علي ناجي الرعوي
منذ ان كشف المبعوث الاممي الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ عن اتفاق الاطراف المتنازعة في هذا البلد على وقف اطلاق النار بدءا من ليل العاشر من ابريل المقبل والعودة الى طاولة التفاوض في الثامن عشر من ذات الشهر بدولة الكويت يترقب اليمنيون بمختلف مكوناتهم السياسية والمجتمعية ماذا يمكن ان تقود اليه هذه الجولة الجديدة من المفاوضات ؟ وما يمكن ان يترتب عنها من تفاهمات بين (الاخوة الاعداء) من يتقاتل منهم على الارض او من يتمسكون بشرعيتهم ويخوضون حربهم عن طريق التحالف العربي الذي يقاتل هو الاخر دفاعا عن تلك الشرعية ومواجهة من انقلب عليها للعام الثاني على التوالي ؟ ومثل هذه الحالة من الترقب لا تجافي الواقعية في ظل احساس الجميع بان بلادهم هي من تدور اليوم عبثيا داخل حلقة جهنمية ومأساوية تجعل من الحرب القائمة فيها وعليها مفتوحة النهايات وذلك بعد ان اصبحت اليمن عمليا موزعة بين جنوب تعبث به التنظيمات الارهابية ووسط تنهشه الفوضى والعنف وشمال تائه بين امكانيات الحل وقسوة الموت المجاني الناجم عن استمرار هذه الحرب في واقع يمكن وصفه دون تردد بالواقع الكارثي.
الاكتفاء بإعلان موافقة الاطراف المتنازعة على وقف اطلاق النار والذهاب الى التفاوض هذه المره في الكويت وليس جنيف لم يقدم من وجهات نظر مختلفة اية اجابات واضحة عن مشروع الاتفاق الذي افصح عنه المبعوث الاممي بل انه الذي ازاد الامور غموضا وضبابية فهو الذي لم يتحدث عن القضايا التي ستبحثها الاطراف المشاركة في مفاوضات الكويت ؟ وما هو سقف هذه المفاوضات ؟ وفرص نجاحها ؟ حيث يصبح الطريق الى المفاوضات القادمة محفوفا بالأشواك والتعرجات اذا ما اخذنا بعين الاعتبار مجرى الاحداث والتطورات المصاحبة لها وكذا التصريحات الصادرة مؤخرا عن بعض الاطراف المدعوة للتفاوض والتي لم يتضح فيها أي مؤشر او افق عن ان هناك مقاربة سياسية حقيقية لإيقاف الحرب وإنهاء الصراع او ان هناك مبادرات اقليمية او دولية تتحرك في اتجاه الضغط على كل اطراف النزاع للقبول بخيارات السلام والتوافق على معالجات مستدامة للازمة اليمنية تتجاوز الوجبات السريعة التي تجلت بعض ملامحها في الاتصالات التي جرت بين مسئولين سعوديين ونظرائهم الحوثيين واقتصرت على صفقة لتبادل الاسرى والتهدئة في مناطق الحدود من دون ان تتطرق الى وقف العمليات العسكرية بشكل كلي والانتقال الى العمل السياسي وتلك الوقائع لا تنبئ بأي حال من الاحوال عن ان المسارات السلمية اضحت الهدف القادم.
اذا ما سلمنا فعلا بان دول التحالف العربي تقع في هذه اللحظة تحت ضغوط متزايدة من قبل واشنطن والمجموعة الاوروبية التي تشعر بالقلق حيال ما قد ينعكس على اطالة امد الحرب من انتشار لتنظيم القاعدة وداعش في الفراغات اليمنية وان هذه الضغوط هي من قد تدفع دول التحالف الى ايقاف عاصفة الحزم وحثها للضغط على حلفائها اليمنيين للجنوح الى التفاوض مع من كانت تصفهم بـ(الانقلابيين) فان ذلك لا يعني اكتمال المشهد وخروج اليمن من المستنقع الذي يغوص فيه حاليا اذ انه وما لم تكن دول الاقليم قد اقتنعت بان الحل العسكري لا يمكن ان يؤدي الى الاهداف التي رسمتها لعاصفة الحزم فإنها التي قد تلجأ الى عنصر المناورة من خلال ايقاف الضربات الجوية والأخذ بيد الطرف الحليف وتحفيزه على مواصلة القتال مع خصومه في الداخل لما من شأنه خلط الكثير من الاوراق وترك اليمنيين يتقاتلون فيما بينهم لسنوات على غرار النموذج الليبي الذي تحول الى اشبه ما يكون الى ساحة مكشوفة يتم الصراع عليها من قبل اللاعبين الاقليميين والدوليين الذين اوكلوا المهمة لفرقاء الداخل الذين يقتتلون بشراسة تحت ضغط نزعات الاستئصال والإقصاء ونزعات الانتصارات المشفوعة بسوء الظن بالآخر.
