"الإشاعة والإعلام" والقانون المنتظر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
"الإشاعة والإعلام" والقانون المنتظر

أ.د. حسني نصر

من بين كل التوصيات المهمة التي خرج بها مؤتمر "الإشاعة والإعلام" الذي اختتم أعماله الأسبوع الفائت في مسقط، توقفت طويلا أمام توصية تكررت تقريبا في كل المؤتمرات الإعلامية في السلطنة على مدار السنوات الخمسة الأخيرة، وهي التوصية الخاصة بسرعة إنجاز قانون الإعلام الشامل، الذي يتناسب مع العصر الذي نعيشه من جانب، ويفض الاشتباك القائم، ويجمع النصوص المشتتة في أكثر من قانون حول الإعلام من جانب أخر.

وإذا كان من الواجب أن نشيد بالمؤتمر وبتجاوب المؤسسات الرسمية التي حرصت على المشاركة فيه، وعلى رأسها وزارة الخدمة المدنية التي رعي وزيرها معالي الشيخ خالد بن عمر المرهون المؤتمر، ومجلسي الشورى والدولة اللذين مثلا بمستوى رفيع عبر المكرم الدكتور أحمد المشيخي رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الدولة، وسعادة حمودة الحرسوسي رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى، والمكرَّم حاتم الطائي عضو مجلس الدولة رئيس تحرير جريدة الرُّؤية، فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الغياب المفاجئ للمؤسسة الأولي المعنية بالإعلام في السلطنة والمسؤولة عن إنجاز هذا القانون الذي طال انتظاره، وهي وزارة الإعلام، والتي خلي المؤتمر من تمثيل لها أو ورقة عمل تقدم باسمها وتوضح فيها موقفها من مختلف القضايا المتصلة بالإشاعة والإعلام. ففي حين شارك عدد من إدارات الإعلام والعلاقات العامة في الوزارات، مثل وزارة التعليم العالي ووزارة الشؤون الرياضية، والهيئات الحكومية مثل هيئة تقنية المعلومات، والمؤسسات الإعلامية مثل صحيفة الشبيبة، بأوراق عمل ألقت الضوء على قضايا إعلامية كثيرة ورصدت جهود هذه المؤسسات في مواجهة الشائعات، كان من المهم الاستماع إلى رؤية وزارة الإعلام حول مختلف القضايا خاصة ما يتعلق منها بقانون الإعلام وواقع الاتصال الحكومي. والأهم من ذلك أن التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر تبدو كما لو كانت موجهة في الأساس إلى وزارة الإعلام التي يقع على عاتقها تنسيق الجهود الإعلامية الحكومية في إطار سعيها لتحقيق اتصال حكومي فعال.
ويحسب للوزارة جهودها التي لا تنكر في تأهيل وتدريب العاملين في إدارات الإعلام الحكومية بالوزارات والمؤسسات المختلفة، وحرصها الشديد على توفير كل الإمكانات التي تساعد على إنتاج رسائل إعلامية حكومية متناغمة تحقق متطلبات التنمية وتثرى المنظومة الإعلامية. كما يحسب للوزارة جهودها المتواصلة على صعيد إعادة النظر في قانون المطبوعات والنشر الصادر في العام 1984 وعزمها إصدار قانون جامع للإعلام بعد أن أصبح القانون الحالي خارج إطار المرحلة، وهو ما عبر عنه المكرم حاتم الطائي بقوله أمام المؤتمر أن القانون الحالي يشبه سيارة صنعت في ثمانينات القرن الفائت وما زالت تسير في شوارعنا حتى الآن. في ضوء كل ذلك، وفي ضوء ما ذكره رئيسي لجنتي الإعلام بمجلسي الشورى والدولة عن انتهاء المجلسين من إعداد الملامح الرئيسية لقانون الإعلام الجديد ورفعه إلى الجهات المختصة منذ فترة، كان من المهم أن يستمع الذين حضروا المؤتمر إلى رؤية وزارة الإعلام حول القانون، ومتى يرى النور.

