الأهداف الصحيحة للاستثمار في الصحة العالمية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٣ ص
الأهداف الصحيحة للاستثمار في الصحة العالمية

بيورن لومبورج

إذا كانت وسائل الإعلام العالمية هي مصدرك الوحيد للمعلومات، فربما نتلمس لك العذر إذا تصورت أن أعظم هموم ومخاوف الصحة في العالَم الآن يتمثل في فيروس زيكا، أو الإيبولا في العام الماضي ــ أو سارس وأنفلونزا الطيور قبل ذلك.
الواقع أن الذعر من هذه الأمراض المعدية انتشر بسرعة أكبر كثيراً من انتشار المرض ذاته. ففي حقيقة الأمر، كانت حصيلة الموتى من كل هذه الأمراض على مستوى العالم ضئيلة مقارنة بأعداد الموتى نتيجة للأمراض المعدية الرئيسية التي كان ما نسمعه عنها أقل كثيرا: الإسهال، أو السُل، أو الإيدز، أو الملاريا، أو الحصبة. وتظل حصيلة الموتى نتيجة لأمراض غير معدية، مثل السكتات الدماغية والنوبات القلبية، أعلى كثيرا.
يواجه صناع القرار في العالَم مثل الحكومات والجهات المانحة أولويات متنافسة، ولكنهم لا يختارون بينها صراحة أو بشفافية. ولأن وسائل الإعلام تركز على أمراض مثل زيكا، أو إيبولا، أو سارس، فإن قدراً أكبر من الإنفاق يذهب إليها.
ينشر المركز البحثي الذي أتولى إدارته، مركز إجماع كوبنهاجن، البحوث والنتائج الخاصة بالتكاليف والفوائد المترتبة على مثل هذه الاختيارات، من أجل تزويد صناع السياسات ــ وعامة الناس ــ بالأدلة اللازمة لتعظيم فعالية القرارات التي يتخذونها. ويأتي هذا النهج مدفوعاً باعتقاد مفاده أن كل دولار لابد أن يحقق أعظم قدر ممكن من الخير.
عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة، فإن البلدان حيث يعيش أفقر مليار إنسان في العالم تنفق في المتوسط 15 دولاراً سنوياً لكل شخص. وفي كل عام، يحصد الموت المبكر ــ الوفاة قبل سن السبعين ــ أرواح نحو تسعة ملايين إنسان في الدول المنخفضة الدخل مثل كمبوديا وإثيوبيا وهايتي. ويموت 19 مليون إنسان آخرين في وقت مبكر في الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى مثل الهند ونيجيريا وجواتيمالا. وفي المجمل، تمثل هذه الدول الأكثر فقراً نحو نصف سكان العالم.
وبحلول عام 2030، سوف ينخفض عدد الوفيات المبكرة سنوياً من 28 مليون شخص إلى 24 مليون شخص، بفضل تزايد الرخاء، وذلك على الرغم من إضافة ما يقرب من مليار شخص إلى سكان العالم. ولكن بوسعنا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك إذا تمكنا من تحسين كفاءة تسليم الرعاية الصحية.
في بحث أجراه مركز إجماع كوبنهاجن، وجد باحثون كنديون أنه من الممكن الحد من الوفيات بين الأطفال بنحو الثلثين من مستوى عام 2010 وخفض عدد الوفيات بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات إلى 69 سنة بنحو الثلث. وتراكميا، يمكن إنقاذ أرواح سبعة ملايين شخص سنوياً في النصف الفقير من العالم بحلول العام 2030. ولكي يتحقق هذا، فلابد أن يرتفع الإنفاق على الصحة من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
لا شك أن الحد من الوفيات يتطلب ما هو أكثر من مجرد تخصيص الأموال. فمن الأهمية بمكان أن يتم توجيه الموارد إلى تدريب الموظفين، وإنشاء المزيد من العيادات، وتوفير الأدوية، وأن يتم توظيف هذه الموارد بأكبر قدر ممكن من الفعالية في كل مجال.
