافة إلى أن هذه المأكولات تزيد من حموضة المعدة وتزيد من ارتداد الحمض من المعدة إلى الحنجرة وكل ذلك يسبب بحة في الصوت.

في الختام ينصح د. فاتح: بالابتعاد عن التدخين والشيشة وتجنب الصراخ واستخدام الصوت بشكل مفرط والالتزام بنمط حياة صحي والإكثار من شرب السوائل ومعالجة حموضة المعدة في حال وجودها وتجنب الأدوية التي تسبب جفاف في الحنجرة لأنها تزيد من بحة الصوت.

نفسية الفرد

من جهة أخرى تقول أخصائية إرشاد وتوجيه بجامعة السلطان قابوس د. مها عبد المجيد العاني حول تأثر ردود فعل الناس على نفسية أصحاب الأصوات الغريبة: تعد اللغة من أهم الخصائص التي اختص الله بها الإنسان ليفرده ويميزه عن غيره من سائر المخلوقات، وهي ظاهرة اجتماعية، ووسيلة مهمة من وسائل الاتصال الإنساني، ويعد الكلام أحد المظاهر الخارجية للغة، والذي يصدر عن الفرد من خلال أقوال منطوقة أو مكتوبة، وهو أداة أساسية لبناء الشخصية، وأداة للاستقلال، وأداة لتوسيع دائرة التعامل مع الآخرين، فالصوت يعد أحد مؤشرات لغة الجسد للتعامل مع الآخرين فالتنغيم الصوتي وسرعة الحديث ونبرة الصوت والترددات والوقفات وغيرها ما هو متعلق بالصوت له علاقة كبيرة في آليات التعامل مع الآخرين فالصوت مع المؤشرات الأخرى من لغة الجسد له تأثير كبير في تعاملنا وتأثيرنا مع الآخرين وفي حالة وجود خلل في أحدها قد تشكل عائقاً في تعلم المهارة بل تصل في بعض الأحيان إلى معوق، وطبيعة ردود أفعال الآخرين تجاه أولئك الأفراد الذين يعانون من مشكلات في الصوت تختلف باختلاف الأفراد من حيث العمر والثقافة والتنشئة وغيرها، وبطبيعة الحال لما كانت ردود الأفعال سلبية (كأن تكون بالصمت أو الاستهزاء أو الابتسامة أو الضحك أو التجاهل أو التجهم) تؤثر وبشكل مباشر في نفسية ذلك الفرد الذي يعاني من مشكلات في الصوت، فقد نجده يتوقف عن الكلام أو ينسحب من الموقف وقد تؤدي للشعور باليأس، والإحباط، وعليه يستجيب كل فرد يعاني من مشكلة الصوت الغريب بطرق مختلفة، فبعضهم يتجنب مواقف التفاعل ويصبح خجولاً، وبعضهم الآخر يشعر بالقلق تجاه بعض المواقف والموضوعات، وذلك القلق يكون بمثابة عامل ضغط عليه يؤدي إلى زيادة مشكلات في الصوت قد يخفض الصوت بشكل كبير أو تظهر مشكلات أخرى كما ونجدهم أكثر خوفاً وحساسية من التقييم الاجتماعي السالب من جانب الآخرين.

وبطبيعة الحال فالفرد الحساس قد يعاني بسبب تلك الردود من بعض الاضطرابات السلوكية والنفسية مثل العدوان، والانسحاب، والقلق، والاكتئاب، كما يكون أكثر عرضة للإحباط نتيجة عدم قدرته على الكلام بصورة طبيعية مثل الآخرين وأيضا من الجانب الآخر لا ننسى مدى امتلاك ذلك الفرد من الثقة بالذات فقد يتجاهل تلك الاستجابات أو ردود الأفعال السلبية ويستمر في الحديث أو التفاعل الاجتماعي، وعليه من الحاجات النفسية لهؤلاء الأفراد هو الحاجة إلى الدعم الذاتي وتنمية الذات وتفعيل استراتيجيات التعامل مع الضغوط النفسية والثقة بالقدرات الأخرى واستغلالها بشكل فعال وتنمية مؤشرات لغة الجسد الأخرى غير الصوت للتأثير في الآخرين والتعامل بشكل طبيعي مع مواقف الحياة المختلفة.

