القطاع الخاص .. ودور البنوك في أوقات الركود

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/ديسمبر/٢٠١٩ ١١:٣٣ ص
القطاع الخاص .. ودور البنوك في أوقات الركود

محمد محمود عثمان

تراجع النشاط الاقتصادي في أي دولة لعدة شهور متتالية يطلق عليه اقتصاديا بالركود ، حيث يرى العديد من الاقتصاديين أنه جزء طبيعي من الدورة الاقتصادية التي تشهد ارتفاعات وانخفاضات، إلا أن الركود يتحول إلى كساد عندما يحدث انخفاض بنحو 10 % على الأقل في الناتج المحلي الإجمالي ، والذي يستمرلعدة سنوات و يعد انعكاسا طبيعيا لضعف الحركة التجارية والمصرفية وقطاعات الزراعة و الصناعة

وبين الركود والكساد تتعثر الكثير من المشروعات أو تتوقف الشركات ، ومنها الشركات الصغيرة والمتوسطة ،خاصة إذا كان القطاع الخاص هشا أو ضعيفا ويعتمد في الأساس على حجم الانفاق الحكومي ، مع هروب الاستثمارات في ظل مناخ الضبابية الذي يعد العدو الأول للنمو والتطور، ومظاهر ذلك تتجسد في عدة ظواهر أهمها نقص السيولة، وانخفاض الطلب بشدة مع زيادة العرض بقوة ، وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين وارتفاع التضخم ، وتراكم الديون وأحجام البنوك عن الإقراض ووضع وقيود ضمانات قاسية ، وارتفاع نسبة الفائدة ، وزيادة الديون المتعثرة والمعدومة ، و وزيادة تكلفة خدمة الدين .

وتراجع البورصات وتسريح الكثيرمن الأيد العاملة الوافدة والوطنية - حتى المدربة – ومن يترتب عليها من خسائر في قطاعات العقارت والخدمات والتجارة في السلع الاستهلاكية ، وكساد في سوق الإعلانات وتراجع عمليات التسويق والترويج ،وهذا مؤشر واضح وصريح باتجاه الاقتصاد نحو التباطؤ ،وتقلص فرص العمل الحقيقية وزيادة معدلات البطالة وتراجع مستويات الأجور، وهذا يعني الموت السريري لمعظم الأنشطة الاقتصادية إن لم يكن جميعها ، ومن ثم الانعكاسات السلبية على مجمل الدخل القومي بخلاف السلبيات الاجتماعية على الأسر والأفراد، لأن هذا الوضع يضغط على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تستطيع توفير السيولة المالية الضرورية لتسييرعملها ، وتجبر على التصفية والإفلاس ، نتيجة للكثير من العقبات التي تفرضها البنوك وشركات التمويل ، وعدم القدرة على توفير ضمانات كافية للاقتراض .

وفي ظل هذا المشهد القاتم لا يمكن أن نضع رؤوسنا في الرمال وأن نترك القطاع الخاص وحيدا في مواجهة هذه الأمواج المتلاطمة من المشاكل ، وهذا يتطلب وجود استراتيجية لإدارة المخاطر واتخاذ التدابير الاحترازية لمواجهة هذه التحديات تشارك فيها الحكومات وغرف التجارة والصناعة ممثلة للقطاع الخاص وشركاته ، واللجان المسؤولة عن الصناعة والاستثمار و التسويق والترويج , والبنوك المركزية والمصارف التجارية ومؤسسات التمويل المحلية والأجنبية إذا وجدت ، ومؤسسات المجتمع المدني ونقابات العمال ، وذلك لوضع خارطة طريق لاجتياز هذه الأزمة ومواجهتها باسلوب علمي وعملي ، من خلال السياسات المالية والنقدية المرنة التي تناسب كل مرحلة ، ووضع ضوابط للأنشطة عالية المخاطر، وزيادة الإنفاق الحكومي الضروري ،مع ضرورة ترشيد النفقات العامة

باعتبار أن الإنفاق الحكومي خلال الأزمة يساعد على استعادة النمو دون آثار مالية ضارة، أما إذا عجزت الحكومات عن الإنفاق أو تخوفت منه، فإنها حتما ستواجه الإخفاق، وكذلك ضبط سوق العمل والمحافظة على حقوق العمال ،وتوفير احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة من الأيد العاملة ووسائل الإنتاج ،قبل أن تطيح بها الأزمة ، وقبل أن تنهار الأنشطة التجارية والاقتصادية والخدمية، وأن طريق الخروج والنجاح يكمن في إزالة المعوقات والتعقيدات التي تعرقل إجراءات الحصول على القروض، والتي تخلق في الوقت ذاته بيئة استثمارية جيدة وجاذبة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية أو المهاجرة .

وأيضا على البنوك المركزية أن تفكر خارج الصندوق وأن تقدر حجم المخاطر التي تتعرض لهىا الاقتصادات الناشئة وأن تتخذ إجراءات سريعة وفاعلة بداية من جدولة الديون وخفص معدلات الفائدة على القروض والودائع، حتى وإن أثر ذلك على التوجه نحو الإدخار،إلى جانب تحفيز جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية لأنها من أهم عوامل احباط أو مقاومة الركود، وتبسيط إجراءات الاقتراض،وخفض سقف الاحتياطي الإلزامي للبنوك لتتمكن من زيادة قدرتها الإقراضية للشركات والأفراد، مع خفض الضرائب والرسوم الخدمية ، لتحريك الطلب لزيادة القوة الشرائية؛ لأن توفير السيولة المالية يساعد على زيادة الاستهلاك والحركة في الأسواق ، وتنشيط الطلب على المعروض من السلع والخدمات، ومن ثم إعادة دورة الإنتاج، والحد من آثار الركود السلبية، التي قد تقود الاقتصاد إلى وضع الكساد، مع الوضع في الاعتبار أن عدوى الركود سهلة الانتشار والانتقال إلى الاقتصاديات التي تعاني من نفس الظواهر السلبية .