عدنان لفته
النازفون على أرض الرافدين يبحثون عن علاجاتهم بدواء كرة القدم، ليس طبا شعبيا ولا عقاقير فائقة التطور بل هي (لمسات) و(بسمات) يرسمها لاعبو المنتخب العراقي على وجوه شعب اعتاد التموضع بين ثنايا الأحزان والدماء والحروب.
أسود العراق يسجلون الأهداف ولا يحتفلون بها في خليجي (24)..أي قوم هم؟: يعيشون الألم ويلعقون الجراح التي يتجرعها شعبهم المنتفض في ميدان التظاهرات الغاضبة التي تجتاح مدن العراق مطالبة بالاصلاح ومحاربة الفاسدين.
العراقيون يحصدون الانتصار تلو الانتصار، على قطر زعيمة آسيا ومستضيفة العرس الخليجي، والامارات صاحبة الكرة الأنيقة في عديد المناسبات، وقبلها يلقنون أيران المصنفة الأولى آسيويا في سلم الترتيب الدولي للمنتخبات درسا بليغا في أوراق تصفيات مونديال 2022، يبتكرون طرقا جديدة للاحتفال: محورهم الشاب صفاء هادي يرتدي(كمامة طبية) تعبيرا عن تضامنه مع المتظاهرين، محمد قاسم الشاب الواعد يركض مهرولا نحو زملائه ليس احتفالا بل دموعا وبكاء على ارواح شباب بعمره لقوا حتفهم برصاص المتصدين للتظاهرات، الهدافان علاء عباس وعلاء عبد الزهرة يضعان أيديهما على العيون ويرفعان أكف الدعاء الى السماء ترحما على أرواح الشهداء.
أي منتخب جديد يولد على أرض المعاناة، اي لاعب عراقي يستمد قواه من شباب(التك تك) الدراجة المحورة الى عربة لنقل الجرحى) في سوح التظاهرات، أي روح تهيمن على أجساد نسور الرافدين وهم يرددون: كيف نرد الدين لشباب التظاهرات؟ كيف نكون سببا في سعادتهم وابتهاجهم؟ كيف نكون عنصرا من عناصر قوتهم؟ ليس أمامنا إلا الفوز ورفع معنويات الشباب من مستطيل الكرة الساحر.
المتابعون في الدوحة وكل دول الخليج يدركون (سر) قوة أبناء الرافدين الذين يملكون روحا لا تخمد نيرانها (توهجا) و(اندفاعا) و(تفانيا) من أجل فرح كاستراحة المحاربين، تعيشه القلوب المتعبة المنهكة من ظلامات الأزمات الخانقة ومسلسل الخيبات في سطور حياتهم.
هل تشاهدون كيف يحتفلون بعد انتصاراتهم؟، يطوفون في شوارع النسيان، يرقصون قرب مواقع التصادم والدماء، يؤكدون ان الاهداف المسجلة في خليجي 24 (وقود) لماكنة ثورتهم المتأججة في النفوس، اللاعبون والمدرب كاتانيتش يرفدونهم بالعنفوان ويزيد من حجم صمودهم وسقف طموحاتهم، انه فريق جديد يحلم به العراقيون نظيرا لفريقهم الذهبي المتوج بلقب كأس آسيا 2007 أو ذلك الذي قادهم الى تخوم المونديال المكسيكي 1986 أو منتخب الاحلام الفائز بالمركز الرابع في اولمبياد أثينا عام 2004.
مازالوا يتفانون، يلعبون، كرة القدم لديهم ليست مجرد لعبة، هي حياة تشرق شمسها على وجوه الصابرين، هي أمل ينبض بالقوة ليحيي النفوس العامرة بالامل رغم الصعاب، ليست مجرد مباريات، ليست مجرد تمريرات وفانيلات وأقدام ورؤوس تتنافس على الملاعب الخضراء، هي رسالة وكلمات عميقة المعاني تؤكد ان هذا الشعب يرفض الموت، يرفض اليأس مهما ارتفعت مناسيب المشاكل والتحديات.
كرة القدم لدى العراقيين صارت (عيدا) و(احتفالا) و(عشقا) يصنعون من أفراحه طوق نجاتهم الى مستقبل جميل يبحثون عنه منذ عشرات السنين.