مسقط – الشبيبة
فقد الوسط الإعلامي البحريني والعربي الصحفي والخبير الإعلامي أحمد إبراهيم المرشد الذي وافته المنية صباح أمس في العاصمة المصرية القاهرة إثر إصابته بأزمة قلبية حادة.
ونعت جمعية الصحفيين البحرينية الراحل وتقدمت بخالص العزاء إلى عائلة الفقيد وإلى الأسرة الصحفية بمملكة البحرين وجمهورية مصر العربية والوسط الإعلامي بدول مجلس التعاون الخليجي، سائلة المولى سبحانه وتعالى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
وكان قد أثرى الكاتب الصحفي الكبير الراحل "جريدة الشبيبة" بالعديد من مقالات الرأي التي كانت تنشر أسبوعيا بالصحيفة والموقع الإلكتروني، حيث كان من أحد أهم كتابها المرموقين.
ونعت "جريدة الشبيبة" الراحل قائلة علي حسابها الرسمي بموقع "تويتر" : "بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تتقدم أسرة الشبيبة بخالص العزاء والمواساة إلى الأسرة الاعلامية البحرينية والعربية بوفاة المغفور له الإعلامي البحريني أحمد المرشد بعد مسيرة حافلة بالعطاء سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان".
وكانت قد أكدت جمعية الصحفيين البحرينية أن الفقيد الإعلامي الكبير أحمد المرشد من الكوادر الوطنية التي حظيت بمكانة عربية مرموقة، بفضل ما تلقاه من دعم واهتمام من القيادة الحكيمة، وهو ما أهله ليكون خبيرا بالجامعة العربية، مسهما في صياغة قراراتها للإعلام العربي.
والمرشد هو كاتب ومحلل سياسي في جريدة الأيام البحرينية، والشبيبة العُمانية والسوق العربية بجمهورية مصر العربية، وجريدة الزمان العراقية التي تصدر بلندن.
وقد عمل أحمد المرشد مستشارًا إعلاميا بوزارة الإعلام بمملكة البحرين ومديرًا عامًّا لاتحاد الصحافة الخليجية، كما عمل مستشارًا إعلاميًّا ومديرًا للعلاقات العامة بوزارة الكهرباء والماء بمكتب الشيخ عبدالله بن سلمان آل خليفة عندما كان وزيرًا للكهرباء والماء.
كما كان مستشارا إعلاميا للوزير المهندس فهمي الجودر بالوزارة نفسها، وعمل مستشارًا إعلاميا بمكتب الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية، وكانت محطته الأخيرة مستشارا لوزير شؤون الكهرباء والماء الدكتور عبدالحسين بن علي ميرزا، ومنها انتقل إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة.
وإلي نص أخر مقال للكاتب الراحل في جريدة "الشبيبة الذي نشره تحت عنوان "حديث الروح"
أعود من جديد الي أغاني أم كلثوم الجميلة وانتقي لكم اليوم ما غنته للشاعر الباكستاني محمد إقبال وكيف استطاعت سيدة الشرق غناء مضمون قصيدتين جمعتهما في قالب شعري واحد في قصيدة «حديث الروح» تلحين الملحن العظيم رياض السنباطي، وهنا يكتب لأم كلثوم أنها عرفتنا علي هذا الشاعر الكبير وما تركه للمكتبة العربية من شعر صوفي.
فقد نظم إقبال قصيدتي «الشكوي» عام 1909 ثم «جواب الشكوي» عام 1913.