حقيقة الأمر أن وزارة الإعلام لم تتأخر يوما عن المشاركة في المؤتمرات التي تناقش قضايا إعلامية، بل أنها كثيرا ما دعمت ورعت العديد من المؤتمرات والندوات، ويذكر لوزيرها معالي الدكتور عبد المنعم الحسني حرصه الشديد على التواجد بشخصه في الملتقيات الإعلامية والفكرية والثقافية المختلفة، ولذلك يبدو غياب وزارة الإعلام عن مؤتمر يناقش قضية مهمة مثل قضية الإشاعة والإعلام غريبا.

لقد خرج المؤتمر بجملة من التوصيات من شأنها إذا تم تنفيذها أن تساعد المجتمع في مواجهة الشائعات والحد من انتشارها. وعلى سبيل المثال فقد أوصي المؤتمر الجهات الحكومية والخاصة بالتفاعل الإيجابي مع كل ما يثار في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي من معلومات وآراء، بما في ذلك الرد على الشائعات وتفنيدها ودحضها. والواقع أن هذا التفاعل قائم بالفعل في بعض المؤسسات العامة والخاصة. وقد قدم ممثلو هذه المؤسسات نماذج جيدة للتعامل الفوري والموضوعي والرصين مع ما يثار على شبكات التواصل من قضايا تتصل بمؤسساتهم. ومن حسن الحظ أن عددا كبيرا من مؤسسات الدولة أصبح لها حسابات وصفحات على كل الشبكات الاجتماعية المؤثرة، وأصبح لديها موظفون متخصصون في متابعة هذه الحسابات والصفحات والرد السريع على ما يطرح فيها. وتبقي المفارقة فقط في التفاوت الواضح بين المؤسسات في القيام بهذا العمل، ففي حين يحرص بعضها على التواجد الفعال على كل المنصات الشبكية، فإن البعض الأخر ما زال يتجاهل الأمر وينظر إليه باعتباره رفاهية لا حاجة لها.

ويرتبط بما سبق التوصية المهمة التي تدعو إلى "زيادة تدفق البيانات والمعلومات من أجهزة الدولة بشكل متسارع يتوافق مع التطور التقني الذي يقود وسائل الإعلام الرقمية". والواقع أن هذا التدفق أصبح لا غني عنه باعتباره الوسيلة الأنجح للحد من الإشاعات عبر توفير المعلومات الصحيحة، ليس فقط للصحفيين ورجال الإعلام ولكن لجميع أفراد المجتمع. ولعل هذا ما دفع المناقشات داخل المؤتمر إلى الحديث عن الحاجة إلى صدور قانون حرية المعلومات ليكمل المنظومة القانونية التي يعمل في ظلها الإعلام العماني. ومن شان هذا القانون في حالة صدوره أن يقضي تماما على شكوى الصحفيين من تأخر الجهات الحكومية في الرد على أسئلتهم واستفساراتهم، وتزويدهم بالمعلومات التي تمثل سلاحا فعالا في محاربة الإشاعات ووأدها في المهد قبل أن تتضخم وتنتشر في المجتمع.

يبقي أن أُذكر بما طرح أمام المؤتمر من دعوات لدعم المبادرات المجتمعية التي يمكن أن تقوم بها منظمات المجتمع المدني وفرق المتطوعين لمواجهة الإشاعات في المجتمع العُماني عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، عملا بمبدأ "وداوها بالتي كانت هي الداء". هذه المبادرات التي بدأت في الظهور مؤخرا مستفيدة من نجاح مثيلاتها في دول عربية أخرى، تحتاج إلى الدعم والرعاية غير المباشرة، وهو الأمر الذي نضعه أمام وزارة الإعلام.

أكاديمي في جامعة السلطان قابوس