عدن – إبراهيم مجاهد
أدى عام من النزاع المكثف إلى وجود أحد أكبر حالات الطوارئ والمخاطر الإنسانية في العالم التي تدفع ملايين اليمنيين نحو المجاعة، وذلك بحسب تقرير صادر عن منظمة أوكسفام تناول أوضاع اليمن الإنسانية.
ويشير التقرير إلى أنه خلال الـ12 شهراً الفائتة، قصفت الأسواق، ودمرت محطات المياه والأعمال التجارية، وتوقفت معظم الخدمات الأساسية، حيث تم إغلاق ما يقرب من 600 من مرافق الصحة نتيجة لتعرضها لأضرار مباشرة، أو لنقص في الإمدادات الأساسية أو نقص في الموظفين.
حافة الجوع
أدت الأزمة الغذائية المنسية في البلد- بحسب أوكسفام- إلى دفع ما يقرب من ربع السكان إلى حافة المجاعة، الأمر الذي ينذر بحدوث مجاعة حقيقة خلال الأشهر المقبلة. وأجبر النزاع القائم ما يقرب من 2.4 مليون شخص على الفرار من ديارهم ووظائفهم التي تم تدميرها، ما أسفر عن أزمة مالية وديون ثقيلة وضعت السكان تحت خط الفقر.
وتسببت الحرب بتدمير الطرق التجارية والمزارع، والحصار الفعلي على الواردات التجارية، وانخفاض معدلات الإنتاج الزراعي، فضلا عن استمرار أزمة الوقود، كلها عوامل أدت إلى شح كبير في الإمدادات الغذائية في الأسواق وإلى ارتفاع باهظ في أسعار السلع الغذائية الأساسية.
"والآن، تهدد الأزمة المالية التي تلوح في الأفق بمفاقمة إحدى أكبر الأزمات الإنسانية القائمة في العالم. ففي فبراير، توقف البنك المركزي في اليمن عن ضمان أسعار الصرف المواتية لواردات سلعة السكر، وتفيد المؤشرات في الآونة الأخيرة على حدوث ذات الشيء لسلعتي الأرز والقمح"، يضيف التقرير.
وقد أعرب بعض من رجال الأعمال لمنظمة أوكسفام عن قلقهم العميق جراء الوضع المتدهور في اليمن. وقال أحد مستوردي القمح الرئيسيين أنه قد يوقف توريد شحنات الحبوب في مارس وأبريل بسبب عدم ثقته بالقطاع المصرفي.
الحاجة لمساعدات عاجلة
تقول أوكسفام أن الأسلحة تؤجج النزاع في اليمن تدريجيًّا، وتجعل الحياة أسوأ بالنسبة إلى 21.2 مليون نسمة- أو 82 % من السكان- الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
ومع ذلك، فإن نداء الأمم المتحدة الإنساني من أجل اليمن، الذي طلب 1.8 بليون دولار لتغطية احتياجات 13.6 مليون نسمة في عام 2016 ، لم يصل منه سوى 12 % فقط. وتضيف:" إن هذا المزيج الكارثي لا يلقى اهتماما إقليما ودوليا كافيا، حيث أن هناك الملايين من اليمنيين لا يمكنهم تحمل تكلفة المواد الغذائية في الأشهر المقبلة".
الجوع يطارد النازحين
وتقول أوكسفام إنها أجرت في فبراير 2016، مسحا ميدانيا شمل أكثر من 250 شخصا في 31 منطقة بمحافظة حجة في شمال غرب اليمن. حيث وجدت أن 60 % من الآسر اضطرت إلى الاقتراض المالي أو البحث عن الغذاء.
وقال بعض السكان النازحين بسبب النزاع أنهم يخشون من الجوع والمجاعة والتي قد تطولهم وعائلاتهم، إذا استمر النزاع القائم. وعبر كثيرون عن قلقهم بأن مدخراتهم أخذت بالنفاذ وأن ارتفاع أسعار السلع الغذائية تعني أنهم لن يتمكنوا من توفير الأساسيات اللازمة من الغذاء لتلبية احتياجاتهم. والجدير ذكره بأن من شملهم المسح الميداني ينفقون أكثر مما يقدرون على كسبه شهريًّا.
كما عبرت النساء النازحات في المناطق الحضرية- مثل مديرية عبس- إن متوسط مصروفاتهن الشهرية يبلغ 2014 دولاراً في مقابل متوسط الدخل الذي يبلغ 118 دولاراً.
ما يعني ارتفاع تكلفة المعيشة إجبار المزيد من الفتيات على الزواج المبكر كوسيلة لتقليل النفقات؛ ومع ازدياد الفقر، يزداد تعرض النساء والفتيات إلى العنف، وسوء المعاملة، والاستغلال.
حتى قبل تصاعد النزاع، كان في اليمن 10 مليون جائع، فضلا عن تصنيفها كأحد أعلى معدلات سوء التغذية في العالم، حيث يعاني نصف الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية المزمن.
