مفاهيم جديدة .. للرعاية العمالية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٢٥ م
مفاهيم جديدة .. للرعاية العمالية

محمد محمود عثمان
الاهتمام بحقوق العمال يأتي انطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء والعهود والاتفاقيات الدولية ووثائق حقوق الإنسان، فقد أعزَّ الإسلام منذ 14 قرناً الخدم والعمَّال ورعاهم وكرَّمهم، واعترف بحقوقهم لأوَّل مرَّة في التاريخ بإقامة العدالة الاجتماعيَّة، وتوفير الحياة الكريمة لهم، وسبق بذلك الحضارة الغربية الحديثة، بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرقُّ والتبعيَّة، وفي البعض الآخر معناه المذلَّة والهوان، فقد دعا رسول الله أصحاب الأعمال إلى معاملة العمال معاملة إنسانيَّة كريمة، وإلى الشفقة عليهم، والبرِّ بهم، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، فقال رسول الله: «... إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، ليرتفع بدرجة العامل والخادم إلى درجة الأخ، ولتصبح هذه ضوابطَ عامَة توفِّر الحياة الكريمة لبني الإنسان عمومًا على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، وتأكيدا على ضَمانَ الحَيَاةِ الكَرِيمَةِ لِلْعَامِلِ عند مرضه أو عجزه أو فقده للعمل قسراً أو تعسفاً، ومن هنا تأتي المفاهيم الإسلامية السامية للرعاية العمالية التي بدأت تأخذ بها الأنظمة الغربية التي تكفل للعامل كل ذلك بلا مشقة أو عناء حتى يدبر أمره ولا يتحول إلى عالة على أسرته أو مجتمعه، خاصة مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الاقتصاديات العربية في السنوات الأخيرة، وتأثرها بانخفاض أسعار النفط، والتي تتسبب في تسريح أعداد كبيرة من الأيدي العاملة الوطنية أو الوافدة، وإن كانت الدول العربية قد بدأت بإنشاء منظمة العمل العربية لتحقيق التقارب والتوافق بين قوانين العمل المحلية وقوانين واتفاقيات منظمة العمل الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، لتحقيق بيئة عمل مناسبة تساعد على زيادة الإنتاج وإنتاجية العامل، وتحقق الانسجام والترابط بين أطراف الإنتاج، إلا أن الواقع قد لا يتطابق مع ذلك، حيث لم تتوافق التشريعات المحلية مع ذلك، وإن استطاعت بعض الدول العربية ومنها السلطنة تعديل الكثير من بنود قوانين العمل لديها لتتطابق مع المعايير الدولية، ولكننا في انتظار المزيد، حيث يوجد ضمن هيكل وزارة القوى العاملة العُمانية مديرية عامة للرعاية العمالية لمتابعة حقوق العمال وحل مشكلاتهم مع جهة العمل الناتجة عن عدم الالتزام بتطبيق قانون العمل أو مخالفته، وقد تابعت مؤخراً عن قرب مدير عام هذه المديرية وتقتضي الأمانة القول بأنه دؤوب ومثابر ونشيط وكثيراً ما أجده يعقد اجتماعاته مع مرؤوسيه في مكاتبهم لسرعة معالجة المشاكل اليومية لسوق العمل من أصحاب العمل والعمال، إلا أن تعدد الاختصاصات المناط بها المديرية العامة للرعاية العمالية قد تفرغ مفهوم الرعاية العمالية من مضمونه، وتفقدها القيمة الإنسانية التي تسعى إلى تحقيقها من خلال عمليات الرعاية، حيث تشارك مع الشرطة في أعمال من اختصاص الشرطة، إذ أن الرعاية العمالية لا يمكن أن ينخرط تحت مهامها ضبط وترحيل العمال المخالفين لقانون العمل، كما أن ذلك قد يكون عبئا عليها، يتسبب في عرقلة عملها الأساسي في تحقيق الرعاية العمالية المطلوبة، وإذا كان ضرورياً مشاركة وزارة القوي العاملة في ترحيل المخالفين للقانون فيمكن من خلال دائرة أخرى، حتى تتفرغ المديرة العامة للرعاية العمالية لأداء مهمتها وفق معايير وضوابط جديدة ومتطورة تقدم رعاية حقيقة للعمال، وقد يكون من المناسب في المستقبل إنشاء وزارة مستقلة للرعاية العمالية، لأن مفهوم الرعاية العمالية في معظم بلادنا العربية غير شفاف، إذ أن مفهوم الرعاية العمالية لا يقتصر على من انخرطوا في سوق العمل فقط، لأن الرعاية العمالية يمكن أن يكون لها دور فعال في مجال الحد من الباحثين عن عمل بين الشباب المتعلم وحديث التخرج، والقوى العاملة المتوقع دخولها إلى سوق العمل، من خلال الإشراف على ضمان تزويدهم بالمهارات التكنولوجية والتقنية في الحرف والمهن المختلفة التي يحتاجها المجتمع في السنوات المقبلة؛ لرفع نوعية وكمية الإنتاج وبما يمكنهم من الانخراط في العمل بسهولة، بعد زيادة قدرتهم على منافسة الأيدي العاملة الوافدة الرخيصة والمدربة والصمود أمامها، بالإضافة إلى توفير التغطية التأمينية للعمالة غير المنظمة التي تعمل في بعض الصناعات وفي القطاع الزراعي والسمكي والحرف اليدوية، وأيضاً تقديم الرعاية العمالية للعامل المفصول من العمل والذي يلجأ للقضاء وتوفير سبل العيش الكريم له ولأسرته حتى يتم الفصل النهائي في منازعته، أو حتى تساعده في الحصول على فرصة عمل أخرى، وأيضاً إعادة التأهيل الفعال للعاملين المفصولين أو المستعبدين من العمل بسبب المرض أو العجز، أو لأسباب خارجة عن إرادته، حيث إن الرعاية العمالية في الدول الأوروبية تضمن للعمال وأسرهم الحد الأدنى للنفقات، وبذلك تحمي المجتمع من الآثار السلبية ومن الجرائم التي قد تتفاقم إذا استمر العامل بدون دخل يفي بمتطلباته الأسرية، وقد يدفعهم ذلك لتجارة المخدرات أو لارتكاب جرائم سرقة أو مخلة بالآداب.