مها بركات
يقدم موظفو الصحة العاملين في الخطوط الأمامية الخدمات الأساسية – بما في ذلك إدارة اللقاحات، وجمع البيانات اللازمة لتوقع تفشي الأمراض- حيث تشتد الحاجة إليها. إن هؤلاء العمال يتحملون ظروفًا صعبة، وخطيرة في الغالب، من أجل الوصول إلى مليار شخص حول العالم، بالإضافة إلى محدودية فرص الحصول على الخدمات الصحية، سواء في القرى الريفية النائية، أو في مناطق النزاع. كما أنهم لا يحصلون على الدعم الكافي. لقد أُثبتت فعالية مُوظفي الصحة العاملين في الخطوط الأمامية في تحسين الصحة العالمية مرارًا وتكرارًا. فعلى سبيل المثال، خلال العقد الأول من القرن الماضي، جندت رواندا وإثيوبيا الآلاف من هؤلاء الموظفين، ودربتهم ليقودوا رحلة الكفاح ضد الملاريا، عن طريق تثقيف المجتمعات المحلية بشأن الوقاية والكشف، وتوزيع الأدوات مثل الناموسيات، وإدارة العلاج. ونتيجة لذلك، انخفض معدل الإصابة بالملاريا بنسبة 75٪ في البلدين خلال الفترة ما بين 2000 و2015.
ومع ذلك، يستمر العالم في التقليل من قدرات الموظفين العاملين في الخطوط الأمامية وإسهاماتهم. وهذا لا يقوض فقط قدرتهم على أداء وظائفهم بفعالية؛ بل يعرضهم لخطر كبير أيضا، زد على ذلك، التضليل الكبير بشأن اللقاحات، مما يشجع، مثلا، على مهاجمة الأشخاص الذين يقدمونها.
وبدون عدد كافٍ من الموظفين الصحيين العاملين في الخطوط الأمامية، لن يكون العالم قادرًا على تحقيق هدف القضاء على الملاريا، والسل، والأمراض المدارية المهملة بحلول عام 2030- جزء من الهدف الثالث للأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وسيظل الالتزام الذي وقعه 53 زعيما من بلدان الكومنويلث عام 2018، والذي يقضي بتخفيض عبء الملاريا إلى النصف بحلول عام 2023 بعيد المنال. وفي الواقع، عن طريق تعطيل أنظمة الرعاية الصحية الأساسية، يمكن أن يؤدي الخصاص في موظفي الصحة العاملين في الخطوط الأمامية، إلى عكس مسار التقدم السابق، خاصة في المجتمعات الفقيرة والمهمشة.
ولحسن الحظ، بدأ المجتمع الدولي يدرك هذا. إذ في مايو، اختتمت جمعية الصحة العالمية بثلاثة قرارات: بشأن التغطية الصحية الشاملة (مع التركيز على موظفي الصحة في المجتمعات المحلية)، وبشأن الرعاية الصحية الأولية، والاجتماع الرفيع المستوى الذي سيعقد الشهر المقبل بشأن التغطية الصحية الشاملة. وفضلا عن ذلك، على هامش جمعية الصحة العالمية، وبشراكة مع الاتحاد الصيدلاني الدولي، نظمت الصحة العالمية اجتماعًا لمعالجة الخصاص في موظفي الصحة، حيث أصدرت ست رسائل رئيسية لتوجيه هذه الجهود. الرسالة الأولى هي تعزيز التعاون بين الجمعيات المهنية للرعاية الصحية، من أجل تعبئة استراتيجية متعددة القطاعات.
ونظرا إلى حجم المشكلة، والندرة المتكررة للتمويل المحلي، يجب على جميع من يهمهم الأمر زيادة مساهماتهم. ولتحقيق هذه الغاية، يجب علينا توظيف آليات التمويل المبتكرة، التي تحشد رأس المال الخاص بشكل أفضل، من أجل دعم إنشاء أنظمة صحية مرنة، وموظفي صحة يعملون بفعالية في الخطوط الأمامية. وفي الوقت نفسه، ينبغي اتخاذ خطوات لضمان الاستخدام الأكثر كفاءة للتمويل. وهذا يعني الإصغاء إلى رسالة رئيسية أخرى من اجتماع منظمة الصحة العالمية، الذي عقد في مايو: «طبق الحلول الناجعة»، بما في ذلك مشاركة المجتمع، و اتباع نهج يركز على الأشخاص. إن موظفي الصحة العاملين في الخطوط الأمامية، يشكلون عاملا بالغ الأهمية في هذه الاستراتيجية. وهذا ما يجعل الرسالة الرئيسية الأخرى تتجلى في «ضمان العمل اللائق»: التدريب المناسب، والتعويض العادل، والدعم الكافي، والسلامة الشخصية. ويقدر الخبراء أن كل دولار يستثمر في موظفي الصحة في المجتمعات المحلية، يمكن أن يضخ 10 دولارات في زيادة الانتاج.
والجزء الأخير من الحل هو التكنولوجيا، التي يمكن أن تدعم موظفي الصحة الميدانيين. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد تطبيقات الهاتف المحمول في ربط الاتصال عن بُعد بين العمال مع أبعد المرضى، مما يتيح التشخيص السريع، والمشورة الصحية في الوقت الفعلي. وفضلا عن ذلك، يمكن أن تسهل التكنولوجيا الرقمية التحليل الدقيق للبيانات، التي يجمعها العاملون في مجال الصحة، ومن ثم تعزيز تقديم الخدمات، والكشف عن تفشي المرض.
إن موظفي الصحة العاملين في الخطوط الأمامية، هم أبطال الصحة العالمية المجهولين. لقد حان الوقت للثناء عليهم- وتنفيذ سياسات تعكس قيمتهم.
عضو مجلس برنامج شراكة دحر الملاريا