هذا القطاع لا ندعه ينهار

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/سبتمبر/٢٠١٩ ١٣:٠٠ م
هذا القطاع لا ندعه ينهار

علي المطاعني

قطاع المقاولات والإنشاءات من أكبر القطاعات الإقتصادية في البلاد ويسهم في حركة البناء والتعمير ‏بنحو فاعل، وكلما كبر حجم شركاته وتعززت في السوق المحلي تطور كما وكيفا في الداخل والخارج والعكس صحيح بالطبع، وهو ما يتطلب العمل على النهوض بهذه الشركات وتمكينها من التطور والنمو وإضفاء الأفضلية والتسهيلات لها خاصة في أوقات الأزمات، إلا أن ما أوضحه لنا رئيس جمعية المقاولين العُمانية عن واقع الشركات في السنوات الأربع الفائتة كان صادما ويحتاج إلى تدخل عاجل لمعالجته أو القيام بعملية إنعاش لقلبه وقبل أن يتوقف عن الخفقان.

لقد وضحت حقيقة أن الأزمة الاقتصادية كان لها إنعكاس مباشر على القطاع، وأن الجمعية بذلت جهودا خارقة لإيجاد الحلول لبعض الإشكاليات بدون جدوى، وهكذا تمضي الأمور إلى المجهول، فشركات القطاع تصارع الآن فقط من أجل البقاء وهذا بات قمة الطموح، وفي هكذا حال فلا أحد يضمن هذا البقاء المحفوف بظلام الموت الأكيد.

وبما أن لغة الأرقام هي اللغة الوحيدة التي لاجدال فيها فإنها تقول بأن ما يعانيه من ضمور وهزال قد تأثرت به كعدوى كل القطاعات الأخرى ذات العلاقة، وهو أمر يتطلب وقفه صلبة معه حتى يتجاوز هذه المحنة، والأرقام وإذ هي تتحدث تقول بأن عدد الشركات التي خرجت من السوق ما بين عام 2016 و2019، بلغت 1.571 شركة من كل الفئات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، أما حركة العمالة الوطنية من يناير 2016 إلى يوليو 2019 فقد استمر في القطاع 2003 مواطنا عُمانيا بواقع 500 موظف كل عام، وأما العمالة الوافدة فقد انخفضت بين عامي 2016 2019 إلى134.815 (مائة وأربعة ثلاثون ألفا وثمانمائة وخمسة عشر) عاملا بنسبة إنخفاض بلغت 18.81%، أما تحليل الإنتاجية في قطاع الإنشاءات خلال نفس الفترة من 2016 إلى يوليو 2019، فقد إنخفضت بواقع 1.592.300.000(مليار وخمسمائة واثنان وتسعون مليون وثلاثمائمة ألف ريال) أما التوقعات لإنتاجية قطاع الإنشاءات حتى نهاية 2020 في حالة إستمرار التحديات كما هي أن يفقد القطاع 2.7821 مليون ريال.

فهذه الارقام من السجلات الرسمية المعنية وتظهر حجم التحديات التي يتطلب مواجهتها والمتمثلة في قلة المشروعات الحكومية والخاصة التي تثري قطاع المقاولات وبدوره يعيد ضخها في شرايين الإقتصاد على هيئة مشروعات ومشتريات وعمالة وغيرها، وكذلك قلة التدفقات النقدية للشركات من الجهات الحكومية التي تؤثر على تشغيل الشركات الخاصة ودفع الرواتب، والأمر أخذ في التفاقم إن لم يتم منح الشركات قروض من البنوك بضمان المبالغ المحتجزة لدى الجهات الحكومية أو إضفاء تسهيلات بنكية لها لتسيير أمورها، فهكذا أزمات قادرة بالفعل على قتل الشركات الوطنية واحدة تلو الأخرى.

وثمة أمر أخر في إطار وصفات العلاج وهو مايتعين على الجهات الحكومية العمل به هو عدم طرح مشروعات تنموية واستثمارية في مثل هذه الأزمات لشركات عالمية أو مناقصات دولية، وذلك بهدف إثراء الشركات الوطنية وإيجاد بعض الحلول لها، فهذه الشركات التي تعمل في السلطنة هي الأساس الذي سيبقى في البلاد ويقدم ويستوعب الكوادر الوطنية ويساهم في إثراء الأسواق وتعزيز القيمة المضافة المحلية في الاقتصاد، في حين أن الشركات العالمية تهرب بعد إنتهاء مشروعاتها وبإعتبارها غير معنية بالأزمة.

فالجهات الحكومية مطلوب منها في هذا المنعطف الجلوس مع الشركات وتدارس الأزمة من كافة جوانبها والخروج بتوصيات تساهم في معالجة الوضع بصورة مرضية وذلك يصب في إطار مصلحة الوطن العليا.

نأمل أن تتضافر الجهود للتصدي لما يعانيه قطاع المقاولات والإنشاءات في البلاد فإنهياره يعد كارثة إقتصادية لا ينبغي أن نسمح بها، فضلا عن إنه قطاع لايمكن الإستغناء عنه بطبيعة الحال، فالتنمية وديمومتها تعني الإنشاء والتعمير، وهذا لن يتأتي إلا بوجود هذه الشركات قوية وفاعلة ومقتدرة.