عُمان بوابة الخليج التاريخية

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٥٦ م
عُمان بوابة الخليج التاريخية

محمد بن محفوظ العارضي

عندما أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 1990، دعوتها العالمية لإعادة دراسة طريق الحرير وخط التجارة القديم، وحجم الأثر الذي تركته هذه الطريق على الحضارات القديمة والحديثة، وعلى مستوى التواصل الإنساني في تبادل الثقافات والقيم والتجارب، تبنت السلطنة هذه الدعوة، وخصص جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه -، اليخت السلطاني الخاص "فلك السلامة" ووضعه مع كامل طاقمه تحت تصرف بعثة العلماء الذين أوفدتهم المنظمة.
كان هذا قبل إطلاق مبادرة طريق الحرير بـ 13 سنة، الأمر الذي يعكس استعداد السلطنة للعب دور مفصلي في إطلاق هذه المبادرة وإنجاحها.
إن السياسة الاستراتيجية للسلطنة تقوم على الحكمة وعمق القراءة لواقع الاقتصاد العالمي ومتطلبات نموه، وأدركت السلطنة منذ بدايات نهضتها الحديثة، أن الاستقرار في أسواقها وقطاعاتها الاقتصادية هو انعكاس لكونها عاملاً أساسياً لاستقرار المنطقة، ولمدى الانسجام والتناغم الاجتماعي بين مواطني السلطنة بمختلف انتماءاتهم الفكرية والعقائدية. كما تدرك أن هذا الاستقرار هو أحد عوامل جذب الاستثمارات المسؤولة والمستدامة المحلية والأجنبية على حد سواء. ففي زمن تعاني أسواق العالم حالة مقلقة من عدم الاستقرار وتأرجح التوقعات المستقبلية للمستثمرين حول استقرار الأسواق الإقليمية والعالمية، يصبح الاستقرار القائد الرئيسي للاستثمارات والمحدد الأهم لمستقبل الأسواق.
وعُمان بقيادتها الحكيمة، التي اتسمت قراراتها المصيرية ببعد النظر والتحليل العميق، قد تقود مسيرة الاستثمارات في المنطقة إذا نجحنا في مهمة توضيح أهمية عامل الاستقرار السياسي والاجتماعي.
تاريخياً كانت سلطنة عُمان البوابة الأكثر أهمية للخليج العربي وباقي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالعلاقة بين الصين وعمان تعود إلى أكثر من ألفي عام، وهي المرحلة التاريخية التي ازدهرت فيها التجارة عبر خط القوافل البرية والبحرية لطريق الحرير القديم، حيث كان اللبان العماني والحرف اليدوية متقنة الصنع، السلعة المقابلة للحرير الصيني في ذلك الوقت.
لقد أدرج اسم سلطنة عمان كشريك أساسي للصين في الوثائق التي تم حفظها منذ عهد أسرة "هان التي حكمت الصين من 225 إلى 206 قبل الميلاد، واستمرت علاقة السلطنة كمحور رئيسي لطريق الحرير حتى عهد أسرة مينغ، وتطورت هذه العلاقة عند تأسيس جمهورية الشعبية الصينية عام 1949 وقيام النهضة العمانية 1971 بقيادة صاحب الجلالة قابوس المعظم، حفظه الله ورعاه. وفي عام 1980 انطلقت السفينة العمانية "صُحار" من سواحل عمان لتصل إلى ميناء كانتون الصيني عام 1981، وكان الهدف من هذه الرحلة في حينها، تأكيد على العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين جمهورية الصين وسلطنة عمان الحديثتين، استكمالاً لعلاقتهما التاريخية واحياءً للتعاون والشراكة بينهما.
