حوكمة الحكومة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/نوفمبر/٢٠١٩ ١١:٢٤ ص
حوكمة الحكومة

علي المطاعني

في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة في الشروع في «رؤية عُمان 2040» وما تحمله من آمال كبيرة في إحداث نقلة نوعية في المجتمع العُماني وكل قطاعات الدولة لتكون أكثر رشاقة وديناميكية تتواكب مع التطورات المستجدة والمتغيرات المتسارعة التي تعصف بالمجتمعات، معززة بالتكنولوجيا، إلا أن ذلك لا يتم بدون «حوكمة الحكومة» لتكون وزاراتها وهيئاتها أكثر قابلية وقدرة على التكيف مع التطورات الإيجابية والسلبية من خلال بلورة أطر وتشريعات وإجراءات تنفيذية تعيد هندسة العمل في أجهزة الدولة لتكون أكثر إحكاما، الأمر الذي يبعث على الارتياح بأن هناك خطوات عملية في هذا الشأن تتمثل في تنظيم مؤتمر الحوكمة في القطاع العام طريقا للمستقبل باعتباره يمثل إحدى الأدوات السليمة للارتقاء بالعمل الحكومي والأساس الذي يعتمد عليه في الفصل بين السلطات والحد من التدخلات التي تشوه العمل في أجهزة الدولة.

بلاشك أن الحوكمة في السلطنة ماضية في نشر أشرعتها وترسيخها كثقافة فى أجهزة الدولة على اختلافها؛ إيمانا بأنها الطريق للمستقبل، فلا يمكن أن تتطور أجهزة الدولة ما لم يفض التداخل بينها، وبينها وبين إداراتها على اختلاف مسؤولياتها ومعرفة الحقوق والواجبات التي لا تتجاوز الأطر والتشريعات التي تحكم وتبلور العمل في أجهزة الدولة بدون أي إخلال أو تعطيل في مسار العمل أو النأي به عن أهدافه المرسومة كخدمات عامة ينهل منها الجميع بالتساوي وعلى أسس من العدالة الراسخة التي تفضي لتحقيق المساواة التي رسخها النظام الأساسي للدولة، وتنظيم أحداث وطنية وعالمية يشارك فيها المسؤولون والخبراء من داخل السلطنة وخارجها وتعرض فيها التجارب والدراسات والبحوث التي تلقي الضوء على كيفية حوكمة القطاع العام ومساراته للوصول إلى الغايات التي يطمح إليها الجميع، ذاك شأن تمليه الضرورة في المرحلة الراهنة باعتباره يمثل البنية الأساسية لترسيخ وانطلاق الحكومة بعد تلبية متطلباتها على كل الأصعدة والمستويات، ولتهيئة كل العاملين في أجهزة الدولة والمتعاملين معها على هذا الأساس القويم في إدارة العمل في الحكومات وتعزيزها بمبادئ الحوكمة وآلياتها الهادفة إلى التساوي في الحقوق والواجبات كغاية وهدف .

إن مسارات الحوكمة في الشركات المساهمة العامة والحكومية بدأت قبل سنوات من خلال إدارتها من مركز عُمان للحوكمة والاستدامة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (30/‏2015) والخاص بتعزيز الحوكمة في الشركات الحكومية والمساهمة كأحد المسلمات لإدارة العمل في هذه الشركات وحماية أموالها وأصولها عبر الحد من تداخل مجالس الإدارات وإداراتها التنفيذية ووضع الأسس التي تعمل عليها بعيدا عن تضارب المصالح وتداخل الاختصاصات واتخذت خطوات عملية كثيرة أسهمت في بلورة ثقافة الفصل في إدارة العمل بالشركات المساهمة وحمت المساهمين وحملة الأسهم من ضياع أموالهم، وعكس ذلك وعيا في مجتمعات الأعمال بماهية الحوكمة وسبل تنفيذها وطمأنت المجتمع على سلامة العمل في الشركات وصحة منهجياته.

فالانتقال بهذه التجربة إلى القطاع العام لابد أن تسبقه تهيئة لهذا المسار الصحيح في إدارة العمل في القطاع الحكومي في المرحلة القادمة على أسس صحيحة تأخذ في الاعتبار كل الجوانب التي تسهم في تسلسل العمل وفض التنازع في الصلاحيات وتحديد المسؤوليات ووضع حدود للتدخلات بعيدا عن الشخصنة تارة والوصاية تارة أخرى بآليات محكمة تسهم في وضع كل المبادئ الهادفة إلى إدارة العمل بأسس صحيحة.

إن التطورات التكنولوجية التي تفرز كل جديد تدفع الحوكمة للقطاعات العامة والخاصة للأمام وتوفر لها الأرضية الصلبة لبدء عملها من خلال أنظمة لا تستجيب للتدخلات البشرية في إدارة العمل في أجهزة الدولة وتوفير الخدمات ولا تسمح بالتجاوزات أن تنخر في جسد الوحدات الحكومية على نحو يفقد الثقة في هذه أو تلك الجهات .

ولعل إدخال الحوكمة للقطاع العام سوف يتكامل مع هذا النهج التقني الذي يسهم في اختزال الوقت والجهد وتقديم الخدمات آليا، فضلا عن أن ترسيخ مبادئ الحوكمة من شأنه أن يرسم المسار الصحيح لهذه أو تلك التعاملات.
بالطبع الجهود المبذولة لتنظيم الفعاليات والمؤتمرات لترسيخ الحوكمة لا يمكن أن تثمر بين ليلة وضحاها إلا من خلال استدامتها وطرق كل مسارات الحوكمة في أجهزة الدولة وبما يتواكب مع متطلبات المستقبل .

نأمل أن يكلل مؤتمر «حوكمة الإدارة العامة» الذي سيعقد في الفترة من 16 ـ 18 ديسمبر المقبل الذي ينظمه معهد الإدارة العامة بالتعاون مع مركز الحوكمة والاستدامة والمنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية بالنجاح في رسم ملامح جديدة للقطاع العام تقوم على تفعيل الحوكمة وآلياتها ونظمها.