فقاعات أوروبا الناشئة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
فقاعات أوروبا الناشئة

هانز فيرنر سِن

صدمت أحدث تحركات البنك المركزي الأوروبي العديد من المراقبين. فبرغم وضوح الهدف ــ منع الانكماش وحفز النمو ــ كانت السياسات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف سبباً في تمهيد الساحة لعدم الاستقرار الشديد.
تشمل السياسات محل التساؤل تحديد أسعار الفائدة على عمليات إعادة التمويل الرئيسية من قِبَل البنك المركزي الأوروبي عند مستوى الصِفر؛ وزيادة المشتريات الشهرية من الأصول بنحو 20 مليار يورو (22.3 بليون دولار أميركي) لكي تصل إلى 80 بليون يورو، ودفع أسعار الفائدة على الأموال التي تودع لدى البنك المركزي الأوروبي إلى مستويات أدنى في المنطقة السلبية ــ إلى 0.40% بالسالب. وعلاوة على ذلك، أطلق البنك المركزي الأوروبي سلسلة جديدة من عمليات إعادة التمويل الموجهة الأطول أمدا، والتي تحمل أيضاً أسعار فائدة سلبية. وتحصل البنوك على فائدة تصل إلى 0.4% على القروض التي تتلقاها من البنك المركزي الأوروبي، شريطة أن تقوم بإقراضها للشركات الخاصة.
تُعَد هذه السياسات في جوهرها الأحدث في سلسلة من المحاولات التي يبذلها البنك المركزي الأوروبي لمعالجة التداعيات الناجمة عن انهيار الفقاعة الهائلة التي نشأت في جنوب أوروبا في السنوات الأولى من عمر اليورو. بدأ كل شيء بالإعلان عن تقديم اليورو في قمة الاتحاد الأوروبي التي استضافتها مدريد عام 1995، وهو الأمر الذي تسبب في انخفاض أسعار الفائدة بشكل حاد.
وكانت فقاعة الائتمان التضخمية التي نشأت في بلدان جنوب أوروبا بفِعل استمرار انخفاض أسعار الفائدة سبباً في تقويض قدرتها التنافسية ودفع أسعار الأصول والعقارات إلى مستويات مرتفعة إلى حد يجعلها غير قابلة للاستدامة. وعندما انفجرت الفقاعة حاول البنك المركزي الأوروبي منع الأسعار المفرطة الارتفاع من العودة إلى مستويات التوازن من خلال استخدام مطبعة النقود والوعد بتغطية غير محدودة للمستثمرين. وتُعَد أحدث التدابير التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي المزيد من الشيء نفسه.
بطبيعة الحال، عندما اندلعت الأزمة المالية بكامل قوتها في العام 2008، في أعقاب انهيار بنك الاستثمار الأميركي ليمان براذرز، كانت تدخلات البنك المركزي الأوروبي مبررة. ولكن بعد أن بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى خلال الجزء الأخير من العام التالي، أصبحت تحركات البنك المركزي الأوروبي ملتبسة ومثيرة للجدال على نحو متزايد، فقد مكنت البلدان من تجنب الإصلاح البنيوي وعرقلت عملية خفض التضخم الضرورية في بلدان الجنوب في منطقة اليورو ــ أو حتى أوقفتها تماما، كما حدث في البرتغال وإيطاليا.
وقد استسلمت جنوب أوروبا لدواء الائتمان الرخيص. ولكن عندما توقف الائتمان الخاص وبدأت أعراض الانسحاب تظهر، سارع البنك المركزي الأوروبي إلى تقديم الأدوية البديلة. وبدلاً من علاج الإدمان، خلق اقتصادات مدمنة عاجزة عن العمل من دون تزويدها بما أدمنته.
ارتكبت اليابان خطأً مماثلاً عندما انفجرت الفقاعة العقارية لديها في العام 1990. فعلى مدار عقدين من الزمن، أغرق بنك اليابان الاقتصاد بأموال بأسعار فائدة قريبة من الصِفر. ومن جانبها، اتبعت الحكومة اليابانية هذه السياسة المتصلبة المتمثلة في الإنفاق بالاستدانة، حتى قفز الدين العام من 67% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 246% من الناتج المحلي الإجمالي اليوم، مع قدوم أحدث دَفعة صاعدة في ظل الاستراتيجية الاقتصادية المشكوك فيها المسماة "اقتصاد آبي" والتي قدمتها حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي.
ولم يحقق أي من هذا أي فائدة تُرجى، لأن لا السياسة النقدية ولا المالية يمكنها أن تحل محل الإصلاح البنيوي. بل على العكس من ذلك، كلما قدمنا المزيد من العلاجات الكينزية والنقدية، كلما وهنت قوة الشفاء الذاتي التي تتمتع بها الأسواق وضعفت إرادة صناع السياسة لفرض علاجات إزالة السموم القاسية على الاقتصاد والسكان.
ولكن أسوأ الآثار المترتبة على سياسة البنك المركزي الأوروبي ربما لم تأت بعد، إذا أصبحت اقتصادات منطقة اليورو التي لا تزال سليمة أيضاً مدمنة على الائتمان. وهناك بالفعل بعض العلامات المثيرة للقلق والتي تدل على هذا. فقد انفجرت أسواق العقارات في النمسا وألمانيا ولوكسمبورج عملياً طوال فترة الأزمة، نتيجة لمطاردة البنوك للمقترضين بعروض بأسعار فائدة قريبة من الصِفر، بصرف النظر عن جدارتهم الائتمانية. ففي النمسا، ارتفعت أسعار العقارات بما يقرب من النصف منذ انهيار ليمان، وفي لوكسمبورج، ارتفعت بنحو الثلث.
وحتى ألمانيا، الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، تشهد طفرة عقارية هائلة منذ العام 2010، مع ارتفاع متوسط أسعار العقارات في المناطق الحضرية بما يتجاوز الثلث ــ وما يقرب من النصف في المدن الكبرى. وتشهد البلاد طفرة بناء غير مسبوقة منذ إعادة توحيد شطريها. ولم يعد لدى وكلاء العقارات ما يعرضون سوى البقايا المتخلفة.
الواقع أن الطفرة العقارية في ألمانيا يمكن كبحها بقفزة مناسبة في أسعار الفائدة. ولكن نظراً لإصرار البنك المركزي الأوروبي الواضح على سلوك الاتجاه المعاكس تماما، فسوف تستمر الفقاعة في النمو. وإذا انفجرت، فقد يتحمل اليورو عواقب وخيمة؛ وسوف يكون الحزب الألماني البديل المتشكك في أوروبا، والذي حقق تقدماً مدهشاً في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها ألمانيا، حريصاً على حدوث ذلك.

أستاذ الاقتصاد والموارد المالية العامة في جامعة ميونيخ، وأستاذ في معهد البحوث الاقتصادية (ايفو)، ويعمل في المجلس الاستشاري لوزارة الاقتصاد الألمانية.