الصين والحافز التالي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٠٠ م
الصين والحافز التالي

يو يونج دنج

منذ نوفمبر الفائت، كان خبراء الاقتصاد والقائمون على وسائل الإعلام على حد سواء حريصين على الإشادة بإصلاحات جانب العرض البنيوية باعتبارها حلاً رائداً لمشكلات الصين الاقتصادية. ففي النهاية، يتلخص المنطق في الصين في أن سياسات جانب الطلب التي تتخذ هيئة تدابير التحفيز الكينزية (على غرار ما أوصى به جون ماينارد كينز)، لا تفيد إلا في حل المشاكل القصيرة الأمد والكلية. ولأن المشاكل التي تواجهها الصين طويلة الأمد وبنيوية، فينبغي للبلاد أن تركز على الإصلاحات البنيوية لجانب العرض، حتى وإن كان ذلك يعني قبول نمو الناتج المحلي الإجمالي الأكثر تباطؤا. ولكن هل هذا هو النهج الصحيح؟
يتولد نمو الناتج المحلي الإجمالي عن طريق التفاعل بين جانب العرض وجانب الطلب في الاقتصاد. على سبيل المثال، يساعد الاستثمار في رأس المال البشري على تمكين الإبداع الذي تعمل منتجاته بدورها على ايجاد الطلب، وبالتالي النمو الاقتصادي. والواقع أن سياسة جانب الطلب وسياسة التكيف البنيوي لا تستبعد إحداهما الأخرى. فبالأرقام الكلية، يحدد نمو العرض إمكانات النمو، ويحدد نمو الطلب كيفية استخدام هذه الإمكانات. ولابد أولاً من تغيير بنية الطلب لتغيير البنية الاقتصادية ونمط النمو.
وفي الصين، ينبغي لجانب العرض أن يكون مدفوعاً بشكل أكبر بالإبداع والأفكار الخلّاقة، وليس بزيادة المدخلات. أما جانب الطلب فلابد أن يكون مدفوعاً بشكل أكبر بالاستهلاك المحلي، وليس الاستثمار (وخاصة في القطاع العقاري) والصادرات. ولكن فرض هذا التحول ليس بالمهمة السهلة، لأن العوامل البنيوية تدفع معدل النمو المحتمل في الأمد البعيد في الصين إلى الانخفاض؛ ويبدو أن الاقتصاد الآن يستعد للانخفاض حتى إلى ما دون المعدل الأدنى هذا العام.
ويشير كل هذا إلى أن التكيف البنيوي المستمر مطلوب في الصين. ولكن الحقيقة هي أن الصين كانت منهمكة في هذا التعديل لفترة طويلة، وبنتائج غير مرضية، وهو ما يشير إلى أن سياسات جانب الطلب التكميلية ربما تكون مطلوبة. علاوة على ذلك، وفي حين يُعَد النمو الأبطأ حتمياً بسبب التعديل، فهناك حدود لمدى انخفاض معدل النمو المقبول في الصين. وقد لا تكون هذه العتبة بعيدة مع انخفاض نمو الصين بالفعل إلى أدنى مستوى له في خمس وعشرين سنة في العام 2015.
من المؤكد أن كثيرين يعتقدون أن معدل النمو في الصين سوف يستقر في النصف الثاني من العام 2016. وإذا حدث هذا فربما يصبح بوسع قادة الصين أن يركزوا على التكيف البنيوي، من دون التفكير في حوافز إضافية. ولكن هناك سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن معدل النمو في الصين سوف يستمر في الانخفاض هذا العام.
الحقيقة هي أن الصين تظل عالقة في قبضة الانكماش، مع دخول الأسعار والناتج في دوامة هابطة. وبرغم ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بشكل طفيف، فإن مؤشر أسعار المنتجين كان في انخفاض طوال 47 شهراً على التوالي. وعلاوة على ذلك، كان العامل الانكماشي للناتج المحلي الإجمالي سلبياً منذ بداية العام 2015.
تشهد الصين في الوقت الراهن نمطين من دوامات الانكماش. فهناك دوامة القدرة الفائضة الانكماشية، حيث تدفع القدرة الفائضة مؤشر أسعار المنتجين إلى الهبوط، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض ربحية الشركات. ثم هناك دوامة الدين الانكماشية، حيث يتسبب مؤشر أسعار المنتجين الهابط في ارتفاع الدين الحقيقي، ومرة أخرى إضعاف ربحية الشركات. وفي الحالتين، تُدفَع الشركات إلى تقليص الديون والحد من الاستثمار، وهي الاستجابة التي تؤدي بدورها إلى المزيد من القدرة الفائضة والمزيد من الانحدار في مؤشر أسعار المنتجين. علاوة على ذلك، ولأن ديون الشركات في الصين مرتفعة للغاية بالفعل، فإن أي زيادة في الدين الحقيقي ربما تخلف عواقب وخيمة على الاستقرار المالي.
وما يؤدي إلى تفاقم التحدي الذي يواجه الصين حقيقة مفادها أن المحرك الرئيسي لجانب الطلب في الاقتصاد، وهو الاستثمار العقاري، يشهد انحداراً أسرع من ارتفاع المصدر البديل للطلب، وهو الاستهلاك المحلي. ففي عام 2015، كانت مساحة الأرض السكنية غير المباعة في الصين ككل نحو 700 مليون متر مربع (7.5 مليار قدم مربع)، في حين كان متوسط المبيعات السنوية من مساحة الأرض السكنية في الأوقات العادية نحو 1.3 بليون متر مربع.
وفي مواجهة زيادة تتجاوز 10% في المخزون، اضطرت شركات البناء العقاري إلى خفض استثماراتها إلى حد كبير. وبحلول نهاية العام 2015، انخفض نمو الاستثمار العقاري إلى الصِفر تقريبا. وهذا العام، وبرغم زيادة الاستثمار بعض الشيء في يناير وفبراير، يكاد يكون من المؤكد أن هذا المعدل سوف يشهد المزيد من الانخفاض. ولأن الاستثمار العقاري يمثل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، فإن تأثير هذا الاتجاه على النمو الاقتصادي الإجمالي سيكون كبيرا.
لا تواجه الصين في هذا السياق الاختيار بين الحوافز الكينزية أو إصلاح جانب العرض، بل تواجه بدلاً من ذلك التحدي المتمثل في إيجاد التوازن بين الأمرين. ومن أجل تجنب الهبوط الحاد الذي من شأنه أن يجعل تنفيذ التكيف البنيوي أمراً بالغ الصعوبة ــ وليس لدعم النمو ــ تصبح حزمة تحفيز أخرى مطلوبة لزيادة الطلب الكلي من خلال الاستثمار في البينة الأساسية. ولأن الموقف المالي في الصين يظل قوياً نسبيا، فإن هذه السياسة ملائمة تماما.

الرئيس الأسبق لجمعية الصين للاقتصاد العالمي، ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية سابقا.