وللتاريخ، نذكر هنا أن عام 1980 كان عاملاً حاسماً بالنسبة لسلطنة عمان، فهو العام الذي عززت فيه السلطنة دورها كبوابة بين الشرق والغرب خاصةً بعد ما قامت به من وساطات دبلوماسية واقتصادية بين الطرفين، حافظت من خلاله على إمكانية بدء حوار مسؤول يفضي إلى حل دائم للخلافات خاصة بين بريطانيا وأميركا من ناحية وإيران من ناحية ثانية.
وكما التاريخ، كذلك الحاضر يثبت بالحقائق والأرقام مقدار مساهمة السلطنة في تنشيط التجارة الدولية من خلال مكانتها التي تحظى باحترام وثقة من شرق وغرب المعمورة على حد سواء، ففي عام 2013 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 23 مليار دولار. قد لا يكون هذا الرقم هو الأعلى في قائمة حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، لكن اللافت للنظر في هذه الأرقام أن حجم الصادرات العمانية بلغت 22 مليار دولار، مقابل مليار دولار هي حجم الواردات من الصين للسلطنة. وبالرغم من أن مبلغ الصادرات هو عبارة عن منتجات النفط والغاز العماني، إلا أن أي انتقال لهذه الأرقام في المستقبل بحيث تصبح من المنتجات غير النفطية ستكون له قميته المضاعفة لأنه سيعبر عن مدى تحول الاقتصاد العماني من اقتصاد نفطي، إلى اقتصاد يعتمد على القطاعات غير النفطية. وما يبشر بهذا التحول هو طبيعة الاقتصاد العماني الذي ينمو ببطء ولكن بثبات، قياساً للاقتصادات الأخرى التي تنمو بشكل سريع ولكن مضطرب إلى حد كبير.
إن تعزيز مكانة السلطنة على خريطة الاقتصاد العالمي وخريطة طريق الحرير الذي سيشكل عصب التبادلات التجارية العالمية خاصة بعد التوجه الواضح للاقتصاد العالمي نحو إعادة التموضع والاعتماد على أسواق جديدة، هي أسواق الشرق، بتطلب منا العمل على عدة محاور:
1. استثمار حالة الاستقرار المستدام في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تتميز بها السلطنة عن باقي اقتصادات المنطقة.
2. استثمار العلاقة المميزة للسلطنة بين جميع الأطراف في المنطقة، فالسلطنة التي شكلت بوابة للتواصل الإنساني بين مختلف الثقافات والحضارات العالمية، ولعبت دورها التاريخي في تبادل التجارب الإنسانية بين الشرق والغرب وإثرائها بالمعارف والعلوم، كفيلة بأن تحصد ثمار هذا الإرث الإنساني العريق.
3. الاستمرار في نهج تطوير منظومة التشريعات والقوانين التي تنظم الاستثمارات في السلطنة، لتصبح أسواقها أكثر جاذبية للاستثمار، بالتزامن مع الحملات الإعلامية التي تسلط الضوء على مجالات الاستثمار ومعدلات النمو وإمكانية تحول اقتصادنا لاقتصاد متنوع يعتمد على القطاعات غير النفطية.
للشعب العماني تاريخ عريق في الصناعة والإبداع، فأوائل أحواض بناء السفن أنشئت في عمان، وفي أسواقها ولدت الكثير من الصناعات والحرف اليدوية التي غزت أسواق العالم قبل آلاف السنين، وفي باطن أرضها من المعادن والثروات ما يكفي للبدء بالصناعات المتطورة. هذا يعني بكل وضوح أن لدينا بنية اجتماعية منتجة تشكل لبنة قوية للرأس مال البشري الذي باعتماده على التقنيات الحديثة كفيل بإحداث فرق جوهري في معادلته الاقتصادية، والأهم من ذلك أنها بنية اجتماعية مستقرة منتمية لتاريخها ودروها في صناعة حاضرها.
إن الشعب العماني الذي لا يترفع عن العمل والإنتاج، كون العمل تعبير إنساني عن الوجود، هو رهاننا في قدرتنا على التحول نحو مجتمع منتج، يصنع ويبني ويزرع ويطور منظومته بإخلاص وإبداع.