المرأة والشورى: جدلية التمكين وضعف التمثيل

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/أغسطس/٢٠١٩ ١٣:٤٨ م
المرأة والشورى: جدلية التمكين وضعف التمثيل

علي بن سعيد الريامي

منذ انطلاقة مجلس الشورى في العام 1991م، وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود لا يزال موضوع تمكين المرأة للوصول إلى مجلس الشورى يراوح مكانه وهي حالة تستدعي التشخيص من خلال دراسة علمية متخصصة يمكن القيام بها مستقبلاً، وماهذا المقال سوى محاولة متواضعة لاستثارة الأفكار والجدل الدائر حول جدلية تمكين المرأة وضعف التمثيل في الكثير من النقاشات والجلسات الحوارية خاصة الافتراضية منها، والتي بدأت تنشط هذه الأيام تزامناً مع انتخابات مجلس الشورى في الفترة التاسعة.

التساؤل الجوهري الذي أود طرحه: لماذا كان ولا يزال تمثيل نصف المجتمع(المرأة) تمثيلاً ضعيفا رغم أن قضايا المرأة والأسرة ركيزة أساسية في أهداف التنمية المستدامة، فضلاً عن كونها لبنة أساسية في بناء المجتمع لا يكتمل البناء إلا بها.

من خلال إحصاء المترشحين لعضوية المجلس للفترة التاسعة سنجد أن حضور المرأة مترشحة لا يمثل سوى ما نسبته 5.6 % تقريبا من إجمالي عدد المترشحين 767 منهم 43 امرأة فقط، وهذا الرقم يعطي دلالة كبيرة وعميقة لواقع التمثيل النسوي، ومن خلال متابعاتي هذه النتيجة هي ليست محصلة عزوف شخصي بقدر ما هو فقدان الثقة بإمكانية الوصول، وهذا الواقع نتاج تراكمات لمحاولات لم يكتب لها التوفيق في الدورات السابقة. وتاريخياً ومنذ أن أعطى المشرع المرأة حق التصويت وحق الترشح، ودخولها للمرة الأولى في الدورة الثانية(1994-1997)، وحتى الدورة الثامنة لم يصل للمجلس سوى خمس مترشحات فقط.

في استطلاع بسيط كنت قد أجريته في «تويتر» قبل بضعة أيام صوت فيه خلال 24 ساعة فقط 1004، وكان السؤال المطروح يتمحور حول حظوظ(إمكانية) وصول المرأة إلى مجلس الشورى في الفترة التاسعة، فكانت نسبة الذين يعتقدون بأن حظوظها كبيرة 33%، ونسبة من يعتقد أن حظوظها ضعيفة 51%، بينما من يعتقد أنها لن تصل بالمطلق 16%.

قد لا يكون الاستطلاع موضوعياً بالنظر إلى حجم وعينة المصوتين وكذلك من حيث الجنس والعمر، ومستوى التعليم، إلا أنه يمكن أن نستشف أن واقعاً في طريقه أن يكرّس بهذه الصورة النمطية عن عدم قدرة المرأة في التمثيل النيابي والمجالس الرقابية والتشريعية، رغم أن القدرات المطلوبة ذهنية فكرية وليست عضلية، إلا إذا كان هناك دليل علمي لإثبات عكس ذلك.

وفي سؤال كنت قد وجهته للخطاب الكندي ممثل ولاية نزوى في عضوية مجلس الشورى للفترتين الثانية والثالثة عن تجربته في المجلس وعن مشاركة المرأة، استذكر تلك الفترة حيث قال: «كان لهنّ دور فعّال» و «كنّ فعلاً ممثلات برلمانيات». هذه الشهادة بحكم معرفتي بما يتمتع به من موضوعية وشفافية تسقط تقريباً نظرية من يشكك بقدرات المرأة على التمثيل النيابي إذا كان لديهنّ الكفاءة، والقدرات الفكرية، ومنطق الحكمة وفصل الخطاب.

