الفهم الخاطئ في إعداد المواطن

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
الفهم الخاطئ في إعداد المواطن

على بن راشد المطاعني

الكثير يتحدث أن المواطن العماني يحتاج إلى إعداد وتأهيل لمواكبة المرحلة القادمة من خلال تجويد طرق التربية والتعليم وضبط التعليم في الجامعات والكليات وغيرها من البرامج التأهيلية المختلفة، وعلى الرغم من أن كل هذه البدهيات متفق من الجميع على أهميتها ودورها في ولوج أبنائنا الحياة العملية، إلا أن ذلك في المقابل لا يتأتى إلا من خلال إخلاص الفرد والمجتمع أيضا وحرصهما على اكتساب المعرفة والعلم والاجتهاد في كل مراحل التحصيل العلمي من الروضة إلى ما بعد التعليم الجامعي لكي تكتمل منظومة إعداد الكوادر الوطنية بشكل يلبّي طموحاتنا وتطلعاتنا، فاليد الواحدة لا تصفّق كما يقال مهما تم توفير التعليم والتأهيل، وإذا لم يكن المتلقي جادا ومدركا للمسؤولية التي عليه، فلن تكتمل المنظومة، علينا أن نكون منصفين في القول أن هناك تعليما وتأهيلا وبرامج، لكن هناك عدم الجدية في اكتساب المعرفة وعدم المتابعة من الطرف الآخر، فيضيع كل الجد وتهدر كل الأموال في هذا الشأن والمفارقة في نهاية المطاف أننا نلقي اللوم بأننا لم نعدّ المواطن، فلابد أن ندرك أن الخلل ليس في برامج التعليم والتدريب، بقدر ما أن الخلل يكمن في المتلقي الفرد والمجتمع أيضا.
فبلا شك الكل يعي أن إعداد المواطن وتأهيله من أولويات التنمية في البلاد، بل الأهم على الإطلاق، ولسنا باستطراد كل الأدلة والبراهين على ذلك، إلا أن هذه البرامج تحتاج إلى بعض الجدية من الفرد والمجتمع للاستفادة ممّا يتوفر والجد والاجتهاد المتواصلين في التحصيل، لكي نكون منصفين سوف ندلّل على دور الفرد والمجتمع منذ الروضة إلى ما بعد الجامعي ونعرّج على الدورات التأهيلية ومدى الاستفادة منها لكي تكتمل الصورة للجميع حول ماهية إعداد المواطن وتأهيله وأين يكمن الخلل؟.
فالمدرسة تفتح أبوابها للطلاب من الابتدائي والدبلوم الثانوي ويتوفر الكثير من الإمكانيات معلمين ومعلمات وكتبا وإدارات مدرسية ونقل ومرافق من أجل التعليم، وفي المقابل هل أن أولياء الأمور يتابعون تحصيل أبنائهم لكي تكتمل الجهود؟ وكم نسبة التواصل بين البيت والمدرسة في السلطنة إذا قدرنا، فقد لا تتجاوز 10 بالمائة، وإذا جاء الطالب للبيت هل يسأله أحد والديه ماذا درست في المدرسة؟ وهل راجعت ما درسته؟، بعض المدارس تطلب أولياء الأمور مرات لكي تطلعهم على نتائج أبنائهم فلا سميع ولا مجيب منا! فكيف يمكن صناعة طالب متميز إذا لم يتعاون البيت مع المدرسة على سبيل المثال وأين يكمن الخلل برأيكم في هذا الجانب؟.
وإذا التحق الطالب بالجامعات والكليات بالسلطنة تجد نصف الطلاب تحت الملاحظة الأكاديمية لعدم الجد والاجتهاد والحضور للمحاضرات واكتساب المعرفة التي ينبغي على الطالب الجامعي اكتسابها وعندما يعلم الأب أنه ابنه مطرود يصطدم بنتائج ابنه ويترجّى الكلية إرجاعه ولا يترك أحدا يطلب منه التوسط له لإرجاع ابنه "المهمل" وهكذا دواليك تمضي الأمور، ولنكن واقعيين، لا يعلم الطالب ولا وليّ أمره كم كلّف ابنه الدولة لكي يدرس في الجامعة وبعدها يترك الجامعة لتخلّفه في التحصيل الأكاديمي مضيّعا الفرصة على نفسه وغيره! فماذا يمكن أن نقول في ذلك أيضا؟.
والجانب الآخر سواء داخل السلطنة أو خارجها، فإن المتدرّب لا يحرص على حضور الدورات رغم ارتفاع تكلفتها، ويكتفي بأخذ الشهادة على أساس أنه حضر، في حين أنه لم يحضر ولا هم يحزنون، وفي الخارج تكون الدورات للسياحة فقط، فكم تكلّف الدولة هذه الدورات؟، وهل من مستفيد منها؟، وقس على ذلك الكثير من الأمثلة والأدلة، لكن لنسأل أليس الخلل في من يستفيد من هذه البرامج؟.
في المقابل نحن نشدّ على المدارس والجامعات والمعاهد أن تجوّد البرامج الأكاديمية والتدريبية وتقوّمه خاصة الامتحانات لكي يكون الطالب والمتدرب جزءا من العملية التعليمية والتأهيلية، لكن في المقابل أيضا يجب على كل فرد أن يحرص على الاستفادة، ويكون جادا ومسؤولا عمّا لديه من فرص ويستثمرها، فمسؤولية الطالب كالموظف في الوظيفة عليه أن يجتهد ويكسب ويذاكر لكي يكمل المنظومة التعليمية وكذلك المتدرب، فليس من العدل أن نلقي اللوم على عواهنه بأن إعداد المواطن ينقصه التعليم والتدريب وكأنهما المفتاح السحري دون أن نضع النقاط على الحروف ونعرف واجبات الطرف الثاني.
بالطبع البعض يحرص على اكتساب المعرفة والعلم والبحث ويطوّر ذاته من خلال التعليم الذاتي أو من خلال الاجتهاد في المدارس والجامعات وغيرها لإعداد نفسه، مقدّرا ما يتوفر من تعليم وتأهيل، في حين أن السّواد العام لا يعي مسؤوليته في إكمال المنظومة لإعداد نفسه، لذلك نخرج أنصاف متعلمين يضيع فيها الطالب سنوات الدراسة المدرسية والجامعية ‏في التسلية وتمشية الحال كما يقال، فهل تكتمل هذه المنظومة في اعتقادنا بهذا التعاطي السلبي؟.
نأمل أن نعي مسؤوليتنا وأن ندرك أن إعداد المواطن يبدأ من نفسه أولا واستعداده الفطري والنفسي لكي يتطوّر ويتدرّج، وإيمانه بأن ما يحصل له من تعليم وتدريب يجب استثماره من خلال اكتسابه العلوم والمعارف والجدّ والمثابرة ولنتذكر قول الشاعر: لا تحسبنّ المجد تمرا أنت آكله لن تنال المجد حتى تلعق الصبرا.