مؤتمر دولي بالسلطنة يناقش «تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين.. وعُمان نموذجا»

بلادنا الثلاثاء ٢٤/ديسمبر/٢٠١٩ ١٣:٢٣ م
مؤتمر دولي بالسلطنة يناقش «تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين.. وعُمان نموذجا»

مسقط – خالد عرابي

انطلقت أمس أعمال المؤتمر الدولي «تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين، و عمان نموذجا» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بمنظمة التعاون الإسلامي، وذلك بفندق جراند ميلينيوم مسقط تحت رعاية وزير الخدمة المدنية معالي الشيخ خالد بن عمر بن سعيد المرهون .

ويناقش المؤتمر الذي تستمر أعماله على مدى يومي 23 و24 ديسمبر الجاري 22 ورقة عمل أعدها نخبة من أساتذة التاريخ والعلوم السياسية والخبراء والباحثين والمثقفين من دول: سلطنة عمان، الصين، تركيا ، أوزبكستان ، وكوريا الجنوبية، يناقش عدة محاور تاريخية وثقافية واقتصادية، علاوة عن التواصل التاريخي بين الصين والعالم الإسلامي، والتأثيرات الفنية والعلمية والأدبية، إلى جانب التبادل الثقافي، والعلاقات الدولية بين الدول الإسلامية والصين، والعلاقات العمانية- الصينية من الماضي إلى الحاضر مع التركيز الحديثة منها والعلاقات التجارية والاستثمارات ما بين البلدين وأثر مبادرة الحزام والطريق على تلك العلاقات.

وعقب الجلسة الافتتاحية انطلقت جلسات المؤتمر حيث تحدث نائب المدير العام لمعهد دراسات غرب أسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية البروفيسور وانج لينكونج في أولى الجلسات عن «التواصل التاريخي بين الصين و العالم الإسلامي» ، فيما طرح البروفيسور لي هي سوو من قسم الانثربولوجيا الثقافية بجامعة هانيانج بكوريا الجنوبية محور «العلاقات التجارية بين الصين والمسلمين خلال فترة تانغ سونغ من(القرن السابع – العاشر). وطرح البروفيسور أحمد ناسال من جامعة أسطنبول يديتيبي بتركيا محور « تاريخ الرحالة من جنوب الامبراطورية العثمانية إلى الشرق الأقصى»..

وناقش الأستاذ المشارك بمعهد دراسات غرب أسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية الدكتور سون هاو محورا عن «الثقافات الإسلامية القديمة في عيون قدامى الصينيين ، التركيز على تغييرات جينغ شين جي(أدب الرحالة). . وحول محور العلاقات العمانية – الصينية ، طرح الخبير بمديرية الآثار و الثقافة بوزارة التراث والثقافة حمود بن حمد الغيلاني ورقة عمل حول «الرحلات البحرية العمانية إلى الصين». وطرح مدير دائرة التاريخ الشفوي بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ورقة عمل حول «الصين في الصحافة العمانية .. صحيفتي عمان والوطن أنموذجا».

حدث غير مجرى التاريخ
وقال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني في كلمته الافتتاحية للمؤتمر: شهدت الجزيرة العربية مع بداية القرن السابع الميلادي حدثا مهما غير مجرى التاريخ بظهور الإسلام وإقامة دولة إسلامية امتدت شرقا وغربا، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي يصل نفوذ المسلمين إلى حدود الصين مما أوجد هذا الامتداد رقعة واسعة من الأراضي الشاسعة والزاخرة بالمنتجات والخيرات المتعددة مما حذا بالطرفين على تطوير التجارة والاستفادة من الأمن والاستقرار الذي وفره المسلمون على مسارات طرق الحرير البرية والبحرية مما أفسح المجال للصينيين في نقل بضائعهم ومنتجاتهم إلى العالم الإسلامي وكان طريق الحرير خلالها معبرا ثقافيا واجتماعيا ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها.

وأضاف سعادته قائلا: إن شأن طريق الحرير لم يقتصر عن كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب وإنما تجاوز الاقتصاد العالمي حيث عبرت وتعرفت الشعوب في آسيا على الديانات ومنها الدين الإسلامي وانتقال العديد من أنماط النظم الاجتماعية من خلال التواصل السكاني ألا أن النشاط الاقتصادي ظل دوما هو العامل الأهم والأبهر والأبرز أثرا لاسيما مع حلول القرن العاشر الميلادي .

