بين الخصخصة والشراكة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٣ ص
بين الخصخصة والشراكة

سمعان كرم

عندما تنعقد إرادة طرفين او اكثر للدخول في شراكة ما، يسدد كل طرف نصيبه من رأس المال المقرر وتنطلق الشركة بأعمالها فتتمتع بالأرباح ان وجدت وتتحمل الخسائر والمخاطر التي قد تتعرض لها من كسود في الاسواق او زيادةٍ في التكاليف او تلبية المطالب العمّالية أو التضخم وتغيّر الاسعار وغيرها. تلك هي قاعدة الشراكة في القطاع الخاص: المساهمة في رأس المال والاستفادة من الارباح لكن ايضاً في تحمل المخاطر مهما كان نوعها.
اما الشراكة التي نتكلم عنها هنا فهي شراكة بين القطاعين العام والخاص والتي تعرف عالمياً ( PPP- Public Private Partnership) وهي تختلف تماماً عن مفهوم الشراكة في القطاع الخاص، إذ تتمثل بعقود طويلة الاجل وتهدف الى تقديم خدمات عامة عن طريق الاستفادة من كفاءة القطاع الخاص وإمكانياته المالية وخبراته. وهي ليست شراكة بالرأسمال ولاهي شراكة بالأرباح، بل هي شراكة بالمخاطر، حيث ان القطاع العام يحوّل الى القطاع الخاص بعض مخاطر المشروع ويحتفظ بأخرى. اذا حول القطاع العام الى القطاع الخاص كافة مخاطر المشروع بحيث يصبح دور الدولة مقتصراً على التنظيم والرقابة نكون في صميم الخصخصة وتتحمل عندها شركة المشروع كل مخاطر الربح والخسارة. والسلطنة لها خبرة واسعة في هذا المجال اذا انها اعتمدت خصخصة انتاج الكهرباء و تحلية المياه منذ اوائل الثمانينيات. وفي القطب المقابل اذا كانت عقود الإدارة تنطوي على احتفاظ الدولة بكل المخاطر بينما يقتصر دور القطاع الخاص على تقديم خدمة ما لقاء بدل يتقاضاه، فإن الشراكة بين القطاعيين العام والخاص تشمل كل درجات الشراكة في المخاطر بنسب تختلف من مشروع الى آخر. فيتحمل مثلاً القطاع الخاص في عقود الشراكة مخاطر التصميم والتشييد والتشغيل والاستكشاف والتمويل والتضخم، ويتحمل القطاع العام مخاطر البيئة والتنظيم والسياسة والتعرفة.
أما العنصر الثاني الذي يميّز الشراكة (PPP) عن صفقات الشراء والتلزيم التقليدية فهو تحديد المخرجات بدلاً من المدخلات. هذا يعني أن الدولة لاتشتري او تبني على نفقتها الاصول اللازمة لتقديم الخدمة العامة كما هو الحال في التلزيم العادي، بل هي تشتري الخدمة المنتجة. فهي لا تبني معملاً للكهرباء مثلاً بل تشتري الكهرباء التي تلبّي حاجتها لتقديم الخدمة للمواطن.
هذا النوع الحديث من الشراكة هو مانريده اليوم إذ انه مبني على الثقة بالقطاع الخاص وبكفاءته وقدراته في الوقت الذي تنقص فيه السيولة عند الحكومة وهي التي لاتريد ان يؤثر ذلك على دفع عجلة النو في البلاد. وتأخذ شراكة (PPP) اشكالاً عدة بينها التشييد والتشغيل والتحويل (BOT) والتشييد والتشغيل والتملك (BOO) والتصميم والتشييد والتشغيل والتحويل (DBOT) وغيرها من الهيكليات. ومن المشاريع التي يمكن تنفيذها عن طريق الشراكة على سبيل المثال: معامل حرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، ومعامل الطاقة المتجددة، سكة الحديد، المرافئ والمطارات، مرائب السيارات، المدارس، المكتبات، المستشفيات، مآوى المسنين، الملاعب الرياضية، المجمعات السياحية، قصور المؤتمرات، المحميات الطبيعية، محطات الإطفاء، السجون، معامل معالجة النفايات الصلبة، محطات تكرير الصرف الصحي وغيرها من المنشآت الاساسية.
ومن منافع الشراكة للقطاع العام توزيع المخاطر فلا يتحمل القطاع العام كل مخاطر المشروع كما هو الحال في التلزيم العادي. كذلك ضمان سرعة تنفيذ المشروع، اذ ان تحويل مسؤولية التصميم والبناء الى القطاع الخاص وربط الدفعات بتأمين الخدمة، يحفّز القطاع الخاص على اتمام المشاريع بسرعة. ومن المنافع ايضاً تحسين نوعية الخدمة، فالخبرة العالمية تشير الى ان نوعية الخدمة في مشاريع الشراكة (PPP) افضل منها في التلزيم التقليدي. هذا قد يعكس تأثير عدة عوامل منها وجود حوافز وعقوبات في العقد، وانتاجية العاملين في القطاع الخاص وادخال الابتكارات في تقديم الخدمات. والشراكة هذه تجّنب انتظار توفر التمويل للمشاريع العديدة التي تود ان تنفذها الدولة. فالشراكة تسمح المضي قدماً وبإطلاق المشاريع حتى في غياب توفر المال للنفقات الاستثمارية والتشغيلية والقيام بأعمال الصيانة الدورية.
إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) تعيد الثقة بقدرات وكفاءة القطاع الخاص، وتستند عليها وتسرّع تنفيذ المشاريع في غياب توفر المال وتحسّن الخدمة وتزيد الانتاجية في الوقت الذي تبقى الدولة تتحكم بالتعرفة للخدمات المقدمة للمواطنين.