الدبلوماسية وإتيكيت لغة الجسد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/أكتوبر/٢٠١٩ ١٧:٣٦ م
الدبلوماسية وإتيكيت لغة الجسد

سعدون بن حسين الحمداني

إن من أهم صفات نجاح وتميز الشخصية على كل المستويات وخاصة الدبلوماسية منها هي لغة الجسد لما فيها من معانٍ ومدلولات كبيرة وكثيرة ومؤثرة في نفس الوقت، سواء على المستوى الرسمي أو في الحياة الاجتماعية اليومية وإن لغة الجسد بكل المفردات سواء( الوجه، اليدين ، ودرجة انحناء الجسم) لها الأثر الكبير في إيصال المعلومة للمقابل دون التكلم أو النطق ولو بحرف واحد.

ومن المؤكد أن الكلام ليس هو الوسيلة الوحيدة التي نعبر بها عن أنفسنا، فكثيراً ما نتحرك ونعبر عما نقول بحركات وإيماءات معينة أثناء الحديث مع الآخرين، و تلك الحركات تكون بالوجه أو اليدين أو الجسم كله في طريقة الجلوس أو المشي.

اختلفت المدارس الدبلوماسية في كل أرجاء العالم وخاصة الغربية منها التي أبدعت في التعمق والتفسير للغة الجسد معتمدةً على علم النفس وعلم الاجتماع ورواد الأفعال لغة الجسد في أي موضوع أو فكرة، وقد سبقهم القرآن الكريم بذلك، حيث أوضح في عدة مواضع أهمية هذا الفن الذي أعتمده الغرب في مدارسهم بأواسط القرن التاسع عشر وكانت بدايته في القرن الفائت خصوصًا عندما نشر دجوليوس فاست كتابه عن لغة الجسد عام1970.

وبدأت المدارس الدبلوماسية تستخدم لغة الجسد كوسيلة مستقلة لتوصيل الفكرة أو بعض أجزائها لجذب انتباه المقابل لما سيطرح وكان المسلسل الشهير (شارلي شابلن) افضل برهان على استخدام لغة الجسد وايصال الفكرة والموضوع بدون كلام.

وتشمل لغة الجسد حركات الجسم وأعضائه ؛ ليعبرعن الحزن والتجهُّم والتبسُّم وكل الانفعالات وخاصة تعبيرات الوجه لأنه يعتبر هو الاتصال الصامت وعمقه عند الآخرين.

إنّ المدرسة الاسلامية والقرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة ؛ فإن لغة الجسد من الأساليب التي استخدمها القرآن في كثير من المواضع ، قال تعالى: « وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا « آية 36/‏سورة الإسراء ، وفي هذا دلالة عظيمة من الخالق على أهمية هذه الجوارح ؛ لأنك تستخدمها في حياتك اليومية لتوصيل أفكارٍ إيجابية أو سلبية معينة .

أما تعابير الوجه ومعانيها وهو من أهم أعضاء جسم الإنسان التي تُظهر انفعالاته النفسية، وأحاسيسه، يظهر الفرح /‏ الحزن /‏ الهدوء/‏ الانفعال والعصبية كما في قوله تعالى :»تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ»آية24/‏ سورة المطففين ، وقال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ «38 ،39/‏ سورة عبس ، حيث يخبرنا رب العزة عن لغة الجسد وخاصة الوجه وتعابيره ليعكس لنا الفرح والحزن والأمان والسعادة والارتياح والكآبة.

وفي المشي ومعانيها فيفضل أن يكون بكل سلاسة وتأنٍ مع قلة حركة اليدين ليعطي طابع الوقار والرزانة في الشخصية قال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا» آية 63/‏ سورة الفرقان، حيث يحثنا البارئ –عز وجل- أن يكون مشي الإنسان سواء من الذكور أم الإناث بكل تأنٍ ووقار ويسمى هذا النمط من المشي في المدارس الدبلوماسية ( مشي الملوك) حيث طابع الوقار والهدوء.

وفي حركة اليد والعينين ومعانيها نقرأ الآية الكريمة قال تعالى:»قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً «قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّا « آيةً 10 /‏مريم، هذه الآية الكريمة قمة في لغة الجسد ونظرياته لما لها من دلائل كبيرة على المعنى فحبس سيدنا زكريا لسانه وبقي ثلاث ليال يكلم الناس بعلم الإشارة ومعاني العين وتعابير الوجه وهدوء النفس وراحة وطمأنينة القلب لما أتاه الله سبحانه وتعالى من مكارم وفضل.

تعتبر نبرة الصوت من أهم معالم فن لغة الجسد سواء في المحادثة أم في الكلام العادي وخاصة عند الكادر التدريسي في إيصال المعلومة وكذلك عند الوالدين ورب الأسرة الذي يعكس شخصية الأب والأم أمام أبنائهما، وكذلك الموظفين وبقية الكادر الإداري وخاصة الدبلوماسي في استقبال الوفود وفي الانشطة الدبلوماسية الاخرى.

يعتقد بَعضُنَا أو أغلبنا بشكل خاطئ أن الكلمات والجمل تمثل الجزء الأكبر والأساسي من طرق تواصل الأفراد فيما بينهم. أثبتت الأبحاث و الدراسات أن الكلمات و الجمل لا تمثل سوى 65 % أثناء المقابلات الشخصية (وجها لوجه) من طرق تواصلنا مع عالمنا ، بينما يذهب الجزء الآخر إلى حركاتنا و إيماءاتنا التي تترجم في عقول المتلقين من دون وعي منهم ؛ لذلك كثير من المدارس الغربية وخاصة البريطانية منها أدخلت مادة البروتوكول والاتيكيت ومنها لغة الجسد كمادة دراسية في البرنامج الابتدائي لما لها من أهمية على شخصية الناس واعتمدتها المدارس والمعاهد الدبلوماسية شرطًا أساسيا لقبول الاشخاص المرشحين للعمل للسلك الدبلوماسي كونها من أعمدة وأساسيات العمل في البعثات والتعامل الخارجي مع مختلف الجنسيات والدول.

وفي الختام علينا جميعا ابتداءً من العائلة بإتقان هذا الفن الراقي لما له من انعكاس إيجابي على شخصيتنا والتميز في الأداء بين الجميع لأنه من علامات التحضر والمدنية المعاصر

دبلوماسي سابق