وعن العلاقات التجارية العمانية - الصينية عبر العصور والحقب التاريخية قال سعادته بأنها شكلت علامة بارزة في تاريخها منذ العصر الإسلامي عن طريق الخطوط البحرية بين الموانئ الصينية وموانئ الساحل العمان، وقد أكسبها الاستقرار السياسي والأمني أكبر الأثر في زيادة الازدهار التجاري فكان لازدهار مينائي صحار في عمان، وكانتون في الصين عظيم الأثر في ثراء المنطقة التي تمر من خلالها التجارة البحرية عبر المحيط الهندي ومنها سواحل الخليج ومرافئ البحر الأحمر، وبفضل مساهمة الموانئ العمانية وعلى وجه الخصوص ميناء صحار الذي ازدهر وحظي بإشادة العديد من الرحالة الجغرافيين فكانوا يسمونه (بوابة الصين) لأنها كانت سوقا حرة وقبلة التجار وبضائعهم ومخزنا للسلع الواردة من الصين والهند.

وأكد سعادته على أن المؤتمر سينظر في أوراق العمل التي تتناول أوجه ومجالات العلاقات التي ربطت العالم الإسلامي بالصين وعُمان وأهمية امتداد وتواصل هذه العلاقات الاقتصادية التي تعمل كل الدول على إيجاد شراكة اقتصادية والعمل على إتاحة فرص الاستثمار مع مختلف دول العالم ومنها الصين .

أهمية الجانب الثقافي
وأكدت نائبة المدير العام لمكتب التعاون الدولي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية سعادة البروفيسورة زهو يونفان في تصريحات خاصة للـ «الشبيبة» على أهمية هذه الندوة وغيرها من الندوات خاصة وأنها تركز بشكل كبير على الجانب الثقافي. وأشارت إلى أن العلاقات الصينية مع دول العالم الإسلامي بصفة عامة ومع سلطنة عمان على وجه الخصوص شهدات خلال السنوات الماضية طفرات كبيرة في التعاون و لكن كثير منها يركز على الجوانب الاقتصادية و التجارية في حين أن التعاون والندوات الثقافية لا تتواكب مع ذلك ولذا فإن هذه الندوات الثقافية تشكل أهمية كبيرة و يجب أن تكون بنفس المستوى لأنها هي التي تمثل جسر التواصل بين الشعوب وهو ما يؤدي بشكل كبير إلى تقارب وتعاون أكبر.. واستعرضت «يونفان» في كلمتها في الحفل تاريخ التعاون بين بلدان العالم الإسلامي والصين منذ القدم وحتى الوقت الحاضر وركزت على أهمية الحوار بين الحضارات والدول والثقافات كما تطرقت إلى نتائج مؤتمري 2015 و 2017 .

وأكدت السفيرة الصينية المعتمدة لدى السلطنة لي لينج بينج في تصريحات خاصة للـ الشبيبة» على عمق العلاقات العمانية- الصينية تاريخيا و حديثا و استشهدت ببعض النماذج من الشخصيات التاريخية العمانية و الصينية و منها على سبيل المثال في الجانب العماني البحار أبو عبيدة و أنه عاش في الصين عشرات السنوات وأنه أصبح بالنسبة للصينين يمثل النموذج العربي. وأشارت إلى أن تبادل الصداقة بين البلدين يعود إلى ألاف السنين بينما حديثا فإن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كانت قبل 40 سنة وقد حققت الكثير من النتائج بين البلدين في التجارة والاقتصاد و الاستثمار والثقافة وغيرها من المجالات. وأكدت على أن بلادها تعتبر سلطنة عمان شريك إستراتيجي مهم في المنطقة وكذلك شريك إستراتيجي مهم في إقامة الحزام والطريق ولذلك و بمناسبة مرور 40 عامام على العلاقات الدبلوماسية تم في العام الماضي ترقية مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية وحكومة وشعب الصين تولي اهتماما كبيرا بهذه الشراكة الاستراتيجية وتعمل على دعم التعاون العملي والتبادلات بينهما وهو ما تدعمه الآن بالكثير من تبادل الزيارات و الوفود رفيعة المستوى وأخرها وفد كبير جدا وزيارة رسمية إلى السلطنة في نوفمبر الماضي برئاسة رئيس المجلس الوطني المؤتمر الاستشاري السياسي الصيني و الذي يعد القيادة رقم أربعة من حيث الترتيب في الصين وهذا يدل على مدى اهتمام الصين بتعزيز العلاقات بين البلدين .

