الإشكالية ليست في تحويلات العمال الوافدين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/ديسمبر/٢٠١٩ ١١:٠٥ ص
الإشكالية ليست في تحويلات العمال الوافدين

علي بن راشد المطاعني

كثر الحديث حول التحويلات المالية من العمال الأجانب ‏العاملين في البلاد مع استنتاجات كثيرة بعضها مغلوط وبعضها الآخر غير دقيق في تشخيص الإشكالية في هذا الجانب، وقد جاءت بعض النبرات بصيغة عدائية لا تعبّر عن قيمنا وأخلاقنا في الطرح والتناول والحوار، الأمر الذي يتطلب منا جميعًا معرفة لماذا هذه التحويلات تزداد عامًا بعد الآخر بدون أن نحرّك ساكنًا إزاء تغيير سلوكياتنا في النظر للمهن المختلفة؟ وحتمية أن نعمل في كل المهن بدون استثناء، ولنحل محل الأجانب من بعد النأي عن الكسل والاتكالية والركون للدعة متأففين من بعض المهن باعتبارها لا تليق ولا تشرّف، علينا أن نشمّر عن سواعد الجد والمثابرة بدلًا من أن نهرع لحوائط النحيب في وسائل التواصل الاجتماعي لنبكي ونستبكي ونبث مر اللوعة ومر الشكوى، ولعل الوسائل والوسائط تستجيب لهذا العطاء النمير من الدمع السخي فتتوقف التحويلات فورًا ولتعود لجيوبنا حلالاً طيبًا بغير جهد وبغير ضنى.

في الحقيقة أن الأرقام المُعلنة للتحويلات للخارج والتي تقارب العشرة مليارات دولار هي عبارة عن تحويلات نقدية من شركات استثمار وعمال وغيرها، وليست مقتصرة فقط على تحويلات العمال الأجانب، وإن كانت تشكّل نسبة كبيرة منها.

يتعيّن علينا في مطلق الأحوال معرفة أصل المشكلة وقبل أن نفتي وقبل أن نطلق الصراخ مدويًا مطالبين بفرض ضرائب على التحويلات للخارج مخالفين بذلك نظام اقتصاد السوق الذي تنتهجه كل الدول المتحضرة والذي يتيح حرية تحويل الأموال بدون قيود.

في البداية لا بد من الإقرار بأن الأجر الذي يناله العمال هو حق من حقوقها كفله القانون المحلي والدولي فنحن مطالبين بأن نعطي الأجير حقه وقبل أن يجف عرقه، ومن جانب آخر ليس من الملائم أن نتحكم بأجور العمال أو أن نقيد تحويلها إلى غير ذلك من أقاويل بحجة أنها مرتفعة وتزداد عامًا بعد الآخر، في حين أن المنطق السوي يقول إنها أموالهم ومن حقهم التصرّف بها كما يحلوا لهم.

إذن الأصل في المشكلة وببساطة تتمركز في زيادة اعتمادنا على العمال الأجانب في كل أعمالنا الصغيرة منها والكبيرة وعدم جديتنا في تطبيق سياسة الإحلال، متأففين من بعض المهن كما أوضحنا، فمن الطبيعي جدًا في هكذا وضع أن يظل اعتمادنا على الأجانب قائمًا، ولن يتسنى الفكاك من هذا الواقع ما لم نغيّر ثقافتنا وسلوكياتنا ونظرتنا تجاه العمل باعتباره كسبًا ورزقًا حلالًا ولا علاقة له بأي مقاييس اجتماعية واهية أخرى.

أما التجارة المستترة التي يختبئ خلفها العامل الوافد بمساعدة ومؤازرة المواطن وهو حائط الصد الأول للمختبئ وفي إطار هذا المشهد الذي صنعناه بأنفسنا لأنفسنا هل يحق لنا أن نشكو لطوب الأرض من زيادة التحويلات؟ هنا ينبغي أن يتجلى مبدأ جلد الذات واضحًا وجليًا في إطار الحل الموضوعي للإشكال الذي نحن بصدده وقبل أن نلوم أي جهة كانت.
علينا كمواطنين أن ندير شركاتنا بأنفسنا، وأن تعمل الحكومة جاهدة لضمان عدم ازدواجية ممارسة الأعمال وغيرها من الإجراءات التي يتعيّن اتّخاذها، ولكن سيبقى العمل الأكبر والشاق ينحصر في تغيير مفهوم فلسفة العمل في دواخلنا، وهنا يكمن أصل التحدي.

نأمل أن نعي وندرك بأن المشكلة تكمن لدينا وألا نحاول خداع أنفسنا عبر طرح حلول شبه مستحيلة، فالاقتصاد العالمي أضحى كتلة واحدة تنسجم فيه كل الدول عبر منظومة متفق عليها لا تخضع في أي من جزئياتها لحتمية عرقلة التحويلات للخارج إلا في الأطر التي تحددها القوانين الدولية سيما في إطار محاربة الإرهاب وليس في إطار ريع العمال الوافدين الذين يعملون بنحو قانوني في أي بلد كان.