اقتصاد المعرفة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٣٠ م
اقتصاد المعرفة

علي العبيد

كانت (الأرض- اليد العاملة - رأس المال) قديماً تحسب أنها عوامل الإنتاج أو الاقتصاد إجمالا ولم تكن المعرفة من الأساسيات المتعارف عليها علميا.. أما حديثاً فقد أضيفت المعرفة وبدأ التعامل مع اقتصاد المعرفة بحسبانه عنصراً أساسياً في دفع عجلة الانتاج وترقية الاقتصاد والتنمية المستدامة وهذا المصطلح الجديد يقوم على التمكين العلمي وتوظيف التقنية المعلوماتية وتقنية الاتصالات والابتكار ضمن عوامل الانتاج القديمة (رأس المال/‏ الأرض/‏ اليد العاملة) وبالتالي فإن مخرجات التعليم والتدريب القائمة على تعزيز المعرفة الحديثة والابتكارات والتقنية ومعرفة علوم وهندسة الاتصالات تستهدف تمتين الاقتصاد التنفيذي بأنظمة المعرفة العصرية.

وعلى هذا فإن العالم يشهد نمطاً اقتصادياً مبتكرا، يعتمد على الابتكار والمعرفة والتقنية بوصفها من أهم السلع في دنيا الاقتصاد.. وعليه تحول الاقتصاد التقليدي القائم على المعايير الزراعية والصناعية دون سواها إلى معايير حديثة أساسها المعرفة في شتى مناحي التنمية الشاملة وذلك من خلال توظيف المعرفة بصورة ايجابية لتقديم منتجات وخدمات مميزة وعالية الجودة.. يتأتى تسويقها لتحقيق الانتعاش الاقتصادي وتحويل هذه المعرفة الى ثروة تفوق قيمتها في الكثير من الأحيان قيمة الثروات الطبيعية والدلالة على ذلك أن العديد من الدول التي لا تمتلك ولا تتوافر لديها إمكانات طبيعية أو موارد جغرافية قد تبوأت مراكز الصدارة في اقتصادات الدول بفضل حسن توظيف المعرفة للارتقاء بمتطلبات التنمية المستمرة.. وهناك من المرتكزات المهمة التي دفعت مثل هذه الدول الى مواقع أمامية بين دول العالم المتقدمة اقتصادياً.. وتتمحور هذه المرتكزات حول الابتكار الذي يستند الى البحث والتطوير من خلال نظام فعال يربط مؤسسات التعليم والتدريب بالمؤسسات الصناعية إضافة إلى تعزيز تقنيات الاتصالات الحديثة والتي تسهل تجهيز المعلومات والمعارف ونشرها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية لكل بلد.
إن اقتصاد المعرفة لا يقتصر دوره على توافر البنيات الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والمعارف فحسب، بل يقوم ضمن منظومة متكاملة من العناصر الواجب توافرها والمتمثلة في الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات التقنية العالية والتي يعتمد بناؤها على نشر ثقافة الإبداع وإعمال العقل وليس ثقافة أداء الواجبات بصورة راتبة.
وكما هو معلوم فإن مصير الأمم مرهون بتميز أفراد مجتمعاتها ويتجلى ذلك من خلال قيمة المنتجات المبتكرة والتي تزيد قيمتها المادية على قيمة المواد الخام التي اعتمد عليها في الصناعة الحديثة القائمة على المعرفة مثل أجهزة الاتصالات والهواتف الذكية.

وفي هذا الجانب فإن الدول النامية مطالبة بتشجيع دور البحث العلمي وتأكيد مفهومها العلمي وغرسه ضمن مناهج وبرامج التعليم والتدريب، مما يدفع بالنشء إلى ارتياد آفاق جديدة وعدم الركون إلى زوايا ضيقة من العلوم التقليدية والتي تجاوزتها الدول التي ارتقت بأبنائها إلى مراقي المعرفة الحديثة والعلوم المتجددة في شتى جوانب الحياة المفعمة بالرخاء والثراء الاجتماعي.

وبناء على ما تقدم فإن اقتصاد المعرفة في الأساس أن تكون المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي واقتصاد المعرفة يعتمد على توافر التكنولوجيا وتوظيفها بواسطة القوى العاملة المؤهلة حتى تكتمل الصورة الابداعية، وحيث إن التنمية مدفوعة بعوامل الإنتاج التقليدية فإن الموارد البشرية المؤهلة وذات المهارات العالية أو ما يسمى برأس المال البشري هي أكثر الأصول قيمة في اقتصادات الدول المتحضرة تقنياً وصناعياً وزراعياً، كما أنه من متطلبات اقتصاد المعرفة بذل الجهود الكبيرة في برامج التعليم والتدريب ولوجاً إلى أنواع جديدة ومسارات علمية متقدمة لتكوين وتهيئة العاملين مستقبلاً لارتياد مجالات البحث الحديثة التي تتسم بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لأن الأمية المعلوماتية أصبحت من الظواهر السالبة التي تعوق تقدم الدول كذلك فإن التدريب المستمر لتحصيل المعرفة والإلمام بتطبيقاتها المتنوعة يؤدي الى تأهيل الشباب مهنياً وتقنياً وصقل مهاراتهم الذهنية والتطبيقية الأمر الذي يعينهم على التعامل مع كافة النظم والأدوات والتجهيزات الحديثة في مجالات العمل.

ولا يفوتنا في هذا الجانب أن نشير إلى أهمية توحيد المصطلحات العلمية ونشرها من خلال وسائط المعرفة كافة مع الاهتمام بتكوين قواعد معلومات باللغة العربية في مختلف المجالات وإدراجها على الشبكات الإلكترونية وتعزيز فكرة التراجم العربية من اللغات العالمية إلى اللغة العربية مع الحرص على دعم البحوث العلمية كافة وعلى وجه الخصوص علوم التقنية والتكنولوجيا والتي ما عادت بذخا اجتماعيا بل ضرورة من ضروريات الحياة العصرية وعنوانا مضيئا يعكس بكل صدق الإمكانات والقدرات التي تزخر بها كل بلد متطلع إلى المستقبل الواعد والخيرات الوفيرة.

خبير تدريب