النفوذ الصيني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/نوفمبر/٢٠١٩ ١٢:٤٧ م
النفوذ الصيني

أورفيل شيل

لاري دياموند

نيويورك ــ بينما تسير المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين متعثرة نحو نهاية مجهولة، ما زال معظم العالم يركز اهتمامه على التصعيد المحتمل للنزاع بين أكبر اقتصادين في العالم. لكن المناقشات الضيقة الأفق حول التعريفات الانتقامية، والنزعة التجارية الصينية، وسرقة الملكية الفكرية تغفل الآثار الأوسع للحرب التجارية: فقدان الولايات المتحدة والصين قدرتهما على التفاعل بطريقة غير عدائية.

من منظور الولايات المتحدة، تمثل الصين تهديدا سريع التصاعد - وهو تصور يرتكز جزئيا على الفائض التجاري الثنائي الكبير وجهود الصين الجريئة للاستيلاء على التكنولوجيا الأميركية. ولعل الأهم من ذلك أنه مدفوع بسعي الصين نحو فرض هيمنتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واستثماراتها الخارجية سريعة النمو، ومحاولاتها إعادة تشكيل مناقشات السياسة العالمية، وجهودها لممارسة التأثير على البلدان الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها.

حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي العام الفائت من أن مثل هذه الجهود تشمل استغلال قوى فاعلة غير تقليدية للتسلل إلى المؤسسات الديمقراطية، وخاصة في الأوساط الأكاديمية. ومن هذا المنطلق، خلص راي إلى أن «التهديد الصيني» هو أكثر من مجرد «تهديد شامل للحكومة»؛ بل إنه «تهديد للمجتمع بأكمله». ويؤكد تقريرنا الصادر مؤخرا، «نفوذ الصين والمصالح الأميركية» - نتاج مجموعة عمل مكونة من 23 عضوا شاركنا في رئاستها، وعقدها معهد هوفر وجمعية آسيا - هذه المخاوف.

في الواقع، خلص التقرير إلى أن الحزب الشيوعي الصيني يتسلل إلى مجموعة واسعة من المؤسسات الأميركية - من الجامعات ومراكز البحوث إلى وسائل الإعلام وحكومات الولايات والحكومات المحلية - وكذلك المجتمع الصيني الأميركي. وبذلك يخترق الحزب الشيوعي الصيني النسيج الرخو للديمقراطية الأميركية.

لا يتم ذلك من خلال استخدام قوة عسكرية أو اقتصادية «صارمة»، ولا من خلال التبادل الشفاف الذي تؤثر الديمقراطيات من خلاله «بقوة ناعمة» على بقية العالم. لكنه شكل من أشكال ما يُطلق عليه «القوة الحادة»: استخدام التكتيكات «السرية والقسرية والمفسِدة» (على حد تعبير رئيس الوزراء الأسترالي السابق مالكوم تورنبول) لإرغام البلدان على الالتزام بخط الصين الخطابي ودعم مصالحها.

