علي المطاعني
هناك الآن أكثر من جهة حكومية تدير التعليم العالي في البلاد للأسف، وكل جهة تعمل وفق منظورها الخاص، وفي منأى عن الجهة المناط بها الإشراف عليه وهي أمه الحنون وزارة التعليم العالي نعني.
نجد الآن جهات متعددة لكل منها يد وسهم وباع في إدارة التعليم العالي في البلاد ابتداءً من وزارة الصحة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى القوى العاملة إلى البنك المركزي العُماني.. الخ، في واحدة من أهم صور التناقض في منظومة العمل الحكومي، واقع ينعكس سلبًا على مستويات ومؤهلات التعليم العالي الأمر الذي يدعو مجددًا وبنحو مُلح لعودة كل مؤسسات التعليم العالي الحكومية إلى حضن أمها الرؤوم أو إنشاء جامعة تضم هذه الكليات المتناثرة.
بلا شك أن النهوض بالتعليم العالي في أي دولة يبدأ من إعادة هيكلته تحت مظلته الطبيعية وهي وحدها التي ترسم سياسة التعليم العالي وبلورته وفق احتياجات البلاد من الكوادر الوطنية ووفق متطلبات السوق من القوى العاملة الوطنية ووفق المنظور العالمي للمهن المستقبلية، وهي وحدها القادرة على ضمان جودته وبنحو احترافي ومهني حاسم يسهم في زيادة القيمة المضافة له وتقليل الفاقد منه، ورفد قيمة العائد على الاستثمار فيه وتوجيه الموارد المالية إلى الجوانب الإنمانية التي تجوده وليس للمصاريف التشغيلية التي تبعثر الإمكانيات سدى.
وفيما بعد الهيكلة ما على الجهات المختلفة إلا أن تتقدم للوزارة المعنية موضحة احتياجاتها ومتطلباتها من الكوادر، وستقوم الوزارة بتلبية تلك الطلبات كما ينبغي، باعتبارها مختصة ومؤهلة وموثوق بها وبمخرجاتها، ولتوضيح المفارقة التي نحن بصددها لا يمكن أن نعهد لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية على سبيل المثال أن تضع تصوُّرًا لمتطلبات التعليم العالي في المجالات المختلفة، هي إن فعلت فستمضي قُدمًا في تكريس ما تراه مناسبًا من زاوية اختصاصها إذ هي أدرى به، بعدها سنجد تكدسًا في تخصصها وندرة في التخصصات الأخرى التي يحتاجها سوق العمل، وهي ويوم فعلت ذلك لم تفعله عمدًا أو نكاية في أحد، بل لحقيقة أنها مختصة في هذا الجانب، والعكس بالطبع سنجده لدى الوزارة المختصة التي ستنظر للمسألة في إطارها الأشمل وليس من منظور واحد أو من زاوية واحدة، وهذا هو الفرق الجوهري من المطالبة بالعودة إلى حضن الأم الدافئ.
الأمر كذلك ينسحب على الجهات التي تتبنّى التعليم العالي من منظور الملكية الخاصة، تدافع عنه انطلاقًا من هذه الزاوية الأحادية، غافلة حقيقة أنه أعظم من أن يندرج تحت هذا المسمى الخاص فهو يهم حاضر ومستقبل الوطن، وهنا تكمن المفارقة بكل أبعادها وأهدافها.
إن مجلس التعليم باعتباره أعلى جهة مسؤولة عن إدارة هذا المجال عليه أن يفصل في المقام الأول في التنازع القائم ما برح على أيلولة التعليم العالي بين عدة جهات في الدولة، وإعادته إلى مكانه الطبيعي كجزء مهم من آليات الارتقاء به وضمان جودة مخرجاته وانسجامها مع متطلبات السوق ومع منظومة دوران عجلة التنمية في البلاد.
إن تجارب دول العالم في هذا الصدد يجب أن تستخلص والاستفادة منها في هيكلته والانطلاق به إلى تلكم الآفاق الواسعة التي تحقق الأهداف المرجوة منه.
نأمل من الجهات المختصة أن تعيد التعليم العالي إلى حاضنته الطبيعية، وأن تتفرغ تلك الجهات لمسؤولياتها وواجباتها الوظيفية المنطلقة من مسمياتها، فمردودها وقتئذٍ سيتضاعف لما فيه صالح الوطن ومواطنيه، فتضارب الاختصاصات وفي هذا الأمر الجلل لن نتقدم عبره خطوة واحدة للأمام.