قد يقول قائل أن هذا الضمور في حضور المرأة في البرلمانات والمجالس التشريعية والنيابية-أياً كانت التسمية- ليس حصراً على الحالة العمانية، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل حتى على المستوى الإقليمي والدولي، وهذا صحيح لكن الفرق أننا نسمع صدى لنضال نسوي هناك، بينما معنا يكاد يكون شبه معدوم، لكن من جهة أخرى وإنصافاً للحق في عُمان أعطي للمرأة حقوقاً متساوية تقريبا مع الرجل، عدا ذلك التمايز كما أقرته الشريعة الإسلامية -كحق الميراث مثلاً-، وبعض الحقوق المختلف عليها بحكم الأعراف وجمود القوانين أحياناً، ومع ذلك يثار في بعض المناقشات طبيعة التمكين الذي حظيت به وكيف أنه أقرب ما يكون إلى الهبة، وأنه في ذاته سخاء وكرم زائد، وأن ما يوهب بسهولة يمكن فقده بسهولة. ويذهب البعض أبعد من ذلك بالتفكير في أن ذلك التمكين هو من أجل الوفاء بالمعاهدات الدولية كمعاهدة CEDAW (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) وكذلك التخفيف من ضغط المنظمات الحقوقية الإنسانية المطالبة بحقوق المرأة ويمكن القول هنا أن مجرد النقاش وطرح هذا المنطق اختلفنا أم اتفقنا معه قد يخلق وعياً مغلوطاً لدى الكثيرين في المجتمع، إذا ما تم النظر إلى ذلك التمكين بأنه تمكين فرض ومجاملة أكثر منه استحقاق.

من الملاحظ كذلك ومن خلال تتبع ورصد التجاذبات الفكرية السائدة في المجتمعات الشرقية أن العقلية الذكورية لا تزال هي المهيمنة تغذيها الاجتهادات المؤولة من متون السنة خاصة، دون مراعاة اللحظة التاريخية التي أنتجتها، ناهيك عما لحقها من تحريف أو حتى تأليف، وفي المقابل نتجاهل مشاركة المرأة في بيعة العقبة الأولى التي عرفت في التاريخ أيضاً ببيعة النساء، وكذلك بيعة العقبة الثانية التي شهدت مشاركة عدد من النساء، كأول مشاركة نسائية في بناء الدولة الإسلامية، ونتجاهل خروج السيدة عائشة معارضة في موقعة الجمل، ونتجاهل السمراء الأسدية محتسبة في سوق المدينة في عهد عمر، ونماذج أخرى كثيرة. أما علاقة كل ذلك بالموضوع الرئيس هنا هو أن الشورى «قيمة إنسانية ضرورية لممارسة ولاية الأمر، وخاصة فيما يتعلق بالحكم والسياسة والاقتصاد والتشريع»، وفي ممارسة هذه الولاية يتساوى في ذلك الرجل والمرأة.

بالمجمل يتطلب التمكين الحقيقي للمرأة حراكاً توعوياً يعقب التوجه الرسمي لأعلى السلطات، فمثلاً عندما نتكأ على التوجه السامي لجلالة السلطان-حفظه الله-في مقولته في مجلس عمان عام 2009م، «أن الوطن في مسيرته المباركة يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة؛ فهو بلا ريب كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟»، كان يفترض أن يتم تحويل هذا التوجه إلى برامج عمل، وتوعية على مختلف الأصعدة، تتبناه الجمعيات المدنية والمؤسسات الثقافية ذات العلاقة، وتحرك جذوته الدوائر الإعلامية، وتحوله المرأة ذاتها إلى تطبيق عملي فاعل وناشط في المجتمع.

لعل من التجارب التي أبهرتني من خلال زيارتي للبرلمان التنزاني في العاصمة الإدارية والسياسية دودوما حضور المرأة في البرلمان، ويكفي أن 19 عضوة في البرلمان من زنجبار وحدها، أيضاً قرأت عن الحضور السياسي للمرأة الموريتانية، فوجدت أنها تمثل في البرلمان الموريتاني الجديد نسبة الربع تقريبا من مجمل أعضاء البرلمان البالغ عددهم 157 عضوا، والمميز في التجربة الموريتانية هو وجود لائحة وطنية للنساء، واللائحة المختلطة وهذا يعني أن وجود تشريع يواكب تمكين المرأة قادر على إحداث الفارق وتغيير الصورة النمطية، ومعظم البرلمانات العربية تقريبا تتخذ من نظام الكوتة وسيلة لتمكين المرأة في المجالس التشريعية، ويمكن تجربة هذا النظام لدورتين، وهذا كفيل لأن يعتاد المجتمع على وجود المرأة كعضوة في مجلس الشورى، كما يمكن طرح فكرة تخصيص مقعد ثالث تتنافس عليه المرأة في الحواضر الكبرى الأكثر تعددية كمرحلة أولى مثل مسقط، وصحار ونزوى وصور وصلالة.

ختاماً وكما يقول كارل ماركس: «التغيّرات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون ثورة نسائية، وتقدم أي مجتمع يقاس من خلال وضع المرأة فيه»، وربما هذه دعوة إلى مناصرة إنسانية المرأة إذا كنا نؤمن بتمكينها حقاً لتصل إلى مجلس الشورى، إذا ما كان هناك قناعة بأنها فعلاً تملك من الكفاءة والفكر المتّقد وحسن التدبير ما يمكّنها من خدمة وطنها ومجتمعها.

أكاديمي بجامعة السلطان قابوس