اللقاءات التاريخية والثقافية
وأكد المدير العام لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بمنظمة التعاون الإسلامي سعادة الدكتور خالد إرن في كلمته على أن سلطنة عمان التي تستضيف الندوة لعبت بكرمها المعهود دورا كبيرا عبر التاريخ في تطوير التجارة عبر كونها مركزا تجاريا كبيرا لامتلاكا منفذا بحريا على المحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن العالم الإسلامي والصين قد احتفظا بعلاقات متنوعة في جوانب متعددة وأزمنة مختلفة إلا أن طريق الحرير الذي يربطهما قد تميز بأهميته الدائمة من حيث كونه طريقا لعبور السلع والأفكار والعلم والمعرفة فقد سافر الفلاسفة والوعاظ والعلماء والفنانون والمعماريون جنبا إلى جنب مع التجار حاملين معهم أفكارهم وعلومهم وبفضل طريق الحرير حيث تعارفت الشعوب على اختلاف اديانها وثقافاتها وتعايشت في سلام.

وأضاف إرن قائلا: إن الندوة الدولية حول العالم الاسلامي والصين يتم النظر إليها كحدث دولي ودوري أساسي وقد عقدت الندوة الأولى في العاصمة الصينية بكين في العام 2012 والثانية في مقر مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في العاصمة التركية أسطنبول في العام 2015 وكانت الثالثة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية في بكين في 2017 وها هي الندوة الدولية الرابعة مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عمان ويتم التركيز فيها على تجربة عمان كمثال على التعاون الناجح .

وقال المدير العام لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية: باتباعنا برنامجا منهجيا للمؤتمرات العلمية تمكنا من تأسيس قاعدة من التخصصات تركز على اللقاءات التاريخية والثقافية بين العالم الإسلامي والصين وهذا أمر مهم باعتباره مساهمة جوهرية في الدراسات العلمية في مجالي العلاقات الدولية والتاريخ ولاشك أن معرفة شعوب العالم الإسلامي والصين بتاريخهما المشترك معرفة موضوعية ستسهم في إقامة جسور التعاون بينهما في الفنون والتربية والعلوم والتجارة .

و أشار إرن إلى أن هذه الندوة ستواصل تناول نفس الموضوع من أجل استكشاف العلاقات بين العالم الإسلامي والصين من منظور تاريخي وستسلط البحوث المشاركة الأضواء على التبادل بين العالمين وتأثيره في مجال الفنون والعلوم والتكنولوجيا واللغة والفلسفة والأدب ‏كما ستنظر هذا في آثار هذا التراث التاريخي لتعزيز روح التبادل والتعاون في العالم الحديث وفي هذا الصدد ستؤخذ في الاعتبار التطورات المعاصرة والمبادرات الدبلوماسية والاقتصادية الجارية مثل مبادرة الحزام والطريق كما سيسلط الضوء على تعاون بين العالم الإسلامي والصين من أجل فهم التحديات المشكلات الدولية الحالية ومواجهتها. وأوضح أن الجديد في هذه الندوة هو أنها تستشهد بأمثلة على التجارب التي خاضتها بلدان العالم الإسلامي في تعاونها مع الصين ومن جملتها عمان باعتبارها نموذجا يستحق الثناء وبالإضافة إلى الجلسات العامة حول التاريخ والثقافة والفنون والعلاقات الدولية ستتخصص اكثر من جلسة للعلاقات ‏بين الصين وعمان في مختلف جوانب بها.

الجدير بالذكر أن حفل افتتاح المؤتمر شهد عرض فيلمين وثائقييين، أحدهما عن تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين، فيما كان الثاني بعنوان: «ذاكرة وطن» وتناول الجهود والمشروعات التي تنفذها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العمانية.