ليست المرة الاولى التي سيجلس فيها فرقاء الازمة اليمنية على طاولة التفاوض فقد سبق لهم في جولتين حواريتين وان جلسوا الى جوار بعضهم البعض في جنيف لكن للأسف فقد خرجوا من تلك الحوارات كما دخلوها حيث سيطرت عليهم الشروط والشروط المضادة وكأن القتل والدمار المخيفين يحصلان في بلد اخر ليس بلدهم وما يغشى منه هو ان يتكرر السيناريو نفسه في الكويت ما لم تتسم هذه المفاوضات بديناميكية عالية وما لم تكن خلفها ارادة اقليمية ودولية فاعلة ومنحازة للسلام ونوايا حقيقية من قبل الاطراف اليمنية التي يجب ان تغلب العام على الخاص دون ذلك فان مستقبل اليمن السياسي سيبقى على كف عفريت ان لم ينجرف هذا البلد نحو حروب طائفية ومذهبية وجهوية مهلكة تتطاير شرارها الى ارجاء المنطقة عامة.
قد يفسر البعض هذا الكلام بأنه يندرج في اطار التشاؤم ومحاولة احباط أي جهود بناءة لإحياء العملية السياسية السلمية ووقف العمليات العسكرية التي اثقلت هذا البلد لكن فان من يتابع التطورات المتلاحقة على اكثر من صعيد ومستوى لابد له من لفت الانتباه الى ان مشاكل اليمن هي من التعقيد والتشابك بما لا يمكن حسمها بالنوايا الحسنة اذ انه وبعد ان تحول اليمنيون الى مجرد ارقام صماء يجري استثمارها واستغلالها والتلاعب بها دون ادنى اكتراث لما تمثله هذه اللعبة من مآسي على الواقع الانساني في هذا البلد الذي بات خلف كل عائلة فيه قصة انسانية مؤلمة عنوانها الجوع والفقر ومرارة النزوح والتشرد حيث ان ازمة اليمن الكبرى الان هي في تفكك البنى الاساسية للمكونات المجتمعية بشقها السياسي والمذهبي والجهوي والقبلي وكل ملف من هذه الملفات الملغومة يمكن ان يسهم في اشعال كرة النار في المنطقة بأكملها اذا ما تدحرجت من بلد الـ 60 مليون قطعة سلاح ومن مصلحة اليمن والإقليم ان يتدخل المجتمع الدولي لوقف الصراع في ساحاته وإعادته الى مربع الاستقرار والسلام.
معضلة اليمن لن تحل في الكويت او في غيرها طالما ظلت الحلول مرتبطة بالأجندات ذاتها التي سبق وان طرحت على مفاوضات جنيف وبالتالي فان الحل يكمن في اقامة شرعية سياسية جديدة خارجة عن منطقة الصراع بين مراكز القوى اذ ان ذلك يعد هو السبيل الامثل للوصول الى صيغة توافقية تمثل كل ابناء اليمن على اساس المواطنة والتسامح بعد ان ثبت فشل كل الصيغ التي تحاول اعادة تدوير الازمة في الشخوص الذين كانوا سببا في اشعالها .. وما لم يتدخل العالم المتحضر لوقف الدم اليمني الذي يراق يوميا فان هذا الشعب سيظل ينزف بدمائه لسنوات الله وحده يعلم كم ستدوم مخضبة بهذه الحال الدامية.