الجمعة البيضاء

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/ديسمبر/٢٠١٩ ٠٩:٥٤ ص
الجمعة البيضاء

علي المطاعني

وصلتني رسالة قصيرة تعلن عن تخفيضات في محل لبيع الأحذية والحقائب بأحد المجمعات التجارية بمسقط، الغريب في الأمر أن بداية الإعلان يفيدنا بأنها ستبدأ يوم «الجمعة البيضاء»، في الواقع دهشت وسألت نفسي يا ترى ماهي هذه الجمعة البيضاء، فما نعرفه أن الجمعة لا ألوان لها، فمتى يا ترى فعلوا بها ذلك؟!، وإن كانت هناك بيضاء فبالقطع هناك صفراء وحمراء وخضراء .. إلخ .

المعلومة دفعتني لتقصي الأمر؛ فاستنجدت بموسوعة ويكيبيديا، فأخبرتني أن مصطلح الجمعة البيضاء جاء على غرار تسمية الجمعة السوداء بالإنجليزية Black Friday))، وهو اليوم الذي يأتي مباشرة بعد عيد الشكر في الولايات المتحدة وعادة ما يكون في نهاية شهر نوفمبر من كل عام، ويعتبر هذا اليوم بداية موسم شراء هدايا عيد الميلاد، قلت لنفسي لماذا هذه التسميات التي ربما تتناسب مع المجتمعات الأميركية والغربية عموما، ولكن لماذا نستوردها نحن، وما علاقتنا بها أصلا إذ ليست لدينا معضلة في تحديد أيام الأسبوع .
بلاشك أن الرسالة أيا كانت نوعيتها، سواء تبث عبر الرسائل القصيرة أو الواتساب أو أي من حسابات التواصل الاجتماعي أو غيرها يجب أن تنسجم مع قيم المجتمع وثقافته، وتتواكب مع الفلسفة الإعلامية القائمة، وإذا كان الإعلان قد أبلغنا بوجود تخفيضات هائلة في يوم الجمعة البيضاء فإن جموعا غفيرة من الناس هرعت وقبل وقت كاف من افتتاح المحل لتحصل على ما ترغب فيه بالسعر المخفض والمغري، وكلهم جاءوا وهم يشيدون بالجمعة البيضاء التي قدمت لهم هذه العطايا الرائعة، هنا ـ وبطريقة غير مباشرة ـ فإن مصطلح الجمعة البيضاء قد ترسخ في الأذهان باعتباره يوما مميزا، وهنا أيضا تكمن الخطورة .

مع احترامنا لثقافات الآخرين إلا إنه لا يوجد أي مبرر لنقتدي بهم، فهم ليسوا مثلنا الأعلى ولا يتعين علينا غرس هذه المصطلحات ـ التي ربما لم يفطن إليها البعض ـ فنقوم بتسويقها ربما بحسن نيه أيضا فتترسخ في أذهان أجيالنا الناشئة نتيجة لعدم الاكتراث الذي تعاملنا به مع الحدث .

في الواقع إن بعض القوى العاملة الوافدة التي تدير هذه المحلات وتقوم بصياغة هذه الإعلانات إنما تنطلق من ثقافاتها في بلدانها ولم تلحظ أنها في بلد له تسمياته ومسلماته ومعتقداته، هنا يتعين أن يبرز دور الجهات المختصة في تقليم أظافر هذه الحالات ووضعها في نصابها الصحيح .

نأمل من الجهات المختصة أن تتابع وتدقق هذه الرسائل وتضبط إيقاع إرسالها من خلال سن الضوابط والتشريعات التي تلزم الجهات الراغبة في نشر إعلانات تجارية لها، ضرورة إحضارها بوقت كاف للجهة المختصة لمراجعتها وإبداء الملاحظات حولها ومن ثم إجازتها للنشر، فهذه الإعلانات أشبه تماما بإعلانات الأدوية التي يتطلب أن تجاز من قبل وزارة الصحة قبل أن تبث لخطورة بعضها على صحة الناس، وقياسا على ذلك فإن هذه الإعلانات التجارية لها خطورتها على معتقدات ومسلمات المواطنين وهذا خط أحمر باتفاق الجميع.