ورغم أنني كتبت كثيرا عن أم كلثوم، لكني أجد نفسي اليوم مشدودا للتعبير عما أبدعته في غناء «حديث الروح» لعلني أستطيع أن أوصل للقارئ الكريم نبذة عن قصيدتي الشاعر الكبير محمد إقبال وكوكب الشرق والملحن رياض السنباطي في رحلة فنية مبدعة عنوانها «حديث الروح»، وهي إعادة نظم لقصيدتي الفيلسوف الباكستاني في «الشكوي» التي كتبها عام 1909 وبث فيها شجونه في 120 بيتا وتعد من أروع قصائد مناجاة المولي عز وجل علي مر التاريخ كما اعتقد ويعتقد معي كثيرون، وفيها ينتقد تراجع الدور الحضاري للمسلمين في التاريخ، وتألم فيها كثيرا لحال المسلمين في عصره محاولا مواجهة المشكلات الحضارية التي تعترضهم، ولهذا سمي قصيدته «الشكوي» لأنها كانت كذلك، فالشكوى لله لما وصل إليه حال الأمة الإسلامية المتردي وكيف تراجع دورهم، مبديا ألمه وأسفه تجاه ذلك الحال. ثم حاول الفيلسوف إقبال الرد علي منتقديه بعد أربعة أعوام تقريبا من «الشكوي» ليعدل الصورة في قصيدة «جواب الشكوى» التي نظمها عام 1913 وتضم 140 بيتا، لينقل فيها جواب من الله للمسلمين على شكواه, ليرضي بذلك العلماء الذين سبق وهاجموه. وقد ترجمهما من الأردية الي نثر باللغة العربية العالم الأزهري محمد حسن الأعظمي، في حين أعاد الشاعر المصري الكفيف الشيخ الصاوي شعلان كتابتهما في قصيدة واحدة هي «حديث الروح».
ولعل اختيار أم كلثوم لغناء «حديث الروح» لفيلسوف عصره يعد إنصافا للشاعر الباكستاني فيما أبدعه ولم يطلع عليه العرب حيث كتب معظم أشعاره باللغة الفارسية، فخرجت الكلمات والأداء واللحن من أروع ما تم غناؤه فيما يوصف بالأغاني الدينية لما تضمنت الكلمات الرقيقة من معان مبدعة رغم صعوبتها، ويكفي ما جاء في بداية الحديث حيث طار بلا جناح في الفضاء لتفيض دموع العشق:
حديث الروح للأرواح يسري | وتدركه القلوب بلا عنـاءِ
هتفت به فطار بلا جناح | وشق أنينه صدر الفضـاء
ومعدنه ترابي ولكن | جرت فى لفظه لغة السماءِ
لقد فاضت دموع العشق مني | حديثاً كان علوي النداءِ
فحلق فى ربى الأفلاك حتى | أهاج العالم الاعلى بكائـي
ويتواصل الإبداع لتتحاور النجوم مع دعاء شخص يواصل بث شكواه لله لتهتز المجرة كلها من جراء حديث القلب الشاكي الذي يبث أمله كل مساء ، ومن قبل كانت النجوم علي علم بالصوت الذي يأتيها من كوكبنا أنينا ودعاء بقرب العرش، وقد جسد هذا الحوار السامي لحن السبناطي الذي حلق هو الأخر بنا لنستمتع بشدو أم كلثوم:
تحاورت النجوم وقلن صوت | بقرب العرش موصول الدعاء
وجاوبت المجرة علّ طيفاً | سرى بين الكواكب فى خفاء
وقال البدر هذا قلب شاك | يواصل شدوه عند المسـاء
وإذا كانت الكلمات واضحة، فالمهمة صعبة أمام الملحن الذي تحاور بنفسه مع كل كلمة علي حدة وليس كل مقطع ليخرج لنا قطعة موسيقية فنية لا تبعدنا موسيقاها عن مناجاة الله، فكان اللحن نسمة ولم يقطع حالة الوصال الصوفي:
أمسيت فى الماضي أعيش كأنما | قطع الزمان طريق أمسي عن غدي
والطير صادحة على أفنانها | تبكي الربي بأنينها المتجدد
قد طال تسهيدي وطال نشيدها | مدامعي كالطّل فى الغصن الندي