مستويات مثيرة للقلق
وقد خلص مسح أجرته حكومة اليمن والأمم المتحدة حول مستويات التغذية، خلال الفترة الواقعة بين أغسطس وأكتوبر 2015 إلى أن سوء التغذية بلغ مستويات عالية مثيرة للقلق.
ففي الحديدة، على سبيل المثال، يعاني 31 % من السكان من سوء التغذية فعليًّا مقارنة بنسبة 18.3% في عام 2014. وفي يونيو 2015 ، كانت 10 محافظات من أصل 22 محافظة في اليمن صنفت بأنها "تبعد بخطوة واحدة" عن المجاعة، وتحتاج إلى مساعدة فورية لإنقاذ الأرواح.
وهناك تسع محافظات أخرى تواجه أيضاً أزمة أمن غذائي حقيقية؛ فالأسر اليمنية هناك تعاني من صعوبة العثور على ما يكفي من الطعام، حيث المستويات المرتفعة من سوء التغذية الحاد، والناس مجبرون على بيع الممتلكات الضرورية لشراء الغذاء. وإذا استمر النزاع، سيواجه هؤلاء الناس خطر زيادة الانزلاق نحو المجاعة.
قال 21 % من الآسر التي شملها المسح- الذي أجرته منظمة أوكسفام حول الغذاء- أنهم يعتمدون على الائتمان أو القروض لشراء المواد الغذائية، في حين قال ما يقرب من نصف الأشخاص الذين شملهم المسح بأنهم يعتمدون على الجيران وأفراد المجتمع المحلي لتكملة إمداداتهم الغذائية.
ونظراً لأن عدداً قليلاً من المقترضين يقدرون على تسديد القروض في الوقت المحدد، يتزايد عدد استعداد المقرضين الرسميين في تقديم الائتمان إلى الأسر الفقيرة.
ويهدد انخفاض القروض للأسر وشح تدفق السلع إلى بعض أكثر المناطق التي تعاني من انعدام الآمن الغذائي، حيث وصلت مستويات القوة الشرائية إلى الحضيض.
وقال جميع المجيبين الذين شملهم المسح بأنهم سيواصلون الحد من الوجبات وتواترها، حيث نفاذ مخزون الذرة هذا الشهر.
العيش بوجبة واحدة
كما وأخبر سكان مدينة تعز، التي تقع في خط النزاع الأمامي، منظمة أوكسفام في فبراير أن الخضروات أو حليب الرضع المجفف لم تعد متاحة في السوق، كما وأفادوا بأن أسعار المواد الغذائية زادت بنسبة 200% في بعض المناطق.
وقال كثيرون أنهم يأكلون وجبة واحدة فقط في اليوم، لترك ما يكفي من الغذاء لأطفالهم. وقال البعض أنهم ظلوا دون طعام لمدة 12 ساعة في فترات النزاع المكثف. نظراً لأن أكثر من 2.4 مليون نسمة قد أجبروا على ترك منازلهم، حيث يعيش كثيرون مع الأصدقاء والأقارب والغرباء، مما يضع ضغطا إضافياً على الموارد الغذائية الشحيحة أصلا.
أزمة مالية..
أزمة مالية تلوح في الأفق، قد تسفر عن خفض الواردات وزيادة في الأسعار.. وقد تجبر الأزمة المزيد من المحلات التجارية على الإغلاق، ولن تؤدي الأزمة المصرفية إلا إلى زيادة شدة عدم استقرار أصحاب الأعمال التجارية..
بهذه العبارة لخصت منظمة أوكسفام ما ينتظر قادم اليمن المالي من مصير محتم، إذا استمر الصراع قائما لأشهر قادمة دون عمل شيء وطارئ للوضع الإنساني.
أوكسفام في أحدث تقرير لها قالت بأن هناك تقارير تفيد بأن البنك المركزي اليمني قد يتوقف قريبا عن توفير خطوط ائتمان للقمح، وهي التي تضمن حصول البائعين على المدفوعات في الوقت المناسب.
وأصبح أصحاب الأعمال التجارية يشعرون بالقلق من أنهم سيفقدون نسبة كبيرة من دخلهم، على نحو يجعل التجارة غير مجدية اقتصاديًّا.
وهذا سيجبَر المستوردون اليمنيون أيضا على شراء العملة الأجنبية من السوق السوداء، وهو ما ينذر بارتفاع أسعار المواد الغذائية على نحو يجعلها بعيدة عن متناول 20.2 مليون نسمة يتجهون بالفعل نحو المجاعة.
تؤكد أوكسفام أن الأزمة المالية تؤثر بالفعل على أكثر الأسر اليمنية فقرا فمنذ أن توقف البنك المركزي اليمني عن ضمان أسعار الصرف المواتية على واردات سلعة السكر، لاحظت منظمة أوكسفام زيادات في أسعار السكر وصلت إلى 38%.
يذكر أن اليمن يعتمد على الاستيراد في حوالي 90% من غذاءه، و يعد وجود نظام مالي ومصرفي وظيفي أمرا حاسما لضمان إمكانية استيراد الغذاء والوقود وإجراء التحويلات المالية- مصدرا أساسيًّا للدخل بالنسبة للعديد من الآسر اليمنية.
