مواجهة الاستبداد في فكر مفتى السلطنة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣٠/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٣٤ ص
مواجهة الاستبداد في فكر مفتى السلطنة

فريد أحمد حسن

في كتابه الزاخر بالعلم والمعرفة والرأي السديد والذي أسماه "الاستبداد .. مظاهره ومواجهته" يضع سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة يده مباشرة على السبب الذي قلب كيان الأمة الإسلامية وأدخلها في وضع صعب لا تزال غير قادرة على الإفلات منه . يلخص سماحته ذلك في هذه الفقرة المهمة والتي هي الكتاب نفسه ، حيث كتب " إن أعظم بلاء على الأمة ومصيبة في الدين تحول نظام الحكم ، الذي كان يسود الأمة من أقصاها إلى أقصاها ، من منهج رباني - يقوم على العدل ، والشورى ، ومحاسبة النفس ، والخوف والرجاء من الله، وينبني على عقد بين الأمة والخليفة ، يكون الخليفة بموجبه أجيرا للأمة تحق مراقبته ومحاسبته على القليل والكثير ، كما يحق لها مع انحرافه عن الجادة أن ترده إليها بالنصح والتقويم ،فإن أبى كان لها عزله ولو بالقوة – إلى منهج شيطاني ، يقوم على الجور والاستبداد ، وإعطاء النفس شهواتها في البطش بالأمة ، وسلبها جميع حقوقها المادية والمعنوية ، وإطلاق يد المتسلط للعبث بأموالها وسفك دمائها ، ومعاملتها كقطيع من السوائم لا تجتلب لنفسها نفعا ولا تدفع ضرا " ، مبينا سماحته أن هذا "كان بلا ريب حدا فاصلا بين عهدين في حياة الأمة ، عهد القوة والعزة والكرامة ، وعهد الضعف والذلة والمهانة" .
فقرة قصيرة حلل خلالها سماحته كامل ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم ، ضمنها الأسباب وشرح الواقع وأوضح سبيل الخروج من هذه الحال إلى الحال التي ينبغي أن تكون فيها هذه الأمة التي عليها الدور الأكبر في هداية الناس إلى الطريق القويم . في هذه الفقرة من الكتاب قرر سماحة المفتي أن للحكم منهجان ؛ منهج رباني ، ومنهج شيطاني ، وأن ما حدث باختصار وأدى إلى هذا الواقع الذي نعيشه اليوم هو أن الناس تركوا الأول واعتمدوا الثاني ليكون نبراسهم وبنوا عليه حياتهم فضاعوا .
كل ما تعانيه الدول الإسلامية اليوم لا يخرج عن هذا الذي لخصه الشيخ الخليلي في هذه الفقرة وفي هذا الكتاب المهم والواقع في ثلاثمائة وسبعين صفحة والذي وفر من خلاله العديد من صور الاستبداد وسبل مواجهته، ولو سعى أي باحث في شأن أي دولة إسلامية لمعرفة أسباب ما يدور فيها اليوم من مآس وما تعانيه من مشكلات لتوصل إلى الحقيقة التي ملخصها أن الناس تحولوا من المنهج الرباني إلى المنهج الشيطاني وأنهم إن أرادوا العودة إلى الحياة من جديد وأرادوا أن يصير لهم شأن في هذه الدنيا فإن عليهم أن يعودوا إلى ما كانوا فيه أيام الخلافة الراشدة ، دون أن يعني هذا لفظ كل ما توصلت إليه البشرية من تقدم وتطور .
لولا الاستبداد لما صارت هذه الأمة ضعيفة ولما صار يسهل تصنيفها في باب الذليلة والمهانة ، ذلك أن القوة والعزة والكرامة لا يصير لها مكان في مثل هذه الأحوال ، أي أن الاستبداد يقضي على القوة ويجرح العزة ويضيع الكرامة ، وإن ضاعت هذه ضاعت هيبة الأمة ولم يعد لها شأن بين الأمم .
ما حدث ولا يزال يحدث اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا لا تبتعد أسبابه عن تلك التي لخصها سماحة المفتي الخليلي في تلك الفقرة المهمة من كتابه المهم، وما يحدث في غير هذه الدول ، أو قد يحدث لاحقا ، أسبابه هي نفسها التي تم بيانها ، أي أن ما حدث ويحدث هو نتيجة للمنهج الخاطئ الذي اختاره الناس ورضوا به رغم علمهم بأنه كذلك ومعرفتهم بتجاوزه للشرع الذي يرفض الظلم ويرفض أن تصير الأمة ضعيفة وذليلة ومهانة ويفقد فيها الناس عزتهم وتنجرح كرامتهم .
لم يشر سماحة المفتي في كتابه إلى أي من البلدان العربية والإسلامية فالكتاب ليس سياسيا ولكن ما ورد فيه ينطبق على كثير منها ويعين على فهم ما يدور فيها والتوصل إلى السبل المعينة على إخراجها من معاناتها . هنا مثال . يقول سماحته إن "المتأمل في أحوال الأمم يجد أن انتشار الظلم فيها ورضوخها له كان نتيجة زيغ العقول وانحراف الأفكار عن الفطرة وانقلاب الموازين في تلك الأمم ، بحيث ترى القبيح حسنا والحسن قبيحا والجور عدلا والعدل جورا ، حتى تستمرئ جماهير الناس الذل وتستعذب الهوان وتقبل كل ما تلقاه من بطش وتعانيه من حرمان ، فلا تفكر في حق تطالب به أو حرية تتمتع بها في الحياة ، لأنها رضيت لنفسها حياة العبودية ، فلا تزال مستخذية للظلم تتقرب إليه بكل ما يريده منها" ، مضيفا بهذا إلى الأسباب السابقة سببا مهما يتعلق بسلبية الناس ، أي أنه لولا سكوتهم عن الظلم الذي رأوه ولمسوه بأعينهم وأيديهم لما صار هذا حالهم ولما تمكن الظالم منهم .
رسالة قوية يوجهها سماحة مفتي السلطنة الشيخ أحمد الخليلي إلى كل شعوب العالم ملخصها أنهم هم من يقرر أن يكونوا أذلاء أو أقوياء ، إن خنعوا واستكانوا ذلوا ، وإن اختاروا المنهج الرباني تمكنوا من الجور والاستبداد . شواهد ذلك متوفرة اليوم في العديد من البلاد العربية والإسلامية التي إن أرادت شعوبها أن تعيش كما ينبغي لها أن تعيش فإن عليها أن تقف في وجه الاستبداد بجرأة وأن تحاربه بكل ما أوتيت من قوة وأن تعتمد المنهج الرباني وترفض المنهج الشيطاني .

• كاتب بحريني