تقرير إخباري: عائلة تقرر الهرب من نفايات لبنان إلى سوريا رغم الحرب

الحدث الأربعاء ٠٦/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
تقرير إخباري:
عائلة تقرر الهرب من نفايات لبنان إلى سوريا رغم الحرب

الناعمة (لبنان) – ش – وكالات
جهز فياض عياش وزوجته ريهام حقائب السفر استعدادا للانتقال الأسبوع المقبل مع بناتهما الأربع إلى سوريا التي يهزها نزاع دام منذ خمس سنوات، وذلك هربا من رائحة النفايات التي تملأ منزلهما الواقع جنوب بيروت.

أمراض شتى
ويطل منزل عياش المتواضع والمكون من طابقين على مطمر الناعمة الواقع على بعد عشرين كيلومترا تقريبا جنوب العاصمة. ومن هذا المطمر، تتسرب رائحة كريهة تركت آثارها على سكان المنزل الذين أصيبوا بأمراض شتى.
ويقول فياض لوكالة فرانس برس "سنذهب إلى سوريا الأسبوع المقبل. هناك احتمال بأن نموت. لكن هنا، سنموت بالتأكيد". من حديقة المنزل الخلفية، يمكن رؤية عشرات الشاحنات المحملة بأطنان من النفايات التي تنبعث منها روائح مزعجة، تنتظر دورها لرمي القمامة في المكان.
في يوليو الفائت، أجبر سكان غاضبون في بلدة الناعمة الحكومة على إقفال المطمر، ما أدخل البلاد في أزمة أغرقت بيروت ومناطق أخرى واسعة في القمامة التي تكدست على جوانب الطرق وفي مجاري الأنهار وعلى ضفافها وعلى شاطىء البحر وفي الأحراج والغابات.
لكن بعد ثمانية أشهر، لم تجد الحكومة حلا إلا بإعادة فتح المطمر لمدة شهرين لإزالة النفايات المتراكمة في إطار خطة مؤقتة لحل الازمة تشمل
ويقول فياض "الرائحة الكريهة تشتد دائما خلال الليل. الرائحة هي ذاتها في كل المنطقة والأمراض نفسها أيضا".
ويحمل عياش في يده جهاز استنشاق أزرق اللون، ويقول إن أفراد عائلته يعانون منذ أشهر من مشاكل في التنفس بسبب المطمر. كما تعاني بناته اللواتي تترواح أعمارهن بين سنتين وعشر سنوات من مشاكل في الأكل والنوم أيضا.
وفياض لبناني متزوج من سورية، وقررا الذهاب إلى منطقة السويداء في جنوب سوريا حيث تعيش عائلة الزوجة ريهام. وبقيت السويداء ذات الغالبية الدرزية بمنأى نسبيا عن النزاع الدائر في سوريا الذي أسفر خلال خمس سنوات عن مقتل ما لا يقل عن 270 ألف شخص. لكنها شهدت في مراحل متعددة معارك عنيفة وهجمات من تنظيم داعش.
تقول ريهام "ليس هناك أمان في سوريا ولكني مجبرة على الرحيل"، مضيفة "لدي حقيبة جاهزة وضعتها فوق الخزانة".

فواتير صحية
بدأ العمل في مطمر الناعمة العام 1997، إذ أعدّ لتنقل اليه نفايات بيروت ومدن وبلدات قضاء جبل لبنان (وسط). وجهز بتقنيات تسمح باحراق الغازات السامة الموجودة في النفايات المعدة للطمر منعا لتلويث الأرض والهواء.
وكان يفترض أن يكون حلا موقتا لمشكلة مزمنة تعود إلى أكثر من عشرين سنة. لكن أي حل جذري لم ير النور بسبب الانقسامات السياسية وخصوصا بسبب فساد المؤسسات. وكان يفترض أيضا دفن حوالي مليوني طن من النفايات في مطمر الناعمة فقط، لكنه بات يضم أكثر من 15 مليونا.
ويقول فياض "ما إن فتحوا المكب المرة الثانية (قبل أسبوعين)، بدأت طفلتي بالتقيؤ". وتقول ريهام إن الفواتير الطبية من زيارات الطبيب وأدوية وأجهزة استنشاق تكلف العائلة شهريا حوالي ألف دولار.
وتنظر إلى يدها وتقول "اجبرت على بيع خاتم الزواج لأغطي تكاليف الأطباء والأدوية". وتضيف "يا ليت أولادي يأكلون بقدر ما يأخذون أدوية". وتشكو عشرات العائلات من تداعيات رمي النفايات في مطمر الناعمة على حياتها.

أطنان من القمامة
ويقول مدير منشأة الصحة البيئية والسلامة وإدارة المخاطر في الجامعة الاميركية في بيروت فاروق مرعبي لوكالة فرانس برس إن الرائحة المنبعثة من مطمر الناعمة انعكست صعوبات جمة على حياة أكثر من ثمانمئة شخص يعيشون في محيط كيلومتر واحد منه.
ويوضح إن الشاحنات كانت تنقل بين 2800 و3000 طن من القمامة يوميا إلى الناعمة قبل ازمة النفايات. "اما اليوم، فاصبحت تنقل ما بين ثمانية وتسعة آلاف طن"، وذلك بسبب القمامة التي تراكمت في الشوارع.
ويضيف "إن النفايات التي تكدست في الشوارع تخمرت، وبالتالي فإن الرائحة أصبحت قوية جدا". ولم يحدد الخبراء بعد بدقة الآثار الصحية التي ستترتب على المنطقة المحيطة بالمطمر على المدى الطويل.
ويأمل مرعبي ومعه فريق من الخبراء في الجامعة الأمريكية بالحصول على تمويل يخولهم إتمام دراسة لـ "فحص وضع المياه السطحية والجوفية وعينات من التربة والهواء".
لكن لم يعد بوسع فياض وعائلته الانتظار. ويقول فياض "أبلغنا أهل ريهام أنهم يودون المجيء إلى لبنان، ولكن قلنا لهم: هل تريدون أن تموتوا من الرائحة؟ نفضل أن نأخذ الأطفال ونأتي إليكم".