تقديم الإنتهاكات في سوريا للعدالة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣٠/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٣٣ ص
تقديم الإنتهاكات في سوريا للعدالة

أرييه نيير

نيويورك ــ تشكل تقارير حقوق الإنسان مادة قراءة كئيبة قابضة للصدر. فهي مليئة بروايات عن أفعال قاسية، ولهذا فهي تبث في الأنفس اليأس من أحوال البشر. ولكن برغم أنني قرأت الكثير من هذه التقارير على مر السنين، فلا أستطيع أن أتذكر تقريراً واحداً يذخر بمثل هذا القدر الهائل من الرعب الذي احتوى عليه التقرير الذي نشرته مؤخراً اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الجمهورية العربية السورية.
مُنِعَت هذه اللجنة، التي أنشأها في عام 2011 مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من الدخول إلى سوريا؛ وقد اعتمدت في النتائج التي توصلت إليها على 415 مقابلة، فضلاً عن الصور الفوتوغرافية، وتسجيلات الفيديو، وصور الأقمار الصناعية، والسجلات الطبية. وتشمل الجرائم التي توثقها اللجنة إلحاق الأذى الشديد بالمدنيين بفِعل الغارات الجوية الروسية التي كان الغرض منها دعم الحكومة السورية، واستهداف المستشفيات، والطواقم الطبية، ووسائل النقل، والهجمات المتواصلة، والمتعمدة، والعشوائية على المدارس.
كما ذَكَر الباحثون أن تنظيم داعش دَمَّر مواقع التراث الثقافي السوري واسترق جنسياً الآلاف من النساء والفتيات الأزيديات، وأن الحكومة السورية نفذت بمشاركة حليفها اللبناني حزب الله هجمات منتظمة ضد السُنّة، أكبر طائفة دينية في البلاد، واستخدمت الحصار لتجويع المدنيين.
هذا هو التقرير الحادي عشر الصادر عن اللجنة، والذي ينتهي كالعادة إلى قائمة طويلة من التوصيات، والتي من غير المرجح للأسف أن تنفذ في أي وقت قريب. بيد أن أحد المقترحات يستحق أن نسلط عليه الضوء. إذ تدعو اللجنة إلى "إحالة الأمر برمته إلى العدالة، وربما إلى المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة مخصصة، مع الأخذ في الاعتبار أنه في سياق الجمهورية العربية السورية، يصبح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الهيئة الوحيدة المختصة بالإحالة.
ولكن في هذه الحالة، لا يمكن الاعتماد على مجلس الأمن لخدمة قضية العدالة. ذلك أن روسيا، وهي واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، متحالفة مع الحكومة السورية التي ارتكبت العدد الأكبر من الانتهاكات. وروسيا ذاتها قصفت العديد من المنشآت الطبية. ومن المؤكد أن الكرملين سيستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع محاولات تقديم الجناة إلى العدالة. وإذا كان للمساءلة أن تأخذ مجراها، فلابد أن تأتي عبر قناة مختلفة.
قبل أربع سنوات، دعوت جامعة الدول العربية لإنشاء محكمة جنائية لسوريا. وكانت بعض الانتهاكات الشديدة وقعت بالفعل، ولكن كان من الواضح حتى في ذلك الحين أن روسيا ستمنع إي إجراء من قِبَل مجلس الأمن. وكنت أعتقد أن محكمة تنشئها جامعة الدول العربية سوف تتمتع بالشرعية ــ العنصر الحاسم في تشكيل أي هيئة من هذا القبيل ــ لإجراء محاكمات جرائم الحرب.
كان مصير اقتراحي التجاهل. وأظن أن بعض الحكومات العربية خشيت أن يكون في إنشاء محكمة لسوريا سابقة من شأنها أن تؤدي إلى دعم جهود المساءلة عن جرائم ترتكب في أماكن أخرى في المنطقة. فبالنظر إلى الفظائع والأعمال الوحشية التي ترتكب في اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأنظمة القمعية ، فإن مثل هذه الجهود لن تكون شعبية في أقل تقدير.
ولكن إذا لم يكن في الإمكان إنشاء محكمة جرائم حرب لسوريا، فربما يفي بالغرض شكل محدود من المساءلة. فقد جمعت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق معلومات تشير إلى بعض المسؤولين عن الجرائم التي حققت فيها، ولكنها لم تنشرها علنا. ولابد من الإفصاح عن أسماء أولئك المسؤولين، سواء من قِبَل اللجنة أو هيئة أخرى ينشئها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
ويجب إخطار أولئك الذين سيكشف عن أسمائهم ومنحهم الفرصة لتفنيد ودحض نتائج التحقيق. وإذا رفضوا الاستجابة، أو إذا لم تكن ردودهم مقنعة، فلابد أن تُذكَر أسماؤهم والجرائم المنسوبة إليهم علنا. وبوسع مجلس حقوق الإنسان أن يعمل مستقلا. فتصرفاته لا تخضع لحق النقض من جانب دولة أو أكثر من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
وهناك سوابق كثيرة لمثل هذا الجهد. فقبل أن تؤسس الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، أنشأت لجنة من الخبراء، والتي لم تعقد محاكمات ولكنها أجرت التحقيقات وحددت علناً أسماء أولئك الذين اعتبرتهم مسؤولين. وعلى نحو مماثل، أنشئت لجان الحقيقة في أكثر من أربعين دولة، وفي بعض الأحيان تحت رعاية الأمم المتحدة. ورغم أنها لم تعقد محاكمات فإن أغلبها ــ مثل اللجنة التي أنشأتها الأمم المتحدة في السلفادور بعد الحرب الأهلية ــ قدمت أسماء أولئك الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة.
إن مجرد وصم المسؤولين عن جرائم الحرب لن يرقى بأي حال إلى فرض عقوبات جنائية. ولكن هذا من شأنه أن يوفر على الأقل قدراً من المساءلة. ومن المرجح أن يسفر عن المزيد من التدابير. ذلك أن معرفة من ارتكب جرائم بعينها من شأنها أن تعزز المطالبة بإنشاء محكمة لتقديم الجناة إلى العدالة. وعلى نفس القدر من الأهمية، من الممكن أن يساعد تسليط الضوء على أولئك الذين ينتهكون حقوق الإنسان في ردع أولئك الذين لا يريدون أن يتم تعريفهم كمجرمين عن القيام بأعمال مماثلة في المستقبل.

الرئيس الفخري لمؤسسات المجتمع المفتوح، ومؤسِّس منظمة هيومن رايتس واتش،