عذوبة الصوت

وبالنسبة لمعايير عذوبة الصوت وجماله يقول الفنان العماني ماجد المرزوقي: إن عذوبة الصوت وجماله، يحدد بهذه الصفات غالباً إذا كان صاحب الصوت يمارس الغناء بأي من ألوانه المعروفة، ويستحسن الصوت الشجي الطربي عن غيره لما له من قَبول لدى المستمعين أصحاب الذوق الرفيع في الاستماع للموسيقى والغناء، وإذا بحثنا عن أسباب تميز عذوبة صوت بشري عن غيره، سنجد المصدر الأساسي هو موهبة خالصة من عند الله سبحانه، اختص بها هذا عن ذاك، كحال الجمال في الوجه والطول والقِصر وهكذا، وإذا ما وجِدت العذوبة لدى من له اهتمام بالأداء الغنائي، فهنا تبدأ عمليات الصقل والتهذيب والتطويع لهذا الصوت، وذلك من خلال التمارين الغنائية التي تسمى في علم الموسيقى (الصولفيج)، وكما يصف أحد الأساتذة هذه التمارين ودورها في صقل الصوت العذب الجميل، بأنها تشبه عملية صقل الفضة، فمهما تأكسدت الفضة وتراكمت عليها الأتربة وما يخلفه عامل البيئة والرطوبة، فبمجرد ما يقوم الصائغ بصقلها حتى يعود لمعانها وبريقها الأصلي، فهكذا هو الصوت العذب الشجي، بمجرد أن نحافظ عليه من خلال التمارين الأدائية، يعود ليلمع ويشنّفُ الآذان طرباً، ويصبح أكثر ركوزاً مع الأنغام الموسيقية ليجسد نمطاً متناسقاً آيةً في الجمال والإبهار. وإجابة عن سؤالنا له عن زمن التكنولوجيا ودخول محسنات صوتية إلكترونية على الأغنية العربية، برأيك كملحن أو فنان كيف ترى مستقبل الغناء في ظل تلك التدخلات التكنولوجية على الأغنية؟ يجيب قائلاً: إن التطور التكنولوجي قد طال أغلب جوانب الحياة بلا أدنى شك، والصوت وما يتبعه من موسيقى كان لهما وافر الحظ في ابتداع أفكار تضيف للمستمع ما يريحه أثناء الاستماع لأي مقطوعة موسيقية أو أغنية، ومن هذا الجانب نرى بأن الأجهزة المكبرة للصوت هي من أوائل الأجهزة لتحسين الصوت تفخيماً وتضخيماً، لإيصاله إلى أبعد مما هو عليه حقيقةً، وبعدها توالت الابتكارات والرؤى التي ساهمت في تحسين الصوت وجعله أكثر لياقةً مما هو عليه في واقع الأمر، وذلك يتضح جلياً في بعض البرامج والتطبيقات، ومن أهمها تطبيق (autotune) أوتو تيون، وهو يعمل على تقليل أو إزالة النغمات النشاز في الصوت وجعله أقرب إلى الصوت الجميل ويحتوي على قدر من العذوبة «أحياناً» ويتم ذلك أثناء تنفيذ الأغنية داخل الاستوديو فقط، ولا يمكن له أن يجعل الصوت بهذا الجمال خارج الاستوديو، وفي تقديري إذا ما شبّهته على الواقع الإنساني، فأجد هذا التحسين هو أشبه بالتعاطف مع شخص لا يملك الإمكانيات وعندما يواجه الجمهور يفشل ويظهر بأنه لا يملك المقومات التي فرضته عليهم.
وأضاف: لن يكون هناك ضرر لدى الملحن والمطرب الحقيقيين وما ينتظره منهما الجمهور الحقيقي أيضاً، كأعمال موسيقية، أو كأصوات قد يختارها للأداء، فهما أحرص ما يكونا باختيار أجود الإمكانيات لإيصال أعمالهم الفنية إلى الجمهور على طبق من ذهب، ومن باب القياس نجد أن معظم الأصوات التي تُعتمد من قبل أكبر شريحة جماهيرية ويُتفق عليها هي في غالب الأمر أصوات جميلة وعذبة و لا يختلف عليها اثنان، بل ممكن أن تتفاوت نسبة جمال الصوت من خلال الاختيار الموفق للكلمة العذبة واللحن الشجي اللذان يكملان المشهد واللوحة بجمال الصوت وعذوبته.