العنصر الرئيسي في عملية نشر هذه القوة الحادة هو جهاز «الجبهة المتحدة» المتطور والواسع النطاق التابع للحزب الشيوعي الصيني، وهو نظام قائم منذ قرن من الزمن للترويج للحملات الدعائية الصينية ونفوذها في الخارج. هذا الجهاز - والنظام اللينيني الصيني بصورة أشمل- لا يولي أي اعتبار يذكر لسلامة المؤسسات المدنية، ناهيك عن قيم مثل حرية التعبير والدين والتجمع. وعلى العكس من ذلك، فهو على استعداد لاستغلال انفتاح الديمقراطيات الليبرالية الغربية لتحقيق غاياته.
ما هي تلك الغايات؟ على عكس عمليات التأثير الروسية، والتي تركز على التلاعب بالانتخابات من خلال نشر معلومات مضللة حول البلد المستهدف، تركز العمليات الخارجية الصينية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، على نشر روايات عن الصين ذاتها. حيث يرغب قادتها في تشكيل الطريقة التي ينظر بها العالم إلى نهضة الصين، وذلك لتقليل التحديات التي تواجه عسكرة بحر الصين الجنوبي إلى أدنى حد، وقمع الأقليات الدينية في سنجان والتبت، وفرض رقابة واسعة النطاق على مواطنيها، ومقاومة الإصلاح الديمقراطي في هونج كونج.
ولتحقيق ذلك، تستفيد الصين من مواطنيها في الخارج - خاصة في الأوساط الأكاديمية، سواء كانوا أعضاء في هيئة التدريس أو طلاب - وأفراد من الجالية الصينية تعتبرهم «أبناء الوطن» الذين يدينون بالولاء «للوطن الصيني الأم». وحتى الآن، لا يشعر الكثير من الطلاب الصينيين بالحرية في التحدث بصراحة في الفصول الدراسية الأميركية؛ ويجري الخبراء الصينيون رقابة ذاتية حتى يتمكنوا من الحصول على تأشيرات للعودة إلى الوطن؛ كما تعكس معظم وسائل الإعلام الناطقة باللغة الصينية في الولايات المتحدة الآن خطابا يميل إلى كسب ود الصين.
على حد تعبير راي، يتطلب التصدي لعمليات بسط النفوذ الصينية «استجابة من المجتمع بأكمله» - ومن وجهة نظرنا، ينبغي أن تشدد هذه الاستجابة على «اليقظة البناءة». لذلك، ينبغي للجامعات ومراكز الفكر ووسائل الإعلام والجمعيات والحكومات المحلية في الولايات المتحدة أن تطالب بالشفافية في تعاملاتها مع الشركاء الصينيين المحتملين، بما في ذلك إجراءات الكشف الكامل عن أي روابط تربطهم بالدولة الصينية أو الحزب الشيوعي الصيني أو الجيش.
من الضروري أن تضمن الولايات المتحدة ألا تهدد استجابتها بإثارة هجمات ذات دوافع عنصرية ضد الصينيين في أميركا. ربما تنظر الصين إلى أي شخص صيني أو من أصول صينية باعتباره عميلا محتملا. لكن من أجل التمسك بقيم الإنصاف والمساواة، يجب على الولايات المتحدة أن تنظر بشكل مباشر إلى السلوك وليس إلى العرق.
ولكي تكون المؤسسات الأميركية قادرة على رصد السلوكيات المشبوهة والدفاع عن سلامتها، ينبغي لها أن تعرف المزيد عن كل من تتعامل معهم، بما في ذلك التعاملات التي تجري من خلال التعاون مع المؤسسات النظيرة في الولايات المتحدة وخارجها. فلا يمكن أن نسمح لمروجي القوة الحادة الصينية باستخدام استراتيجية «فرق تسد».
أخيرا، يتعين على القوى الفاعلة في الولايات المتحدة المطالبة بالمزيد من الأخذ والعطاء في تعاملها مع نظرائها الصينيين. فمن خلال ضمان المزيد من التبادلات المفتوحة والمتكافئة، يمكن أن تأمل الولايات المتحدة في تحويل عمليات القوة الحادة التي تمارسها الصين إلى عمليات قوة ناعمة حقيقية، مع تمتع كل بلد بفرص الوصول والتأثير داخل حدود الآخر بطريقة شفافة.
من المرجح أن تظل الصين المنافس الرئيسي لأميركا على النفوذ والتأثير العالميين في المستقبل المنظور. لكن هذا لا يعني أن يبقي البلدان على علاقة عدائية بدرجة خطيرة. بل على النقيض من ذلك، ينبغي لهما أن يتبعا سياسة المشاركة البناءة - سياسة تحافظ على المنافسة العادلة، وتتيح فرص التعاون القائم على المنفعة المتبادلة، وتدعم السلام بين أكبر قوتين في العالم.

أورفيل شيل: مدير مركز العلاقات الأمريكية الصينية في جمعية آسيا

لاري دياموند: زميل أقدم في معهد هوفر ومحرر