الصين.. الهند.. وأفريقيا.. شركاء الأمس والغد

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/أكتوبر/٢٠١٩ ١٧:٣٦ م
الصين.. الهند.. وأفريقيا.. شركاء الأمس والغد

محمد بن رامس الرواس

منذ انفتاح العمانيين على حضارات العالم وتواصلهم مع شعوب الارض ادركوا اهمية الموقع الجغرافي لعمان ومركزها المتميز وأهميتها الاقتصادية والتاريخية فانطلقوا شرقا وغربا ساعدتهم طبيعة السواحل فأقاموا الموانئ البحرية النشطة وأسسوا لعمان مركزا لوجستياً عالمياً .

تصف العديد من المصادر التاريخية «صحار» بانها دهليز الصين وهو مصطلح ينم عما يتم تخزينه لوجستياً من بضائع تنقل للصين لتوزع بعد ذلك بمتاجر الصين وتعبر هذه البضائع عبر موانئ عمان وأهمها ميناء صحار التاريخي .

ولقد اشارت المصادر الصينية إلى أن التجار العمانيين كانوا من امهر التجار ، هذا بالإضافة الى مهارتهم الملاحية، ولقد صنفت صحار وسميت حينها ببوابة الصين لكون عمان مركزاً لوجستياً مهما للتبادل التجاري بين الشرق والغرب هذا ، كونها نقطة التقاء واتصال للمواصلات والسفن البحرية التى تمر عبر المحيط الهندي العظيم .

ولقد سجل المؤرخون أن ميناء سيراف الذي يقع على رأس الخليج العربي احد أهم الموانئ فى مجال التجارة مع الصين وذلك فى فترة اسرة «سون الصينية « عهد دولة « ووشيون» وكانت موانئ صحار ومسقط وسيراف والبليد بظفار وغيرها تمتلك التجارة البحرية وذلك لمهارة التجار وشطارة الربابنة العمانيين الحاذقين.

لقد اشار الباحث الصيني « تشانغ زون يان « أن علاقة عمان والصين عبر العصور القديمة والوسيطة قامت على تبادل حضاري وتجاري ومعرفي وتبادل السلع والخبرات ... ولقد سجل التاريخ بكل فخر العماني ابوعبيدة عبدالله بن القاسم فى القرن الثامن عشر الميلادي انه قام برحلة بحرية الى «قوانتشوا» فى الصين وكانت واحدة من اقدم الرحلات التاريخية للعرب الى بلاد الصين وكان هذا الرجل من صحار ، ولقد الف بعض الباحثين الصينين كتبا فى الطرق البحرية بعد جمعوا المعلومات بعد هذه الرحلة التاريخية لابوعبيدة...

كما ازدهرت المدن الصينية من تجارة اللبان الذي كان يصدر اليها من ظفار ومن ميناء البليد وميناء مرباط وسمهرم ووثق لنا التاريخ هذه الصلة التجارية والعلاقات الاقتصادية .

وعندما نتحدث عن علاقة عمان والهند فإننا نتحدث عن واحدة من اجمل ملاحم التجارة العالمية وذلك لما يربط البلدين من صلات تجارية وعلاقات متميزة نشطة على مر الزمن بحكم الجوار والتشارك فى حوض المحيط الهندي ولقد وصل العمانيون الى الهند وكانوا اوائل التجار العرب الذي اكتشفوها وبدوا يشترون منها الاخشاب ويصدرون اليها اللبان ولقد كان للربابنة والملاحين العمانيين دور كبير فى ازدهار النشاط العربي التجاري.

إن المحيط الهندي كان له منفذان لنقل التجارة عبر العصور احدهما الذراع الايمن ويتمثل فى الخليج العربي والاخر المنفذ الايسر وهو البحر الاحمر وكانت الصدارة الدائمة للذراع الايمن الذي نشط العمانيون فيه وأسسوا به مركزا تجاريا عالميا لوجستياً ، يقوم بدوره بكل كفاءة ونشاط ولاسباب جغرافية وبشرية ومهارات الربابنة ظل الساحل العربي الذي برع فيه التجار العمانيون وتواصلوا فيه مع الهند هو الاكثر نشاطا ، فصدرت عمان اللبان واستوردت التوابل وقامت بالصناعات الخشبية عبر استجلاب الخشب من الهند وكان بعض العمانيين يذهبون الى الهند ليصنعوا سفنهم هناك نظر لتوفر الاخشاب والبعض الاخر يجلب الاخشاب لعمان وفى كلا الحالتين كانت مهنة صناعة السفن عمانية مئة بالمئة ..

ومن موانئ ظفار مثل البليد ومرباط وسمهرم وغيرها صدرت الخيول العربية الاصيلة والجلود وغيرها من المنتجات ..

كانت الهند السوق الكبير للعمانيين والاكثر استقبالا لمنتجاتهم من أقمشة وزيوت وقمح وسمسم وتوابل وكانوا يقايضونها باللبان والخيول والتمر واللؤلؤ والليمون، كل ذلك شجع التبادل التجاري والتواصل الحضاري الذي كان فى اوجه حتى عام 1507 ...

بعد رحيل البرتغاليين تدفق العديد من التجار الهنود الى عمان فقد اتسمت تلك الفترة بالأمن والاستقرار فوفد الفرس واصحاب الاعمال وفى الاونة الاخيرة اقيمت علاقات استراتيجية لاتزال الى اليوم توجها سلاطين عمان بالرعاية والاهتمام .

إن الخبرة وسماحة التاجر العماني وأخلاقه الفاضلة، جعلت له سمعة طيبة ومكانة فى معاملاته مع كافة شعوب الارض ومنهم أهل افريقيا ،وبالاخص القرن الافريقي حيث أن الصدق والسماحة جعلت للتاجر العماني المكانة والمنزلة المرموقة فتمكن من التعايش اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً مع مدن الساحل الافريقي وبعدها الى داخل افريقيا ...

وبسبب التجارة النشطة مع افريقيا خاصة شرق افريقيا أثر العمانيون على الحضارة فى شرق افريقيا فتم التبادل التجاري فى المنتجات مثل العنبر والطيب والعاج والخشب وغيرها من البضائع التي كانت تتوفر بكثرة فى أفريقيا ، ولقد قامت الاساطيل البحرية العمانية بحماية هذه التجارة كونها من اكبر أساطيل المنطقة فى ذلك الحين ولها موانئ رئيسية تبدأ من بندر عباس الى سواحل افريقيا مثل ممباسا وكلوة ومقديشو وزنجبار وكان الاسطول العماني الحارس الامين عن مدن وموانئ عمان الساحلية وعلى تجارتها .

إن الجعرافيا العمانية كونها على مفترق طرق العالمية وكونها نقطة التقاء الشرق والغرب جعلت لموانيها عبر التاريخ اهمية وقامت بينها وبين حضارات العالم مثل الصين والهند وشرق أفريقيا تبادل تجاري اتسم بالعلاقات الودية والاقتصادية فلقد كانت سلطنة عمان بكافة مقوماتها الجغرافيا والتجار وسفنها المتينة، ومؤانيها التجارية علامات بارزة فى التاريخ تنقل وترشد وتساهم فى حضارات العالم وتاثر وتتاثر فاقبلت على العالم واقبل عليها العالم شرقا وغرباً وجسدت عمان بأعمالها اللوجستية الاقتصادية واحدة من أعظم ملأحم الاقتصاد التاريخي العالمي .