نصف مليون فرصة عمل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٢ ص
نصف مليون فرصة عمل

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي يتشبّع فيه القطاع الحكومي من الموظفين بنسب تفوق المحددة عالميا لكل ألف من السكان أسهمت في إصابة الكثير من الجهات الحكومية بالتخمة، فإنه من الأهمية بمكان توجيه مخرجات الجامعات والكليات إلى مؤسسات القطاع الخاص. فالإحصائيات تشير إلى أن هناك نصف مليون فرصة عمل يشغلها الوافدون في الشركات والمؤسسات من أصل مليون ونصف المليون عامل وافد يعملون في القطاع الخاص، فهذه الوظائف يمكن أن تشغلها الخريجون والخريجات، إلا أن عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص وعدم وجود برامج توعية بفرص العمل في المؤسسات والعمل الذاتي يجعل الكثير من المخرجات يقبعون في المنازل في انتظار الفرج وامتهان الوظائف الحكومية النادرة، الأمر الذي يتطلب تحريك المياه الراكدة في هذا الجانب الذي أصبح يتورم يوما بعد آخر بزيادة المخرجات وجمود حركة عمل المواطنين.
فبلا شك إن الوحدات الإدارية في الدولة لا يمكن أن تستوعب كل الخريجين والخريجات، ليس في السلطنة وإنما في كافة بلدان العالم، إلا أنه ‏في المقابل لا يمكن أن نترك الأمور تتفاقم شيئا فشيئا في المرحلة الراهنة والقادمة، خاصة مع تزايد أعداد الخريجين من مؤسسات التعليم العالي من داخل السلطنة وخارجها بدون برامج توجيه وتوعيه بفرص العمل في القطاع الخاص والعمل الحر، فالجمود الراهن في هذا الجانب ليس إيجابيا على كل الأصعدة والمستويات، بل له انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع، وهو ما يتطلب بلورة سياسات توجيهية فاعلة في شرح مرامي العمل أيا كان نوعه ومستواه في كل ميادينه المتوفرة، والتدرج في العمل إلى أن يصل الخريج أو الخريجة إلى مبتغاه، إلا أن هذا لا يتأتى في ظل التعاطي الصامت الحالي الذي قد يولد انفجارا كما حدث في عام 2011م.
إن عدد العمالة الوطنية المسجلة في التأمينات الاجتماعية بلغ 210 آلاف عامل، وهي أعداد غير مشجعة تعكس تباطؤ التوظيف في القطاع الخاص للعديد من الأسباب أهمها عزوف الخريجين والخريجات عن العمل في الشركات، رغم إتاحة التنافس بين العاملين في القطاع الخاص على فرص العمل متى أُعلنت في القطاع الحكومي، مما يشير إلى أنه ما زال هناك تردد من قبل الشباب في الانخراط في الشركات والمؤسسات للأسف لعدم الوعي بماهية هذه الآليات وأهميتها في إكسابهم الخبرة التي يحتاجها العمل في القطاع الحكومي، والاستفادة من طاقات الشباب المتحمسين للعمل في ميادين العمل المختلفة، فضلا عن شغل أوقات الفراغ وما ينتج عنه من ممارسات خاطئة تضر بالفرد والمجتمع.
هناك الكثير من البدهيات الغائبة عن أبنائنا في الانخراط في العمل أيا كان مستواه وقيمته، والتدرج للوصول إلى الغايات التي يتطلع لها الشباب لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها ودون بذل وجهد كبيرين في الأداء والجودة، واحترام قيم العمل والالتزام بالوقت كقيمة حضارية ضرورية، فكيف يمكن أن يقبلوا على العمل ويؤمنوا بالتدرج فيه؟، مما يفرض على الحكومة مجتمعة التفكير في هذا الجانب بشكل جاد في هذه المرحلة الحرجة التي يتطلب أن يكون هناك تحرك عاجل لمعالجة هذه المعضلة! وعدم الاكتفاء بمؤشرات عدد الباحثين عن عمل النشطين وفق الإحصائيات الذي بلغ 53 ألف باحث وباحثة عن عمل.
إن المستويات الوظيفية المتوفرة في القطاع الخاص التي تزيد على نصف مليون وظيفة في مختلف المجالات ذات أهمية كبيرة للشباب العماني من مخرجات الجامعات لكي ينخرطوا فيها في المرحلة القادمة كمحطة أولى للعمل التي من الطبيعي أن يسبر أغوارها أي خريج كبداية للحياة العملية إلا أن التوعية بهذه المتغيرات العملية والحياتية من الطبيعي أن تجعل الخريجين والخريجات يتشبثون بفرص العمل الحكومية والانتظار إلى ما لا نهاية.
بالطبع هناك خريجون وخريجات يبحثون عن أعمال في القطاع الخاص في مستويات العمل المتوفرة، بل إن البعض يعرض فرص العمل الحكومية ويسعى للالتحاق بالقطاع الخاص إيمانا منه بأهمية العمل وسرعة التدرّج وغيرها من المزايا للمجيدين، إلا أن أغلب الخريجين والخريجات يقبعون في المنازل على أمل أن تتحقق أمانيهم في الوظائف الحكومية غير مدركين مدى تشبع الوزارات والهيئات بالكوادر على اختلافها وصعوبة التوظيف في الوقت الراهن بسبب الأزمة الاقتصادية.
نأمل أن يعي الخريجون أن مجال العمل في القطاع الخاص أرحب من الحكومة خاصة في ظل تواجد أعداد من العمالة الوافدة التي تشغل وظائف يمكن أن يشغلها أبناؤنا، إلا أن ذلك لا يتأتى على طبق من ذهب كما يقال، وإنما من خلال الجد والمثابرة والوعي بأهمية العمل أيا كان مستواه من جانب أبنائنا، والوعي بأهمية التدرج في العمل للوصول إلى مراتب متقدمة.