فإلى متى صمتي كأني زهرة | خرساء لم ترزق براعة منشد
ثم يبدأ «حديث الروح» في التصعيد وتنجح أم كلثوم في تخفيف صعوبة الكلمات بصوتها الجميل مما يجعلنا نرتقي معها شطرا شطرا أو كلمة كلمة لو شئنا الدقة، حتي نصل الي قمة التجليات ليشكو القلب الذي لم يغفل الحمد عن نبضه وهو لسان حاله علي الدوام، وياليتنا جميعا نكون هذا القلب الراضي القانع بكل أقدار الله
قيثارتي ملئت بأناث الجوى | لابد للمكبوت من فيضان
صعدت الى شفتي خواطر مهجتي | ليبين عنها منطقي ولساني
أنا ما تعديت القناعة والرضا | لكنما هى قصة الأشجان
يشكو لك اللهم قلب لم يعش | إلا لحمد علاك فى الأكوان
وتنتهي مرحلة شكوي الفيلسوف الباكستاني عند تذكيره للمسلمين بأنهم الذين دعوا من قبل للواحد القهار مرددين «الله اكبر»، وهم – أي المسلمين – قد ميزهم الله بنعمة الإسلام والتوحيد ولم يكونوا مثل غيرهم من الأقوام التي عبدت الكواكب والنجوم عن جهل، ويكفي المسلمين عزة أنهم يرددون الشهادة إيمانا بوحدانية الخالق، فلا إله سواه الذي قدر الأقدار ومن يقول للشيء كن فيكون:
من قام يهتف باسم ذاتك قبلنا | من كان يدعو الواحد القهارا
عبدوا الكواكب والنجوم جهالة | لم يبلغوا من هديها أنوارا
هل أعلن التوحيد داع قبلنا | وهدى القلوب إليك والأنظارا
ندعوا جهاراً لا إله سوى الذي | صنع الوجود وقدّر الأقدارا
تتواصل مناجاة محمد إقبال التي تنقلها لنا أم كلثوم بصوتها، حتي يأتي جوابه علي شكواه وفيها يبدل الشكوي بحديث عن الهمم وتذكرة المسلمين في شتي أقطار المعمورة من مغبة ضياع الإيمان، فالتحذير واضح وجلي للجميع فمن ضاع إيمانه بالله فلن يعيش آمنا وسيظل بلا أمان، وهذه هي النتيجة الطبيعية لمن لم يحافظ علي دينه فلا دنيا له، فمن يعمل لدنيته فقط فلن تنفع في الآخرة وسيكون الفناء مصير من رضي الحياة بلا دين بلا جدال..ولم تتوان كلمات ونصائح محمد إقبال التي يلقيها علي مسامح المسلمين عبر صوت أم كلثوم، فالاتحاد قوة وبلوغ العلا لا يأتي من متفرقين، وعلينا جميعا أن نكون علي كلمة سواء أسوة برسالة نبينا الكريم الذي وحد العرب برسالته، ويكفي عزة وافتخار للمسلمين جميعا أن قبلتهم واحدة ومصحفهم وقرآنهم محفوظ ليوم الدين، وربهم الواحد الحي الرحمن الرحيم رب كل الأكوان والعالمين:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان | ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضى الحياة بغير دين | فقد جعل الفناء لها قرينا
عندما اكتب عن أم كلثوم يساورني إحساس جميل بهذه السيدة التي تعد الهرم الرابع بمصر والتي لم ولن يجود الزمان بمثلها..نعم لم ولن نري أم كلثوم أخري، فهي لا تزال متربعة علي هذا العرش رغم مرور كل هذه السنوات علي رحيلها، فهي كوكب الشرق بلا منازع والسيدة الأعظم في الغناء العربي. أشعر عندما اكتب عن أم كلثوم أن كتاباتي عن هذه السيدة لا ترقي حتي درجة واحدة من ملايين الدرجات التي تتميز بها أم كلثوم، وما كتاباتي وكتابات الآخرين عنها سوي نذر يسير عن فخرنا جميعا التي لن نوفيها حقها في الوصف وما تميزت به حنجرتها الذهبية.