ويلفت تقرير أوكسفام إلى أن الأسابيع القادمة قد يرتفع أيضا سعر سلعة القمح بدرجة هائلة إذا انسحب المستوردون من اليمن.. وكان سعر سلعتي الدقيق والقمح وصل أعلى ارتفاع له في يونيو 2015، حيث كان أعلى بنسبة 50% عما كان عليه قبل الأزمة.
وكانت الأسعار أكثر استقرارا بوجه عام في فبراير، لكن بعض المناطق- مثل حجة - شهدت ارتفاعا في أسعار القمح بنسبة 50% مقارنة بأسعاره في شهر يناير.
أزمة الريال اليمني
وقال منصور راجح، أحد الخبراء الاقتصاديين في البنك المركزي اليمني، إن "كل من الريال اليمني والحكومة اليمنية تواجه أزمة وشيكة حاسمة تتعلق باستمراريتها"..
ويوضح راجح أن البنك المركزي اليمني قد حافظ على قيمة الريال وأبقى على انخفاض السعر الأساسي للواردات الغذائية، من أجل "الحد من المعاناة، واحتمالات المجاعة بين السكان".. حسب تقرير أوكسفام.
ويضيف التقرير بيد أن راجح يحذر من أن "البنك المركزي اليمني سوف يستنفذ، عبر المسارات الحالية، موجوداته من العملات الأجنبية على المدى القريب، ويفقد وسيلته الأساسية للحفاظ على العملة المحلية. فإن هذا سيسفر عن أثار كارثية على قيمة الريال، والمالية العامة، واقتصاد البلد بوجه عام، فضلا عن الرفاه المادي للغالبية العظمى من اليمنيين".
في ظل هكذا واقع مفزع وتداول أحاديث حول وجود بضائع قادمة تقول أوكسفام بأن تلك البضائع تتعرض للتأخير كثيرا ولا يرجع التأخير والتعطيل في الموانئ إلى القتال الفعلي فحسب، فقد أثر الحصار الفعلي الذي استمر عاما كاملا تأثيرا ضخما وطويل المدى على الاقتصاد والوضع الإنساني.
كما ذكر التقرير قال أحد مستوردي القمح الرئيسيين إن شحنات يناير ظلت محتجزة في البحر أكثر من شهر، بتكلفة 15 ألف دولار في اليوم. وعلى سبيل المثال، خلقت القيود المفروضة على الواردات نقصا شديدا في بذور الخضروات؛ ومع اقتراب موسم الزراعة وانخفاض المخزون، كان يمكن أن يؤثر الافتقار إلى الإمدادات الزراعية تأثيرا مدمرا على الإنتاج الغذائي في السنة المقبلة.
*-*
توصيات أوكسفام: العمل كوسطاء سلام لا كسماسرة سلاح
أوردت منظمة أوكسفام في تقريرها عدد من التوصيات أكدت خلالها أنه يجب أن تتفق جميع أطراف النزاع على وقف إطلاق النار فورا، وأن تستأنف محادثات السلام على وجه السرعة، مع ضمان مشاركة جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك النساء.
وقالت إنه يجب أن تتوقف الحكومات، مثل حكومتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة، عن تأجيج النزاع بتوريد أسلحة إلى أطراف المتنازعة؛ حيث عليهم إلغاء صفقات مبيعات الآسلحة المعلقة، التي من المحتمل أن تستخدم في الصراع في اليمن، والعمل كوسطاء للسلام وليس كسماسرة سلاح.
ودعت الحكومات الدولية إلى تكثيف جهودها وتمول كامل عمليات الاغاثة الإنسانية، بحيث يتمكن ملايين الرجال والنساء من الوصول إلى الغذاء، والماء، والحماية.
وشددت على أنه يجب أن تبقى جميع الطرق البرية والبحرية والجوية إلى اليمن مفتوحة، بغية السماح لتدفق منتظم وثابت للإمدادات التجارية، من المواد الغذائية والوقود والآدوية، إلى البلاد وعلى المستويات الضرورية من أجل التعافي الاقتصادي وتلبية احتياجات السكان. كما أكدت على أنه يجب أن تفي جميع الآطراف بالتزاماتها القانونية تجاه حماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين في جميع أنحاء اليمن.
وطالبة بتجنب مهاجمة البنى التحتية المدنية بما فيها المستشفيات، والمدارس، والآسواق، والآصول الإنسانية، والبنية التحتية للمياه، والتوقف عن إعاقة وصول الهيئات الإنسانية. مشيرة إلى ضرورة إنشاء آلية رصد دولية مستقلة ذات مصداقية، للتحري عن انتهاكات حقوق الإنسان ومساءلة جميع الآطراف.
وأوصت أوكسفام المجتمع الدولي بتوفير إغاثة ودعم عاجلين للبنك المركزي اليمني، وكذلك للمصارف الخاصة والمستوردين الخاصين في اليمن، بغية درء خطر الانهيار المالي. كما دعت جميع أطراف النزاع، بالاشتراك مع المجتمع الدولي، في دعم النظام المالي اليمني، من أجل تحقيق استقرار أسواق الغذاء.