ولكن قبل توجيه الموارد، لابد من إيجادها أولا. في إبريل 2001، وقع زعماء أفارقة ــ يمثلون العديد من الدول الأكثر فقراً على وجه الأرض ــ إعلان أبوجا، متعهدين بتخصيص ما لا يقل عن 15% من ميزانيات دولهم السنوية لتحسين الصحة. وفي عام 2011، كانت تنزانيا فقط التي نجحت في تحقيق هذا الهدف، في حين خفضت 11 دولة فعلياً مساهماتها النسبية، وأبقت الدول التسع الموقعة المتبقية على إنفاقها راكداً بلا تغيير.
ومن المتوقع، وفقاً للاتجاهات الحالية، أن يرتفع الإنفاق على الصحة العامة في الدول ذات الدخل المنخفض إلى 23 دولاراً للشخص بحلول العام 2030، لأن هذه الدول سوف تصبح أكثر ثراء. وزيادة هذا الرقم بنحو 34 دولاراً أخرى من شأنها أن تفضي إلى تجنب مليوني وفاة كل عام. وبالنسبة للدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، سوف يكون متوسط الإنفاق على الصحة العامة 85 دولاراً لكل شخص؛ وزيادة هذا الرقم بنحو 128 دولاراً من شأنها أن تنقذ نحو خمسة ملايين حياة إضافية بحلول العام 2030.
ولكن كيف يمكن تجميع مثل هذا الاستثمار؟ قد يصل مجموع التكاليف الإضافية إلى 500 بليون دولار سنوياً بحلول العام 2030. ولكن في مقابل كل دولار ينفق، سوف نكسب 4 دولارات في هيئة فوائد إنسانية. وبالنسبة لأفقر بليون إنسان، فإن كل دولار ينفق لتحسين الرعاية الصحية في جميع المجالات من شأنه أن يعود بفوائد تقدر بنحو 13 دولارا، لأن هناك العديد من الأمور التي يسهل تحسينها نسبيا.
ولكن صناع السياسات لديهم اختيارات أخرى. على سبيل المثال، إذا اختاروا معالجة الأمراض الكثيفة الانتشار مثل السُل أو الملاريا، فإن كل دولار ينفق من شأنه أن يحقق فوائد بقيمة 43 أو 36 دولارا، على التوالي. وهو اختيار أكثر فعالية، لأن العائدات مستهدفة. وعلى النقيض من هذا، عندما نحاول تحسين النظام الصحي بالكامل، فسوف ننقذ عدداً أقل من الأرواح سنويا، لأن مواردنا في هذه الحالة تكرس أيضاً لأمراض أصعب علاجاً وبتكاليف أعلى.
تبين لنا أبحاث مركز إجماع كوبنهاجن أن أولويتنا القصوى لا ينبغي أن تكون محاولة تحسين الأنظمة الصحية بشكل موحد، وفي مختلف المجالات. ولكن تعزيز قدرة الدول النامية على تحديد وإدارة المخاطر الصحية الوطنية والعالمية المعروفة ــ الأمراض القاتلة على مستوى عالمي حقاً مثل السُل والإيدز ــ يشكل استثماراً ممتازا.
إن تحسين استجابة الأنظمة الصحية لهذه الأمراض القاتلة من شأنه أن يقودنا إلى تحقيق التقدم الذي قد يساعد في مجالات أخرى. فعندما اندلع وباء الإيبولا في غرب أفريقيا العام الماضي، كانت الدول الأكثر معاناة هي تلك التي لديها مرافق صحية رديئة. وفي ظل خدمات صحية محلية أفضل، كان المرض ليتوقف بسرعة أكبر ــ بل وربما ما كان ليحدث في المقام الأول.
من الأهمية بمكان أن نضمن استناد القرارات المتعلقة بالسياسة الصحية إلى أدلة صحيحة، حتى يتسنى لنا تحقيق أقصى قدر ممكن من الاستفادة من كل دولار ننفقه. وفي الممارسة العملية، لا يعني هذا تجاهل أحدث الفيروسات التي تتحدث عنها النشرات الإخبارية؛ بل يعني على نحو شبه مؤكد ضرورة إدراك حقيقة مفادها أن أغلب مواردنا لابد أن تذهب في اتجاه آخر.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن، وأستاذ زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال