مأزق تلميع ترامب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٥/أبريل/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
مأزق تلميع ترامب

نيكولاس كريستوف

غالبا ما نلقي نحن العاملين في مجال الإعلام باللوم على تلاعب الحزب الجمهوري بقضية العنصرية واستغلالها في تسليط الأضواء على دونالد ترامب، ولكن علينا أن نعترف أننا أيضا مسؤولون عن هذا الزخم الذي يرفل فيه ترامب. وقد أجريت استطلاعا لآراء عدد من الصحفيين والعلماء ووجدت رؤية واسعة أن وسائل الإعلام قد تم استغلالها. وأول فشل للإعلام الأمريكي على وجه الخصوص أن محطات التلفزيون على وجه الخصوص سلمت ترامب الميكروفون دون مراجعة جيدة لخلفيته بينما راحت بطريقة مهينة تقدم دعما لصورته بين الجماهير.
تقول آن كاري الرئيس السابق لصحيفة "توداي" أن ترامب قد تسلل الى مسرح حملات الانتخابات الرئاسية في لحظة دقيقة كانت وسائل الإعلام تكافح فيها حالة من الريب والتشكك العميق إزاء مستقبلها المالي، والحقيقة أن الإعلام كان يشعر بالاحتياج الى ترامب. وتقول كاري انها تشعر بالحرج من الظلم الذي تعرض له باقي المرشحين الجمهوريين الآخرين الذين لم يحصلوا على وقت مماثل في البث.
وخلص تحليل في مجلة التايمز أننا في وسائل الإعلام قدمنا الى ترامب ما يعادل 1.9 بليون دولار من الدعاية المجانية في هذه الدورة الرئاسية، وهو ما يعادل 190 ضعف لما دفعه ترامب بالفعل في مجال الإعلانات، وهذا أكثر بكثير مما حصل عليه أي مرشح آخر. وكما يقول زميلي جيم روتنبرج أن البعض يشكو أن السي إن إن قد سلمت جدولها الى ترامب، وبالطبع فالمحطة التلفزيونية لديها الكثير من الشركات.
ويرى لاري ساباتو أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرجينيا أن هناك علامات استفهام كثيرة على شبكات التلفزيون، و"نحن نعلم جميعا أن الأمر يتعلق بنسب الاستطلاعات وكلما ظهر ترامب أتوقف عما أفعله منتظرا لحادث سيارة".
وعلى الرغم من أن الكثير منا كصحفيين قد سخرنا من ترامب، إلا أن الحقيقة أنه بوجه عام كان أكثر ذكاءا منا (مع استثناءات كثيرة، فقد كانت هناك جهود فعلية لإظهاره على حقيقته والتحقيق في جامعة ترامب والعديد من إخفاقاتاته في مجال الأعمال) لقد تلاعب بالتلفزيون من خلال تقديم بيانات كاذبة جذبت اليه المزيد من الأضواء والكاميرات دون توجيه أسئلة للكشف عن الحقائق.
وربما ليس الأمر أننا كان علينا ألا نقوم بتغطية جنون ترامب، ولكن كان يتوجب علينا أن نقدم سياقا في شكل مراجعة للحقائق وفحص جيد للمقترحات السياسة، فالمرشح الذي يدعي أن "شطارته" في مجال الأعمال ستمكنه من إدارة أمريكا كان يستحق مزيدا من التدقيق لإفلاساته وقدراته المحدودة في مجال الأعمال. والواقع أنني لم يسبق لي ان التقيت سياسيا أمريكيا ضحل المعرفة ومراوغ ومخادع مثل ترامب.
وعندما كان موقع PolitiFact يستعد لإختيار "كذبة العام" لعام 2015، وجد أن المنافسة الفعلية على اللقب تنحصر في أكاذيب ترامب، ومن ثم قام الموقع بجمعها معا ومنح اللقب لـ "الأخطاء الكثيرة لحملة دونالد ترامب."
وهذا النمط من المراوغة الذي قصرنا نحن في وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون عن عرضه بشكل كاف ترك العديد من الناخبين يعتقدون أن ترامب ربما يكون هو الشخص المناسسب.
والسبب وراء هذه السلبية كما أعتقد يرجع الى الفشل الثاني وهو أننا تعاملنا بصورة خاطئة مع ترامب على أنه مهرج، وهذا الخطأ دفع بعض وسائل الإعلام الى تغطية ترشيح ترامب في البداية كنوع من المزاح كما يقول دانييل س ألين أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، وجاء الاستخدام المتكرر للإشارة إلى" دونالد "عبر جميع المنصات الإعلامية ليؤسس لنوع من التعاطف الساخر مع أحد المشاهير بدلا من الحديث الجاد عن الشخصية والسياسة.
كما أننا فشلنا في التعامل مع ترامب على محمل الجد بسبب تقصير ثالث لوسائل الاعلام يتمثل في الغفلة الى حد كبير عن آلام الطبقة العاملة من الأمريكيين ومن ثم لم نقدر مدى ما يمكن أن تحدثه أصداء الرسالة التي يبعث بها. نعم تتحدث النخب الإعلامية عن عدم وجود تنوع كاف لدينا في جوانب العرقيات والأجناس ولكننا أيضا نفتقد التنوع الاقتصادي، فنحن نعيش في عالم من الطبقة المتوسطة ولكن لا نقدم تغطية مناسبة للشريحة الكبيرة في المجتمع الأمريكي التي تكافح وتجتهد، بينما ننفق الكثير من الوقت في التحدث إلى أعضاء مجلس الشيوخ وليس الباحثين عن عمل.
ويجب أن أضيف هنا أنني لا أعرف ما إذا كانت الحقائق يمكن أن تهم في شئ. فقد قام توم بروكو من محطة ان بي سي التلفزيونية بعمل جيد متحديا ترامب إلا أنه يقول أنه عندما يوجه الصحفيون أسئلة حول البيانات الزائفة لترامب لا يتغير شئ وإنما يحاول أتباعه تصيد أخطاء في الأسئلة وليس في أجوبة ترامب التي غالبا ما تكون ناقصة وخاطئة أو ضعيفة. وعلى الرغم من بعض التغطية المتميزة لترامب، فإننا في وسائل الإعلام قد منحنا الفرصة لشخص غوغائي وأخفقنا في النهض ببلدنا ، لقد سقطنا في الشرك ولم نقدم الرسالة الإعلامية الواعية.

كاتب عمود بصحيفة نيويورك تايمز