جمعية الصحفيين في بكين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/سبتمبر/٢٠١٩ ١٩:٠٩ م
جمعية الصحفيين في بكين

علي المطاعني

تشهد العلاقات العُمانية الصينية زخما عبر تبادل الزيارات والوفود في تجسيد ولا أروع لعمق هذه العلاقات بين البلدين الصديقين، وليس تنظيم جمعية الصحفيين العُمانية ملتقى الصحافة العُماني الصيني، الأسبوع المقبل بالصين إلا مثالا ناصعا للمستوى الشاهق الذي وصلت إليها العلاقات والتي تكللت بالتعاون رفيع المستوى بين مؤسسات المجتمع المدني من تطور تجاوز الجوانب الرسمية التقليدية ليحلق عاليا في السماوات المفتوحة التي لا تحدها حدود ولا يقف أمامها عائق.

وعلى ذلك ما إن ينهي وفد زيارته للصين إلا وياتي آخر ليبدأ رحلة حصد النتائج وقطف ثمار التعاون البناء مع العملاق الصيني والذي يمضي بثقة ليقارع أكبر إقتصاديات العالم الكلمة بالكلمة، واللكمة باللكمة، والحجة بالحجة، ثم هو يمضي ووفق الدراسات ليحتل المركز الإقتصادي الأول في العالم.

ما يحدث الآن ميدانيا يعبر وبجلاء على الصيغة المثلى لهذه العلاقة المميزة ويؤكد في ذات الوقت على الروابط المشتركة إذ أن مايجمعها على الصعيد الإنساني إرث ثقافي وحضاري ضارب بجذوره في أعماق الحضارة والأصالة، وكلاهما يمثلان أقدم الدول الدول المعروفة بالإسم من ساحق الأزمان، وكلاهما له يد طولى في المساهمة الإيجابية في إرساء دعائم الأمن والسلم الدوليين، كل ذلك يبعث على الإرتياح ويثلج الصدر لما وصلت إليه العلاقات من تطور يعبر بوضوح عن آمال وطموحات الشعبين الصديقين.

وبما أن العلاقات المشتركة تمضي قدما للأمام بقيادة ورعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - وفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ ‏اللذان يحرصان على تطورها مستقبلا تحقيقا لتطلعات البلدين والشعبين الصديقين.

وبمناسبة مرور 40 عاما على بدء العلاقات قررت السلطنة والصين رفع مستوى العلاقات لسقف الشراكة الإستراتيجية، وذلك في بيان مشترك أكد البند الثامن منه على حرص البلدين على مضى التواصل الإنساني والثقافي بينهما بذات الإصرار وفي كافة المجالات.
ولعل زيارة جمعية الصحفيين العُمانية تاتي في هذا الإطار الذي يعزز التعاون الثقافي ليواكب التعاون الإقتصادي الذي تتسارع فيه الخطى نحو الشراكة الإقتصادية المعبرة عن ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين.

فهذه الزيارة التي تقوم بها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة تاتي في اطار تبادل الزيارات التي تقوم بها الوفود الإعلامية والثقافية الصينية للسلطنة تدعيما لأواصر العلاقات المتنامية، ولعل تنظيم ندوة حول (العلاقات العُمانية الصينية) يشارك فيها عدد من المختصين والباحثين في المجال التاريخي والإقتصادي والإعلامي بينهما يوضح عمق الصلات الحضارية ويؤطر الروابط على اختلافها بين البلدين التي تمتد لقرون من الزمن ويميط اللثام عنها في ذات الوقت، فضلا عن أن السجايا العُمانية يجسدها معرض الصور الذي سوف يعكس بعضا من ملامح التاريخ والحضارة والطبيعة والإنسان والتنمية في السلطنة.

لقد بلغ التعاون الإقتصادي ذروته بين البلدين الصديقين تمثل ذلك في العديد من المجالات والإستثمارات والتبادل التجاري الذي بلغ حجمه في عام 2018 أكثر من 22 مليار دولار، وبذلك تعد الصين الشريك التجاري الأول للسلطنة بل هي المستورد الرئيسي للنفط العُماني إذ تشكل مبيعات النفط العُماني للصين ما يربو عن 97% من إجمالي الصادرات العُمانية لجمهورية الصين الشعبية.

وعلى صعيد الإستثمارات الصينية في السلطنة فإنها تبلغ 6.06 مليار دولار وفق بيانات عام 2018، كما أن التعاون السياحي قادم بقوة ليأخذ مجاله في تعزيز الأطر الهادفة لزيادة تدفق السياح من السوق الصيني الكبير، إذ بلغ عدد السياح الصينيين الذين زاروا السلطنة في الربع الأول من العام الجاري 20.467 سائحا (عشرين ألفا واربعمائة وسبعة وستين سائحا)، أما في عام 2018 فبلغ عددهم 44.580 سائحا، وتعمل السلطنة على الإستفادة من تدفق السياح من السوق الصيني الذين يبلغ عددهم أكثر من 150 مليون سائح سنويا من خلال الآليات التي أُعدت لتعزيز الترويج للسلطنة هناك.

وبالطبع لا يقف التعاون الاقتصادي عند هذا الحد ولا يمكن إختزاله في هذه العجالة وإنما يمتد لمجالات أخرى، تتمثل في تبادل الخبرات والإستفادة من التكنولوجيا الصينية، ولا نغفل حقيقة أن السلطنة بموقعها الجغرافي المتميز تمثل أهمية كبيرة لطريق الحرير أو ما يسمى ب (الحزام الإقتصادي البحري)، فموقعها يقاطع الأسواق الآسيوية والأفريقية وهو ما تسعى الصين لإستثماره من خلال إحياء هذا الشريان في العالم من جديد.

ولعل من نافلة القول أن السلطنة أسهمت في دراسة طريق الحرير في التسعينات من القرن الماضي الذي قامت به منظمة اليونسكو، وذلك بفضل توجيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بتخصيص سفينة فلك السلامة لإستخدامها من جانب البعثة الأممية إنطلاقا من الدور الحضاري وإسهاما في إستكشاف ملامح طريق الحرير.

وبذلك ولذلك فأن آفاق التعاون بين السلطنة والصين رحبة لا تقتصر على الجوانب الثنائية فقط، وأنما تتعداها وصولا لمسؤوليتهما التاريخية والحضارية والإنسانية في مد أواصر العلاقات بين الدول والإسهام الإنساني في إزدهارها، وهاهما يعملان في المحافل الدولية لبلورة كل ما يفيد الإنسانية جمعاء متخذين من إرثهما الحضاري العريق منطلقا لإرساء دعائم السلم والأمن الإجتماعي ومناصرة القضايا العادلة في العالم.

نأمل أن تكلل الجهود العُمانية الصينية في كل ما يهم البلدين والشعبين بالنجاح وأن توفق مساعي جمعية الصحفيين العُمانية فيما تسعى إليه وتنشده في إطلاع الشعب الصيني الصديق على مكونات ومكنونات عُمان الحضارية وملامح النهضة التي تجسدت على هذه الأرض الطيبة من خلال فعالية ثقافية وإعلامية تختزل جوانب مضيئة من التاريخ والحضارة والنهضة في هذا الوطن العزيز الذي يرفل بالعطاء والخير لابناءه ويمد جسور المحبة والوئام للعالم ويقدم نماذج ودروس وعبر في كيفية الإرتقاء بالعلاقات بين الأمم والشعوب.