أكاذيب.. وإحصاءات النمو الأوروبية

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٥٧ م
أكاذيب.. وإحصاءات النمو الأوروبية

يانيس فاروفاكيس

لقد عادت اليونان أخيراً إلى النمو الاقتصادي". كانت هذه حبكة الرواية الرسمية التي خرج بها علينا الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2014. ولكن من المؤسف أن الناخبين اليونانيين، الذين لم تبهرهم هذه الأنباء المبهجة، أطاحوا بالحكومة القائمة آنذاك، ثم في يناير 2015 انتخبوا إدارة جديدة كنت أشغل فيها منصب وزير المالية.
وفي الأسبوع الفائت، انبعثت من بروكسل تقارير احتفالية مماثلة بشرت بالعودة إلى النمو في قبرص، وعلى سبيل إيراد الضد لهذا النبأ "السار" تحدثت التقارير عن "عودة اليونان إلى الركود". الواقع أن الرسالة الصادرة عن ترويكا مقرضي الإنقاذ الأوروبيين ــ المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي ــ كانت صاخبة وواضحة: "افعلوا كما نقول، كما فعلت قبرص، وسوف تتعافون. أما إذا قاومتم سياساتنا، بانتخاب أشخاص مثل فاروفاكيس، فسوف تتحملون عواقب المزيد من الركود".
وهي قصة قوية، غير أنها مبنية على كذبة صريحة. ففي العام 2014 لم تتعاف اليونان، ولم يتعاف الدخل الوطني في قبرص بعد. ويستند ادعاء الاتحاد الأوروبي الذي يزعم العكس إلى التركيز غير الملائم على الدخل الوطني "الحقيقي"، وهو مقياس من المحتم أن يكون مضللاً خلال فترات انخفاض الأسعار.
فإذا سُئِلت ما إذا كنت أفضل حالاً اليوم مقارنة بالعام الفائت، فسوف يأتي ردك بالإيجاب إذا ارتفع دخلك النقدي (قيمته بالدولار أو الجنيه الإسترليني أو اليورو أو الين) خلال الأشهر الإثني عشر الماضية. وفي الأيام الخوالي التي كانت تتسم بالتضخم، فربما كنت لتضيف إلى ردك الشكوى (المعقولة) من الزيادات في تكاليف المعيشة التي التهمت زيادة دخلك النقدي.
ولوضع هذه الفجوة بين الدخل النقدي والقدرة على شراء الأشياء بهذا الدخل في الحسبان، يركز خبراء الاقتصاد على القوة الشرائية من خلال ضبط الدخل النقدي مع متوسط الأسعار.
يُقاس الدخل الكلي لأي دولة بطريقة مماثلة. ويبدأ خبراء الاقتصاد بتجميع الدخل النقدي للجميع لاستخلاص الناتج المحلي الإجمالي الاسمي ــ أو على سبيل التبسيط، إجمالي الدخل النقدي للبلاد (N). ثم يقومون بضبط إجمالي الدخل النقدي مع التغيرات في متوسط الأسعار (P) بقسمة إجمالي الدخل النقدي (N) على متوسط الأسعار (P). وتكون هذه النسبة هي (R) أو الدخل "الحقيقي" (R = N/P).
في زمن التضخم، كان الغرض من حساب رقم الدخل الوطني الحقيقي (R) يتلخص في منعنا من الإفراط في الانفعال إزاء التقارير عن الزيادة الكبيرة في الدخل النقدي. على سبيل المثال، إذا كان متوسط الأسعار في ارتفاع بنحو 8% على سبيل المثال، فإن الزيادة بنسبة 9% في الدخل النقدي تترجم إلى نمو حقيقي بنسبة 1% فقط في قدرتنا على شراء الأشياء.
ومن الواضح بالتالي أن رقم الدخل الوطني الحقيقي في زمن التضخم كان هو الرقم الذي ينبغي للمرء أن ينظر إليه أولاً قبل الابتهاج بأن الاقتصاد ينمو. فلا يوجد من الأسباب ما قد يدعونا إلى الاعتقاد بأن النشاط الاقتصادي في ارتفاع ما لم يرتفع الدخل الوطني الحقيقي بقوة.
أما في زمن الانكماش (عندما تنخفض الأسعار)، كما يحدث في اليونان وقبرص اليوم، فإن الدخل الوطني الحقيقي قد يكون مضللاً بشدة.
من السنة الأولى إلى السنة الثانية، انكمش الدخل النقدي في البلاد بمقدار 2% (من 100 إلى 98)، في حين هبط مؤشر متوسط الأسعار بمقدار 1% (من 100 إلى 99). وفي السنة الثالثة، تعمق الركود، مع انخفاض إضافي بنسبة 2.04% في الدخل النقدي (من 98 إلى 96) وهبوط أكبر في الأسعار مع بلوغ الانكماش 6.06%.
وهذه صورة اقتصاد ينزلق من الركود نحو شيء يذكرنا بالكساد: انخفاض الدخول بل وحتى تراجعات أسرع للأسعار. ولكن انظروا إلى الصف الأخير: يبدو أن الدخل الوطني "الحقيقي" انتعش بشكل كبير في السنة الثالثة، بعد أن ارتفع بنسبة صحية تبلغ 4.28%!
ولكن هذا مجرد سراب ــ وهم ناجم عن انخفاض الأسعار. ولكن في الاقتصادات الانكماشية ببساطة، حيث يتحمل الناس والدولة ديوناً كبيرة، لا يوجد سبب للاحتفال سوى الزيادة في الدخل النقدي (على عكس الدخل الحقيقي).
ربما يرد معترض بأن الزيادة في الدخل الوطني الحقيقي نبأ طيب دائما، حتى وإن انخفض الدخل النقدي. فإذا كانت الأسعار في هبوط أسرع من الدخل النقدي، فإن هذا يعني بكل تأكيد أننا سنصبح قادرين على شراء المزيد بتكلفة أقل. أليس هذا أمراً طيبا؟
من المؤكد أنه كذلك ــ ولكن فقط في غياب المعوق المعتاد: الدين. فعندما يغرق الناس والحكومات في الدين، وما داموا يسددون فائدة إيجابية على هذا الدين، فإن انخفاض الدخل النقدي يشكل وصفة أكيدة للإعسار الجماعي.

وزير المالية السابق في اليونان، وأستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا