تكافؤ الفرص في فلسطين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/أكتوبر/٢٠١٩ ١٢:١٥ م
تكافؤ الفرص في فلسطين

أليشا بولر

بينما يعمل نور الدين عمرو على تحسين حياة الطلاب المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة في القدس، رافقته لألقي نظرة إلى ما يقوم به هذا التربوي ورائد الأعمال الاجتماعية.

لا شك أن التحديات القاسية التي تفرضها ظروف الحياة في فلسطين المحتلة موثقة جيدًا ولا تخفى على أحد، إلا أنها تخفي تحت ظلالها معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة. إذ يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة في فلسطين تحديات يومية في مجتمعاتهم ومدارسهم نتيجة غياب الدعم الاجتماعي والتعليمي المناسب.

دفع هذا الأمر رائد الأعمال الاجتماعية نور الدين عمرو، وهو كفيف يعاني من ضعف بصر شديد بنسبة 98 بالمائة، إلى المبادرة بتأسيس مدرسة وجمعية سراج القدس للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة في عام 2007، حيث تهدف المؤسسة إلى تعزيز وتحسين الشبكات التعليمية والاجتماعية والعائلية للأطفال ذوي الإعاقة البصرية والمهمشين اجتماعيًا في القدس وغيرها من المناطق. وقد تمكّنت مدرسة سراج القدس منذ أن فتحت أبوابها من خدمة آلاف الأطفال وتقديم التعليم الرسمي لمن تتراوح أعمارهم بين 4 و13 عامًا، حيث قبلت الطلّاب الذين أثبتوا حاجتهم الماسة إلى المساعدة المالية. بفضل التمويل والتبرعات وتقاضي الحد الأدنى من رسوم التعليم ، تمكّنت المؤسسة من الانطلاق في مسيرة نجاح ساهمت من خلالها في الحد من الوصم الاجتماعي الذي يتعرض له المكفوفون وذوو الاحتياجات الخاصة في فلسطين. يقول عمرو لحوار الشرق الأوسط، «يُعاني ذوو الإعاقة البصرية والاحتياجات الخاصة من صعوبات وتحديات جمّة في تعليمهم وحياتهم. وتعود جذور هذه المشاكل إلى غياب بيئات التعليم المناسبة والافتقار إلى التقنيات المساندة وقلة الفرص المتاحة في الحياة»، وأضاف قائلًا: «يتمثّل أحد أهداف المدرسة بتعزيز روح المساواة والتفاهم بين فئات الطلاب المختلفة».

التعليم الشامل والدمج

يعيّن رائد الأعمال الاجتماعية معلمين ومعلمات من ذوي الإعاقة البصرية ومبصرين أيضًا ويدرّبهم على اعتماد أساليب تعليم مناسبة للجميع ودامجة واستخدام التقنيات المبتكرة لمساعدتهم في العملية التعليمية. كما نفّذت مدرسة سراج القدس مجموعة واسعة من الأنشطة المبتكرة والإبداعية المختلفة لرفد ذوي الإعاقة البصرية بالمهارات اللازمة للاندماج في مجتمعاتهم. وفي هذا السياق، أوضح عمرو، «نستعين في المدرسة بالتقنيات السمعية لتطوير بيئة تعليمية مساندة للطلاب، بالإضافة إلى الحواسيب الناطقة والمنهاج السمعي. ويتلقّى المعلمين والمعلمات أيضًا التدريب الملائم حول كيفية التعامل مع الطلّاب في بيئات صفّيّة متنوعة»،

وأضاف، «نعلّم أطفالنا أن يحبّوا بعضهم ويلعبوا معًا ونغرس فيهم روح المساواة لسد الفجوة التي سببها الوصم الاجتماعي الذي تلحقه فئات المجتمع المختلفة ببعضها.»

ويرى عمرو أن المجموعات الأقل حظًا اقتصاديًا واجتماعيًا وذوي الاحتياجات الخاصة هم أكثر الفئات التي تعاني من التهميش الاجتماعي في فلسطين، إذ «كثيرًا ما يُنظَر إلى الأشخاص المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة على أنّهم عبء على المجتمع».

تكافؤ الفرص

ينطلق عمرو من منصة التعليم على توفير فرص متكافئة للطلاب في المدرسة ومرحلة ما بعد المدرسة، لذا أقامت سراج القدس شراكات مع مؤسسات محلية ودولية وجمعيات فلسطينية والمراكز المحلية من أجل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع.

وقد حظي نظام دمج التعليم الذي يتبعه عمرو باهتمام وزارة التربية والتعليم الفلسطينية فتبنته وبدأت بتطبيقه تدريجيًا في المدارس الحكومية، حيث أوضح عمرو، « أقرت السلطة الفلسطينية مؤخرًا قوانين لدمج الطلّاب ذوي الإعاقة البصرية في المدارس الحكومية، غير أن تطبيق هذه القوانين وتهيئة المدارس لاستقبال هؤلاء الطلّاب سيستغرق وقتًا وطويلاً. إذ تتطلب مثل هذه المبادرات ميزانية كبيرة وتغييرًا جذريًا في طريقة تفكير المعلمين والمعلمات وأفراد المجتمع».

عندما يتخرج الطلاب من مدرسة سراج القدس يتم إرسالهم إلى مدرسة مناسبة لاستكمال تعليمهم المدرسي كل حسب حالته، غير أن هناك مخططات لتوسعة النطاق التعليمي في مدرسة سراج القدس ليشمل التعليم الثانوي وبهذا يمكن مساعدة الأطفال على إتمام تعليمهم بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسي، بحسب ما أخبرنا به عمرو. ما تزال فرص العمل المتاحة للطلاب ذوي الإعاقة البصرية شحيحة في فلسطين بالرغم من تحديد القانون الفلسطيني لنسبة توظيف إلزامية لذوي الاحتياجات الخاصة تبلغ 5 بالمائة .

لكن رؤية عمرو في هذا المجال لا تقف عند هذا لحد، بل تمتد إلى الرغبة بالمساهمة في تشكيل مجتمع تعددي ومتنوع يتمتع جميع أفراده، بما فيهم ذوو الإعاقة البصرية والاحتياجات الخاصة والأشخاص المهمشون، بفرص متكافئة في الحياة والعمل، فحلم عمرو كما يراه:»في عالم مثالي، سيتلقى كل فرد في فلسطين معاملة متكافئة في بيئة مناسبة قادرة على دمج جميع الأفراد وتمكنّهم من تلبية حاجاتهم وتحقيق طموحاتهم والعيش بسلام».