ممارسة الأعمال واقعا أكثر منه مؤشرات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/أكتوبر/٢٠١٩ ١١:٥٧ ص
ممارسة الأعمال  واقعا أكثر منه مؤشرات

علي المطاعني

بعد تراجع إستمر لثلاث سنوات في مؤشر ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، تقدمت السلطنة هذا العام عشرة مراكز دفعة واحدة، وذلك يعد تطورا إيجابيا على العديد من الأصعدة والمستويات، ويعكس الرغبة لدى الجهات الحكومية المختصة أو ذات العلاقة بإحداث نقلة نوعية في منظومة ممارسة الأعمال، تتبعها وتراقبها جهات كمكتب التنافسية ووحدة التنفيذ والمتابعة، ويلاحقها الضغط الشعبي بأهمية تسريع الإجراءات وخفض رنين الروتين وتحجيم سلحفاة البيروقراطية، وأتممة الأنظمة ورقمنة المعاملات.

فعلى الرغم من التقدم الطيب في تسعة مؤشرات، إلا أنه من الأهمية بمكان أن نعرف حقيقة هذه المؤشرات والكيفية التي تقاس بها ومدى دقتها من عدمه والآليات المتبعة وشمولية وواقعية الإستبيانات والإستنتاجات التي تقيم على ضؤها هذه أو تلك المؤشرات.

بل إن بعض التقييمات أو الطلبات قد لا تتناسب مع واقعنا الإجتماعي الذي تفرضه نظريات البنك الدولي وتتعاطى معه، فعلى سبيل المثال الأنظمة الدولية ومن بينها البنك الدولي يحق للمؤسسة طرد الموظف المواطن إذا لم ترغب به وفصله من عمله لأي سبب، في حين أن الجهات المعنية تمنع ذلك حرصا على الأمن الإجتماعي للمواطنين ولدواعي أخرى كثيرة ولإعتبارات مهمة، فعدم التقدم في مثل هذه التقييمات مرده لأنها لا تتناسب مع واقعنا الإجتماعي، فضلا عن أن بعض المؤشرات هي في الواقع عبارة عن إدراك وإستنتاجات من مستثمرين ومن شركات من خارج البلاد أو لم يمارسوا الأعمال في الواقع، فكيف يتنسنى لهم الحكم على ممارسة لم يكونوا طرفا فيها.

وهناك الكثير من الإشكاليات التي من الطبيعي أن تؤثر على هذه التقييمات صعودا وهبوطا، لكن لا يجب أن نخفي حقيقة أنها ذات أهمية في توجيه بوصلة الإستثمار في البلدان وإعطاء المستثمرين فكرة واضحة حول أين يضعوا استثماراتهم، فهذه المؤشرات رغم عدم دقتها وإيجابياتها، إلا أنها ذات أهمية كبيرة في الترويج للإستثمار وتحفيز المستثمرين بإعتبارها تصدر عن منظمات دولية معنية الكل يولون وجوههم شطرها.

بل إن هذه المؤشرات في تراجعها أو تقدمها في السنوات الماضية لها أهميتها على الصعيد الإيجابي والسلبي وفي تحفيز الجهات والمسؤولين لتحقيق الأفضل أو مراجعة الواقع وتحسين الإجراءات للأفضل، وما تشهده من تنافس بين الدول في جوهره يعد إيجابيا مهما كانت الاشكاليات إذ هي تحثنا على التحسين والتطوير، وهذا منحى نراه أكثر أهمية من البنك الدولي أو غيره، بل نراه إرشاديا ويقودنا لمعرفة نقاط الضعف لمعالجتها والقوة لتعزيزها، بل إنها أي المؤشرات نراها كناقوس يدق في آذان الجهات مذكرا إياها بضرورة تحسين إجراءاتها، وبالتالي أوجد تحديا مشتعلا في دواخلنا يرغمنا على الركض السريع في هذا المضمار الطويل.

ولعل صدور العديد من التشريعات وخاصه قوانين التحفيز الإقتصادي ستكون بمثابة نقطة تحول في المؤشرات القادمة في تقييم ممارسة الأعمال وغيرها أن شاء الله، فهي لم تؤخذ في التقييمات الراهنة، على إعتبار أن تقييمات البنك الدولي تؤخذ بنسبة 80% على الأطر والتشريعات المنظمة لممارسة الأعمال. بالطبع لا نملك إلا أن نشيد عاليا بالجهود المبذولة ‏من جانب مكتب عُمان للتنافسية رغم محدودية إمكانياته ووضعه الإداري على ما يبذله كراعي لتحسين هذه المؤشرات ومتابعتها في داخل السلطنة وخارجها، وفي تواصله مع الجهات الدولية ووتنبيهها إلى بعض الجوانب التي تغفلها وتوضيح بعض الجوانب وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة وغيرها، وذات الإشادة تستحقها وحدة التنفيذ والمتابعة على ما تضطلع به من دور في حلحلة الكثير من التعقيدات الإدارية وتقليص الفجوة في ممارسة الأعمال بمبادرات نوعية تهدف لتسريع الخطوات لممارسة الأعمال وبلورة الحلول الهادفة لرسم خارطة إلكترونية جديدة لممارسة الأعمال الحكومية.

نأمل أن تكون هذه المؤشرات والمراكز حافزا لنا للتطوير والتغيير وسواعد لبناء أفضل وأحسن، فقد جاء التقدم بعد التراجع، وهذا يعني إننا نسير في الطريق الصحيح بحول الله وقوته..