دعوات الزواج بالواتساب !

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٨/أغسطس/٢٠١٩ ١٤:٠٠ م

علي بن راشد المطاعني

أحد الزملاء اتصل بي ليسألني عما إذا كنت سأذهب لعقد قرآن إبن أحد الزملاء، قلت نعم سأذهب، وأنت: قال لن أذهب، وطبيعي أن أساله لماذا والزميل عزيز على كلانا، وأضح مستنكرا لقد جاءتني بطاقة الدعوة عبر رسالة واتساب من الابن الشاب المتزوج، وأنا معه جنبا لجنب طوال ساعات العمل، لم يكلف نفسه جهد أن يسر إليّ بهذا النبأ السعيد، لتشرق تعابير وجهي فرحا وألقا وسعادة أمامه وليرى بأم عينيه سعادتي وإغتباطي، ويستطرد للاسف ان العريس والعروسة معنا بالمكتب يعملوا ولم يدعونا احد لهذه المناسبة بشكل مباشر، ويضيف انتبابني إحساس مؤلم بأنه لم يقدرني ولم يحفظ لي عهدا ولا وفاء، فهذه الواتسابية عبر خاصية (البورت كوست) ذهبت للجميع، القريب والبعيد، الصديق واللا صديق، فأين سأجد نفسي وسط هؤلاء، وأين هي منزلتي الأثيرة إفتراضا في سويداء قلبه.

فهل ياترى أنحدرت علاقاتنا الاجتماعية المؤطرة بعادتنا إلى هذا الدرك الأسفل من الجفاء، هل إستطاعت التكنولوجيا الجديدة أن تسرق من بين أيدينا أجمل وأروع ما يميزنا عن الكثير من شعوب الأرض، وهو تكاتفنا وتعاضدنا وتلاحمنا في المسرات وغيرها، ثم هي ياترى أرسل إليه رسالة واتسابية ممتزجة بعاطر التهاني بالزواج السعيد، ليغدو الرد بديلا عن الحضور الذي يكلف عناء الترحال، وإذا ما توصل كل المدعويين إلى ذات فكرتي الواتسابية المجنونة فذلك يعني إنه لن يحضر أحد، ستكتمل فرحة صديقي في الهاتف إذ هي بدأت منه وستنتهي إليه.

تأملت في كلام صديقي مليا، لم أجد في الواقع غبار عليه، فهذه الجوانب ذات أهمية كبيرة بالفعل وتعكس تقدير الشخص لمحبيه وزملاءه واقراباءه وغيرهم، ومن يتعشم أن يحضروا مناسباته وافراحه بل هي تعد إحدى البروتوكولات الإجتماعية المتوارثة أبا عن جد، فهل كتبنا نهايتها بهذا النحو المؤسف؟..

ففي الدول الأوروبية ورغم التطور العلمي والتقني الشاسع بيننا إلا أنهم لايزالون يحتفظون بالمراسيم التقليدية في الدعوات للأفراح عبر بطاقة مرسلة بالبريد، وبعضهم يقوم بالإتصال المباشر وليسمع بنفسه عبارات الفرح من الصديق، بل أن بطاقات المعايدة وأعياد الميلاد تزدان بعبارات رائعة وجمل معبرة ترسل عبر البريد كجزء أصيل من ثقافة المجتمع، ونجد الكثير من منازل الأوروبيين أشبه ماتكون بمعارض لبطاقات المعايدة، كل بطاقة لها قصة وحكاية، ومن وراءها صديق صدوق، وهم مابرحوا يحافظون على هذا الإرث الاجتماعي الجميل، رغم أن هواتفهم النقالة أحدث من هواتفنا وواتساباتهم أشمل وأحدث من واتساباتنا.

من ذلك نخلص إلى أن هذا الجديد ولا نقول الوافد إذ إتفقنا على أن أوروبا المتحضرة لم تفعل مانفعله وبالتالي فهذا الشئ يمثل إنبهار محلي أعمي بالتكنولوجيا ليس له مايبرره على الصعيد الاجتماعي، غير أن المتفق عليه هو أن مايحدث سيفكك أواصر المجتمع ويوسع الفجوة أو الهوة بين أفراده لصالح الشيطان بعد أن تمدن وتحضر وتدثر على هيئة تطبيق أسمه الواتساب فوسوس للناس بما نرى.

بالطبع لا نعمم تلك الممارسات الخاطئة على جميع أفراد المجتمع لكن هذه العادة ماضية في صمت لأكتساح واقعنا المعاش وبغير أن ينتبه إليها أحد.

فللاسف فبعد أن كان افراد المجتمع، يذهبون لمنازل من يودون دعوته واحداً واحدا، أتي إستخدام الهاتف وبطاقات الدعوة لتكون إحدى الأدوات البديلة، وهو ما كان مقبولاً إلى حدٍ ما على إعتبار أنه يحقق الدعوة والتواصل الإجتماعي المباشر والشخصي بين الطرفين.. وجاء إستخدام تطبيق الواتساب أخيراً ليقضي على كل تلك المشاعر والقيم الإنسانية النبيلة المرتبطة بهذه المناسبات الإجتماعية» والخوف يكمن في تلاشي هذه المعاني النبيلة مع الوقت ومع إستمرار إستخدام هذه الأدوات في الدعوة لمثل هذه المناسبات الإجتماعية الطيبة.

أمل أن لا تفقدنا هذه التقنيات والبرمجيات والتطبيقات الإلكترونية الجافة قيمنا الإجتماعية الأصيلة والجميلة والمضمخة بأهازيج وعطور لن يستطيع الواتساب الإتيان بها وإن جئنا بمثلة مددا.