البيئة هي ذاتها التنمية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٢/ديسمبر/٢٠١٩ ١١:٢٩ ص
البيئة هي ذاتها التنمية

علي المطاعني

يعتقد البعض بأن الإهتمام بالبيئة في السلطنة من أجل البيئة فقط، وعبر محاورها المعروفة لنا جميعا النظافة في معناها المطلق من التلوث ونقاء وصفاء الهواء والتربة والماء ومن مخلفات البشر والمصانع إلخ، والبعض الآخر يصور إهتمامنا بالبيئة بنحو حالم كأننا نعيش في المدينة الفاضلة بيئيا، وهناك من يرى بأن الإهتمام بالبيئة يعطل دوران عجلة التنمية والمشروعات وسواها من الإستنتاجات والإجتهادات الخاطئة، متناسين حقيقة أن البيئة مفهوما هي ذاتها التنمية وهي المستقبل الذي ينشده الجميع، وهي بارقة الأمل التي يتعين التمسك به ونحن نمضي قدما لرحاب المستقبل بدون منغصات، بل هي المشاريع المستدامة التي تعود بالخير والنفع على الجميع، وهي أي البيئة في نهاية المطاف سلوك فردي وجماعي يعكس مافي دواخلنا من طهر ونقاء سريرة.

من أجل ذلك كان الإهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - بالبيئة العُمانية من خلال التوجيهات والتوجهات المتتالية تشريعا وتنظيما وتفعيلا في منظومة الأطر التي نظمت التعامل والتعاطي مع البيئة كما وكيفا عبر مراكز ومؤسسات ووزارات خصصت للبيئة كإحدى أهم مكونات التنمية المستدامة في البلاد، كلها وجميعها لم تأت عبثا وإنما لتنظيم الحياة بكل تفاعلاتها وتجلياتها ولكي نحافظ على التوازن المفترض والدقيق بين مكوناتها إنطلاقا من قاعدة لاضرر وضرار، وإيمانا بأن التنمية المستدامة السليمة لن تقوم عمدها شاهقة تعانق عنان السماء مالم تصاحبها أنظمة تحافظ على سلامة النسيج البيئي الدقيق من الخدش والأذى.

إن إنشاء وزارة البيئة والشؤون المناخية كأول وزارة في الوطن العربي تعني بالبيئة مضافا إليها بعض المراكز لتعزيز الإستشارات والبحوث فيها لم يكن ترفا في يوما من الأيام، أو كماليات لاطائل من ورائها، بل هي في حقيقتها مؤسسات تؤكد على سلامة النهج وكأحدى مرتكزات التحضر والتقدم الذي يتميز به الإنسان العُماني في مسيرته النهضوية الظافرة، وكجزء لا يتجزأ من السلوك اليومي للإنسان العُماني.

ولعل ردود الأفعال الغاضبة التي تندلع من تلقاء ذاتها لأي إعتداء صارخ على البيئة بكل مكونات وردود الأفعال الساخطة كلها مؤشرات لم تأت خبط عشواء بل هي نتيجة لقناعات ذاتية ترسخت عفويا في النفوس وإذ الجميع تخرجوا أصلا في المدرسة السلطانية البيئية لقائد البلاد المفدى، وإذ يتبارى الخريجون لتعزيز السلوك الإيجابي للمحافظة على البيئة عبر مسابقات تحمل اسم جلالته وحملات توعية في محاضن التربية والإعلام إلى أن أضحت البيئة سلوكا عُمانيا خالصا ومتفردا يلحظه الجميع ويشيد به زوار بلادنا من كل قارات الدنيا.

فالسياحة البيئية في السلطنة على سبيل المثال لا الحصر مزدهرة وتجد تجاوبا منقطع النظير من السياح والزوار، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك المفهوم المتحضر عُمانيا في التعامل مع كل المكونات البيئية.

بالطبع وفي كنف هذا المفهوم البيئي المتحضر هناك من يوظف البيئة إقتصاديا في مشروعات سياحية بيئية ويحقق عبرها عوائد مجزية وقيمة مضافة لايستهان بها للوطن في هذا المجال، هذه وتلك جهود لابد وأن تجد التشجيع والمؤازرة وهذا تحديدا ما تفعله الجهات المختصة.

نامل ان نستمر في محافظتنا على البيئة بهذا النسق البديع، وان لا نسمح للضجر أن يتسلل لنفوسنا الهائمة وجدا بالبيئة جمالا ورونقا ونمط حياة، فهي رصيدنا الحضاري والإقتصادي والتنموي وستبقى هذه المسلمات هكذا وإلى الأبد.